الكويت تعد بمعالجة أوضاع “البدون” في غضون عامين
الحكومة الجديدة ومجلس الأمة توافقا على إنهاء الملف المستعصي عبر إقرار قانون طموح يقترح إجراءات عملية وسقفاً زمنياً لحل المشكلة
شكل مجلس الأمة الكويتي لجنة أطلق عليها “غير محددي الجنسية” لحل قضية البدون (أ ف ب)
أعلنت الحكومة الكويتية التي أقرت للتو برنامج عملها خلال السنوات الأربع المقبلة، أنها ماضية في اتخاذ خطوات إصلاحية شاملة في جميع مفاصل الدولة، بما في ذلك ملف “البدون” الذي ظل قضية رأي عام شبه مستعصية على الحكومات المتعاقبة في الإمارة الخليجية الغنية بالنفط والسجال السياسي بين الفرقاء.
وكان لافتاً إقرار مجلس الأمة في البلاد خلال عرض برنامج عمل الحكومة بين أروقته بند “تجنيس المستحقين ممن ثبت انطباق أوضاعهم مع المتطلبات القانونية للتجنيس، ومعالجة الملف بحلول نهائية، وفقاً للبيانات الرسمية، وستكون قائمة على الحزم والبت دون تأخير أو إبطاء، كما ستنشأ هيئة عامة لشؤون الجنسية”.
جدية في تفعيل الإصلاحات
ولفتت الحكومة إلى أن برنامج عملها للفصل التشريعي السابع عشر يعكس جدية في تفعيل الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية الملحة التي وعدت بها، وذلك “بالتوافق مع مجلس الأمة بما يسهم في دفع عجلة الإنجاز التنموي ووضع حجر الأساس لتعاون مستدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بما يجسد الشكل الحقيقي للنصوص الدستورية، ويحقق التطلعات التنموية للدولة بشكل عام والمواطنين بشكل خاص”.
حصر طلبات الجنسية خلال عام
وفي أول جلسة عملية للمجلس الذي انتخب في 29 سبتمبر (أيلول) 2022، قام المجلس بتشكيل لجنة سماها “غير محددي الجنسية”، لتتمخض أعمالها بعد شهر من الدراسات بوضع مقترح القانون المكون من 10 مواد، منها أن تقوم وزارة الداخلية بحصر أسماء جميع طلبات الحصول على الجنسية المسجلة لدى الجهات الرسمية خلال عام واحد.
ونص الاقتراح على منح كل من ورد اسمه في ذلك الحصر بطاقة مدنية لدى الهيئة العامة للمعلومات المدنية، ويجوز تجديدها إلى حين بت وضعه بصورة نهائية.
ويتضمن المقترح أن تقوم وزارة الداخلية بنشر أسماء جميع من حصرت أسماؤهم في الجريدة الرسمية خلال ستة أشهر من انتهاء المدة المحددة في الفقرة الأولى من المادة الأولى في القانون، وأن تلتزم الحكومة وضع حل شامل ونهائي خلال سنة واحدة من تاريخ نشر الأسماء في الجريدة الرسمية.
نواب يرون إسقاط الجنسية من أعمال السيادة
في غضون ذلك أعلن خمسة نواب في هذا السياق عن تقدمهم باقتراح يقتضي إضافة فقرة جديدة إلى المادة الثانية من المرسوم في القانون رقم 23 لسنة 1990 يؤكد على عدم اعتبار القرارات الصادرة في مسائل سحب وإسقاط الجنسية من أعمال السيادة، ونص الاقتراح على أن تضاف إلى المادة الثانية من القانون فقرة تقول “ولا تعد من أعمال السيادة مسائل سحب وإسقاط الجنسية”.
ونصت المذكرة الإيضاحية للاقتراح على أن “المواطنة انتماء وارتباط وثيق بين الفرد والوطن، وهي حق وشرف لكل كويتي، وتسهر السلطات العامة في الدولة على حمايتها، والهوية الوطنية دليل عليها، وتثبت الهوية الوطنية بالجنسية الكويتية، وهي حق أصيل ولصيق بالشخصية لكل من ولد لأب كويتي أو منحت له، حيث ثبتت حالات تم إسقاط الجنسية عنهم ظلماً، ولم تستطع الجهات القضائية بت قضيتهم لأن الجنسية حق سيادي”.
الفرق بين قانون الجنسية الحالي والسابق
في الوقت الذي بادر مجلس الأمة بمعالجة موضوع الجنسيات في الكويت، توجس البعض من مصير هذا الاقتراح الذي قُدم، خشية ألا يؤدي لحل القضية بالفعل مثل المقترحات السابقة التي لم تجد سبيلاً للتنفيذ، ففي العام الماضي 2021 تقدم كل من رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وجمعية المحامين بقانونين للجنسية يتشابهان في مضمونهما مع القانون الحالي من مجلس الأمة، إذ إن جميع القوانين تدعو بداية إلى حصر الأسماء لمن تتوفر لديهم شروط الجنسية، والفئات التي يفترض أن تمنح لها الجنسية، فيشير قانون الدورة السابقة بأن الحصر يكون للمقيدين في الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، أما جمعية المحامين فحددت ثلاث فئات للحصر والحصول على الجنسية وهم الموجودون قبل 1965 وأقرباؤهم حتى الدرجة الرابعة وأبناء الشهداء والكويتيات وأصحاب الأعمال الجليلة، والفئة الثانية العسكريون والموظفون الحكوميون الموجودون بين 1965 و1990، والفئة الثالثة، هم أقارب الفئتين الأولى والثانية، وعديمو الجنسية الذين لم تشملهم قوائم الفئة الأولى والثانية، وهم الذين تبينهم إحصاءات الهيئة العامة للمعلومات المدنية.
بينما ينص قانون المجلس الحالي على معالجة أوضاع ثلاث فئات كذلك، هي الفئة الأولى المسجلون لدى اللجنة العليا للجنسية بمجلس الوزراء، والفئة الثانية، المسجلون في مكتب الشهيد، والفئة الثالثة هم المسجلون في الهيئة العامة للمعلومات المدنية ممن أقاموا في الكويت سنة 1965 أو قبلها.
مقايضات ومساومات بين الحكومة والبرلمان
ويرى الكاتب الكويتي وليد الأحمد أن ملف “البدون” “لعبت به الحكومة عبر المساومات والمقايضة مع نواب مجلس الأمة على مختلف الفترات البرلمانية، وتعاقب الحكومات حتى وصلت مرحلة أوقفت فيها تجنيس المستحقين”.
وأضاف الأحمد “الأجيال الصغيرة ضائعة لا تعرف كيف سيكون مستقبلها، ومن هنا ظهرت حالات المعاناة والأمراض النفسية والمشكلات الأمنية لدى تلك الفئة الكويتية التي حرمت من الجنسية”.
مؤشرات على قرب الحل
أما الكاتب الكويتي فهد الأربش فاعتبر أن جميع المؤشرات تدل على أن قضية “البدون” ستحل قريباً، وقال في تغريدة له على “تويتر” تعليقاً على التحولات الجديدة “من يستحق الجنسية سوف يحصل عليها كما يبدو، ومن لم تتضح معالم استحقاقه فسيعطى مهلة يعدل فيها وضعه، أو يعد مخالفاً لنظام الإقامة في الكويت”، مؤكداً أن بلاده قطعت التزامات دولية بحل هذا الملف، وأنه متفائل بأن عهد الحكومة الجديد قادر على طي القضية وإغلاقها إلى الأبد.
على النقيض يلفت الكاتب الآخر يوسف الجلاهمة إلى أن مشروع القانون الذي تقدم به رئيس مجلس الأمة الكويتي أحمد السعدون صفعة لكل المتنمرين من حاملي الجنسية الكويتية الذين مازالوا مستمرين في تنمرهم ضد أهل الكويت ووصفهم بالعنصريين.
وقال “المشروع نقلة نوعية حقيقية في حل قضية من يرغب في الحصول على الجنسية الكويتية حسب الشروط والنظم المعمول بها وحسب ما تتطلبه المصلحة الوطنية، وعلى كل من يرغب في الحصول على الجنسية الكويتية أن يقدم ما يثبت ذلك بالأوراق والمستندات وكذلك الاستفادة من بعض المؤسسات ذات العلاقة بالموضوع”.
ويعتقد الجلاهمة أن القوانين السابقة لتعديل أوضاع “البدون” تسببت بوقف عمل مجلس الأمة “بسبب الضغط والتنمر من بعض حاملي الجنسية الكويتية ضد أهل الكويت واعتبار القضية الأساسية قبل كل قضايا الكويت هي التجنيس” على حد وصفه، معتبراً أن “مشروع القانون واضح المعالم لا يجبر الدولة على التجنيس العشوائي، بل التجنيس المدقق الصحيح حسب المصالح العليا للوطن”.
وتظل مشكلة “الجنسية” في دولة الكويت، من أهم القضايا الحساسة في المجتمع التي طالما احتاجت لمعالجة عاجلة بصورة تضمن المصلحة العليا للبلاد، وفي الوقت نفسه العيش الكريم لمن لم يستكمل إجراءاته ويرى أحقيته في تصحيح أوضاعه القانونية.
ووفقاً لآخر تقرير صادر من منظمة “هيومن رايتس”، يبلغ عدد “البدون” في الكويت حوالى 100 ألف شخص، ونظراً لـ “عدم قانونية” إقامتهم وفق الأنظمة الرسمية في البلاد، يعانون حرماناً من أكثر الحقوق التي يتمتع بها المواطن الكويتي.
وكانت شعارات المرشحين من نواب مجلس الأمة قبل الانتخاب بجعل “الجنسية” قضيتهم الأولوية وبرنامج الحكومة 2022-2026، أعاد إليهم الأمل، إذ كانت آخر حالتي انتحار في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من العام الحالي 2022، التي انتهت بطفل يقتل نفسه بسبب معاناة أبيه العاجز عن تأمين العلاج والنفقة لأسرته.