“حزام أخضر” حول أربيل وطاقة شمسية… إقليم كردستان ينتصر للبيئة بمشاريع طموحة
المصدر: النهار العربي
مساحات خضراء مهددة في إقليم كردستان العراق.
A+A-في محاولة لمكافحة التصحر وضبط تدهور الغطاء الشجري في إقليم كردستان العراق، أعلنت وزارة البلديات والسياحة الإقليمية عن خطة أولية لزراعة 100 مليون شجرة خلال السنوات الثماني المقبلة في محيط مدينة أربيل عاصمة الإقليم، لتشكيل حزام أخضر حولها، بعدما زاد عدد سكانها بنحو عشرة أضعاف خلال السنوات العشرين الماضية، وتمدد المدنية على حساب العديد من المساحات الخضراء. المشروع التشجيري يأتي عبر تعاون بين حكومة الإقليم ومنظمة “هسار” العالمية، حيث قال رئيسها كشبين إدريس إن هذا المشروع سيكون الأهم على مستوى العراق، وسيقدم مثالاً على إحداث تغيّرات جذرية في البيئة الطبيعية للمدن الكبرى، في إطار عملية التنمية الشاملة، لأن عمليات الزراعة لن تكون عشوائية، بل ضمن رؤية كلية، تحول هذه البيئة الخضراء إلى حدائق ومشاريع ومساحات سياحية.مشروع استراتيجيالمشروع البيئي الحالي يأتي ضمن توجه كلي لحكومة إقليم كردستان، يستهدف زراعة أكثر من عشرة ملايين شجرة كل عام، بدءاً بالأشجار المثمرة، خصوصاً الزيتون، أو الحراجية البيئية. وهو مشروع استراتيجي لمعالجة المشكلة البيئية في الإقليم، حيث كانت مساحة الغابات في كردستان العراق تتجاوز 2.2 مليوني فدان (الفدان يساوي 2500 متر مربع)، لكنها فقدت قرابة نصفها خلال العقدين الماضيين، وهو ما أحدث تبدلات بيئية جذرية. وحذر تقرير خاص للأمم المتحدة من زوال الغابات والغطاء الأخضر في الإقليم، مذكراً أن الإقليم هو أكثر مناطق العالم تأثراً بالتحولات المناخية على مستوى العالم، يضاف إليها العديد من الظروف السياسية، خصوصاً الحروب التي يخوضها الجيشان التركي والإيراني على مناطق من إقليم كردستان.
الباحثة والناشطة البيئية الكردية جلنك غفوري شرحت في حديث لـ”النهار العربي” تعاضد العديد من العوامل التي تؤدي عملياً إلى تدهور بيئة الغابات في الإقليم، وقالت: “تكاد الأرقام أن لا تُصدّق من هولها، ففي محافظة دهوك وحدها، تراجعت مساحة الغابات ضمن المحافظة من 28 في المئة إلى أقل من 20 في المئة خلال أعوام قليلة. الأمر الذي يعني أن سرطان الجفاف والتصحر يقضم حتى أكثر المناطق التي كان يُعتقد أنها الأكثر حماية. وهو أمر يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية: العامل الذاتي، المتمثل بنزوح مئات الآلاف من سكان الأرياف الذي كانوا يعتمدون على الانتاج والتطوير الزراعي في مناطق سكنهم، وبالذات الفلاحة الشجرية المثمرة في الكثير من المناطق. هذه الهجرة الداخلية تتسبب بتراجع مستويات وفاعلية الثروة الحيوانية وشبكات المياه”. وتضيف أنه “إلى جانب ذلك ثمة العامل البيئي العمومي، المتمثل بزيادة درجات الحرارة والانبعاث الكربوني وهجوم الأكياس البلاستيكية على المناطق الشجرية. أما العامل الثالث، فهو سياسي – عسكري. فالهجمات العسكرية التي يشنها الجيشان التركي والإيراني تؤدي إلى اندلاع عشرات الحرائق كل عام، في ظل عدم قدرة هيئات الدفاع المدني على إيقاف تلك الحرائق، لأنها تجري في مناطق المعارك والعمليات العسكرية”. وتلفت غفوري إلى أن “ثمة صعوبة كاملة لمواجهة هذا التدهور، لكن الجهات المدنية في الإقليم تقترح منذ سنوات التحول في استخدام الطاقة، للتقليل من الانبعاث الكربوني في الإقليم، نحو الطاقة البديلة والنظيفة، إلى جانب زيادة الدعم الحكومي للمشاريع الزراعية الخاصة، ليكون ثمة ما يشبه الاستراتيجية الزراعية المستدامة. وفوق الأمرين، زيادة الاهتمام بالوعي البيئي، خصوصاً في المناهج التربوية والمؤسسات الإعلامية. فالمساحات المشجرة في كردستان هي مقصد لملايين المصطافين سنوياً، من الإقليم وعموم العراق، والسلوك البيئي لهؤلاء له تأثير جوهري على تدهور الغطاء الشجري والزراعي في مختلف مناطق الإقليم”.
حكومة إقليم كردستان أعلنت عن تعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن التحول الاستراتيجي نحو انتاج الطاقة النظيفة بيئياً في إقليم كردستان. وهي بدأت من خلال مشروع تنصيب وحدات للطاقة الشمسية مخصصة لتشغيل العشرات من الآبار المائية المستخدمة في عمليات الري لمشاريع التشجير، بما يقلل الانبعاث الكربوني بمعدل 1800 طن من ثاني أوكسيد الكربون في العام الواحد، أو ما يوازي النشاط البيئي لـ 60 ألف شجرة. المسؤولون الحكوميون في إقليم كردستان أعلنوا أن هذا التوجه استراتيجي بالنسبة لعمل الحكومة. فما يحتاجه إقليم كردستان من طاقة كهربائية هو بحدود 4500 ميغاواط يومياً في ذروة الحاجة أثناء فصل الصيف، لكن الإقليم لا يُنتج إلا 3400 ميغاواط، وهو ما سيتم تغطيته من خلال الطاقة البديلة والنظيفة.
الرؤية الاستراتيجية للإقليم تذهب لعرض انتاج الطاقة المتجددة عبر سبع محطات للطاقة الشمسية، بحيث يتمكن الإقليم خلال خمس سنوات من رفع مستوى قدراته في مجال الطاقة الشمسية ليصل لمستوى 750 ميغاواط، بما في ذلك الشراكة الاستثمارية مع عدد من المؤسسات الدولية والقوى الإقليمية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعلنت عن استعدادها للاستثمار في مجال الطاقة الشمسية المتجددة. المعطيات التي تنشرها المؤسسات الخاصة والجهات الحكومية في إقليم كردستان تشير إلى أن تكلفة انتاج كل كيلوواط من الطاقة الكهربائية من الألواح الشمسية في إقليم كردستان تُقدر بحوالى ألف دولار، الأمر الذي يعني أن الدعم الحكومي لمشاريع الطاقة الشمسية سوف يجذب ويدفع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، وتالياً التخلص من أكثر من نصف مليون محوّل يعمل على الديزل، ويساهم بتدهور البيئة في عموم الإقليم.