رسائل صاروخية” مزدوجة تستهدف القواعد التركية شمالي العراق
تقارير عربية بغداد
سيف العبيدي
تعود محافظة نينوى وعاصمتها الموصل الواقعة شمالي العراق مرة أخرى إلى واجهة الأحداث الأمنية في البلاد، بعد تسجيل هجمات صاروخية متكررة استهدفت معسكر زليكان، الذي تتواجد به قوات تركية محدودة منذ سنوات.
ويتعرض المعسكر، المعروف أيضاً بقاعدة “بعشيقة”، ويقع على بعد نحو 30 كيلومتراً شمال شرقي مدينة الموصل، على أعلى جبل في بلدة بعشيقة، منذ أشهر لقصف متكرر بواسطة صواريخ الكاتيوشا. مع الإشارة إلى أن هذه البلدة التابعة إدارياً لمدينة الموصل تخضع لسيطرة اللواء 30 بالحشد الشعبي أو ما يعرف بـ”حشد الشبك”.
كما شهد الأسبوعان الأخيران 5 هجمات بالكاتيوشا والهاون، سقطت خلالها إحدى القذائف على قرية قريبة من المعسكر، وتسببت بإصابات بين السكان وخسائر مادية بأحد المنازل.
تحولت نينوى إلى أرض خصبة لأنشطة الفصائل المسلحة الحليفة لإيران
وفي حين تتبنى جماعات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المسؤولية عن هذه الهجمات إلى جانب جماعات ثانية غير معروفة، إلا أن تقديرات أمنية تفيد بأنها مجرد غطاء لفصائل مسلحة تعمل ضمن “الحشد الشعبي”، تنشط بالمحافظة، أبرزها “عصائب أهل الحق”، و”كتائب حزب الله”، و”حشد الشبك”.
وتم إنشاء القاعدة التي باتت فعلياً هدفاً للجماعات المسلحة في نينوى، منتصف يناير/ كانون الثاني عام 2015، من قبل الجيش التركي. وجاء ذلك ضمن برنامج دعم لكل من قوات البشمركة ومسلحي (حرس نينوى) وهم متطوعون من أهالي نينوى لقتال مسلحي تنظيم “داعش”. وقدمت تلك القوات البالغ عددها زهاء 200 جندي تركي، برامج تدريب وتجهيز للقوات المتصدية لتنظيم “داعش”.
وفي ما بعد اعتبرت حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أن تواجد القاعدة غير شرعي وطالبت بانسحابها. كما نفى العبادي وجود أي اتفاق مسبق مع تركيا، وهو ما تنفيه أنقرة، التي تؤكد أن وجودها كان بطلب عراقي رسمي.تقارير عربية
تداعيات قصف دهوك: استهداف قاعدتين تركيتين وحلفاء إيران يصعّدون
ويُعتقد أن الإصرار التركي على الاحتفاظ بهذه القاعدة الصغيرة داخل العمق العراقي، جاء بعد تحوّل مدينة سنجار الواقعة على بُعد 115 كيلومتراً غرب الموصل إلى معقل جديد لحزب العمال الكردستاني.
وتحولت نينوى التي تمت استعادتها من تنظيم داعش بعد أن سيطر عليها بين 2014 و2017، إلى أرض خصبة لأنشطة الفصائل المسلحة الحليفة لإيران. كما أصبحت بلدات عدة فيها معاقل لحزب العمال الكردستاني، لاسيما مخمور جنوب شرق الموصل، وسنجار شمال غربها وصولاً للحدود السورية من جهة مثلث فيشخابور العراقي التركي السوري.
اتهامات لـ”العمال الكردستاني” وفصائل “الحشد”
وسجلت الموصل أخيراً ثلاث هجمات صاروخية استهدفت القاعدة، إذ وقع الهجوم الأول في الثالث من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، وتبناه فصيل مسلح يطلق على نفسه تسمية “المقاومة الإسلامية – لواء أحرار العراق”. أما الهجوم الثاني فوقع مساء الرابع من الشهر الحالي، ولم تعلن أي جهة المسؤولية عنه، بينما شهد مساء السابع من هذا الشهر قصفاً مماثلاً على المعسكر بواسطة قذائف الهاون أسفر عن جرح 3 قرويين وخسائر بمنزلهم جراء عدم إصابة إحدى القذائف الهدف وسقوطها بقرية مجاورة.
في غضون ذلك، كشفت التحقيقات التي أجرتها القوات الأمنية في نينوى عن تورط حزب العمال الكردستاني بتنفيذ هجوم الرابع من الشهر الحالي على القوات التركية.
الدوبرداني يتهم مسلحي حزب العمال بالوقوف وراء الهجوم الأخير على القاعدة التركية
وفي هذا الصدد، قال ضابط في شرطة نينوى، طلب عدم الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد”، إن “مجموعة من مسلحي حزب العمال استخدموا منزلاً في مركز ناحية بعشيقة القريبة من القاعدة التركية”. وأضاف: “المسلحون نفذوا الهجوم عن سطح منزل قريب يسكنه طلاب من مدينة سنجار يدرسون في جامعة الموصل”.
ولفت إلى أن “التحقيقات الحالية بشأن الهجمات الصاروخية المتواصلة تُبيّن أنها تتم بغطاء فصائل مسلحة ناشطة في تلك المناطق وتحمل هويات وتراخيص تحرك”. كما أكد “تورط نفس تلك الجهات بالهجمات التي طاولت مطار أربيل والقوات الأميركية في قصور الموصل الرئاسية حيث كانت تتواجد سابقاً، وكذلك القوات التركية في زليكان”.
كما أشار المسؤول إلى أن جماعات “حشد الشبك وعصائب أهل الحق وكتائب الإمام علي، وكتائب حزب الله تعد من أبرز الفصائل الضالعة في الأحداث الأمنية بالمحافظة”.
وأوضح أن “التحقيقات الرسمية لدى الأجهزة الأمنية التي تُفتح لمتابعة الهجمات الصاروخية عادة ما تُسجل ضد مجهول رغم علم الأجهزة الأمنية بالجهات التي تقف وراءها”. كما أكد أن “القوات الأمنية لا تستطيع اعتقال أي من منفذي تلك الهجمات باستثناء ضبطهم بالجرم المشهود وخلال تنفيذ الهجوم، وهو ما لم يتحقق حتى الآن”.
من جهته، اتهم النائب عن محافظة نينوى شيروان الدوبرداني، في حديث لـ”العربي الجديد”، مسلحي حزب العمال بالوقوف وراء الهجوم الأخير على القاعدة التركية قرب الموصل الأسبوع الماضي. وأشار إلى أن “الهجمات السابقة كانت تنفذ من قبل فصائل مسلحة متنفذة معروفة لدى السلطات الحكومية المركزية والمحلية في نينوى”.
ولفت إلى أن “الهجمات الصاروخية المتكررة والمفزعة للأهالي في نينوى، تُعتبر إرهابية ويجب على القوات الأمنية التعامل مع الجهات التي تقف خلفها سواء كانت تستهدف القواعد العسكرية أو إقليم كردستان”.
وتابع: “الهجمات تسلب الأمن والاستقرار من نينوى، وعلى رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) إصدار أوامر للأجهزة الأمنية بمحاسبة وملاحقة الجهات التي تعبث بالأمن وتستخدم الصواريخ وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية”.
النجيفي: على العراق التهدئة والتفاوض مع أنقرة وطهران
من ناحيته، أشار الباحث والخبير الاستراتيجي فراس إلياس، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى وجود توافق بين الفصائل المسلحة وحزب العمال في تنفيذ الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية التركية شمالي العراق.
وقال إلياس إنه “لا شك في أن هناك جهات عدة تقف خلف الهجمات المستمرة على القواعد التركية في شمال العراق، وتحديداً قاعدة زليكان التي كان لها النصيب الأكبر منها”. ولفت إلى أن أهم تلك الجهات هي جماعة أحرار سنجار التي تتبع حزب العمال الكردستاني، وسرايا أبابيل التي أخذت على عاتقها الجزء الأكبر من هذه الهجمات، والتي تشير المعلومات الميدانية إلى أنها مكونة من خليط متعدد يتبع للفصائل المسلحة المتنفذة في مدينة الموصل والموالية لإيران.
وأكد أن “الفصائل المسلحة تحاول الاستفادة من الميزة الجغرافية التي توفرها مدينة الموصل بسبب قربها لمناطق تواجد القوات التركية، وكذلك قربها من المناطق التي تشهد انتشاراً للمواقع التركية في محيط مدينة دهوك شمالي العراق”. وبرأيه فإن “امتلاك الفصائل للطائرات المسيّرة إيرانية الصنع بمثابة فرصة لشن هجمات متواصلة على هذه المقرات والقواعد”.
كما بيّن إلياس أن “التوافق موجود بين حزب العمال الكردستاني والفصائل المسلحة بحكم العداء المشترك مع تركيا، وبحكم تواجد الطرفين على طول الشريط الشمالي العراقي والسوري”. ولفت إلى أن “هذا ما فرض على الطرفين الدخول في تفاهمات عديدة، لتأمين نفوذ كل منهما، إلى جانب تأمين وصول إيران إلى البحر الأبيض المتوسط”.
بدوره، أكد محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الهجمات الصاروخية والانتشار الفصائلي في المحافظة قد يكون مجرد بداية لتغيرات كبيرة ستحدث مستقبلاً”.
ولفت إلى أن “الفترة الحالية تشهد انسحاب النفوذ الأميركي وتعويضه بنفوذ القوتين الإقليميتين الكبريين في المنطقة تركيا وإيران”، محذراً من أن نينوى مؤهلة لتكون ساحة صراع مستقبلي. كما شدد على ضرورة أن “يلجأ العراق إلى التهدئة والتفاوض مع أنقرة وطهران لتفادي أي اضطراب يمكن أن يحدث في المستقبل”.
النشوع: محافظة نينوى بالنسبة للإيرانيين تمثل القاعدة الأمنية
وفي السياق، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان العراق، والنائب في البرلمان العراقي جياي تيمور في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الهجمات الصاروخية هي “رسائل سياسية لأطراف عديدة”. ولفت إلى أن “منفذي تلك العمليات جهات معروفة ولها غطاء سياسي يحميها من المحاسبة”.
الحشد الشعبي ينفي تورطه بإطلاق الصواريخ
في المقابل، أشار القيادي في محور الشمال لعمليات “الحشد الشعبي” ناظم المولى، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، إلى أن “جميع الاتهامات الموجهة ضد الفصائل بالوقوف وراء تلك الهجمات مبنية على مواقف سياسية وكراهية ولا يوجد ما يثبت ذلك بالأدلة”.
وأضاف: “لماذا لا يذكر أحد القصف التركي المتكرر على سنجار ومخمور بين فترة وأخرى بالطائرات المسيّرة”. ولفت إلى أنه “يمكن اعتبار القصف على زليكان وغيرها رد فعل على هذا القصف، لكن القوات التابعة للحشد الشعبي، لا تتورط بعمليات الصواريخ، بل هناك جهات متضررة من القصف التركي المتواصل، وبالتأكيد ليس من بينها فصائل تابعة للحشد الشعبي”.
كما وصف القوات التركية الموجودة في نينوى بأنها “قوات احتلال، لكن التحرك عسكرياً ضدها يجب أن يكون بقرار من بغداد، وليس فردياً”.
تركيا تُصر على خياراتها شمالي العراق
ومن وجهة النظر التركية فإن الهجمات التي تستهدف قواعدها شمالي العراق تؤكد صحة خياراتها في مواصلة الحرب على الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي وأمن المنطقة واستقرار الدول التي تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية بمختلف أشكالها وأسمائها.
وقال الكاتب والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن “الهجمات الصاروخية التي تستهدف القواعد التركية شمالي العراق ليست بالأمر الجديد، فهي تأتي كجزء من الأنشطة الإرهابية التي مارستها مجاميع حزب العمال الكردستاني تجاه تركيا”. وأضاف: “كما أنها تأتي رداً على الحرب التي تشنها القوات التركية ضمن عمليتي المخلب القفل والمخلب السيف المتواصلتين لغاية اليوم”.
المولى: لماذا لا يذكر أحد القصف التركي المتكرر على سنجار؟
وحذّر كاتب أوغلو من أن بقاء حزب العمال الكردستاني “يشكل خطراً على العراق أيضاً وليس على تركيا التي تشترك مع العراق بحدود تزيد عن 350 كيلومتراً، وتشترك مع سورية بحدود تزيد عن 900 كيلومتر، حيث تنتشر جماعات العمال الكردستاني في ذلك الشريط الحدودي”.
من ناحيته، رأى الخبير والمحلل العسكري العراقي علاء النشوع، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن استهداف القواعد التركية ومنها القاعدة القريبة من الموصل هي محاولات إيرانية لإبعاد الوجود التركي عن محافظة نينوى والانفراد بالهيمنة عليها.
ولفت النشوع إلى أن “محافظة نينوى بالنسبة للإيرانيين تمثل القاعدة الأمنية التي تعمل على إدامة وجودها في الخط الجغرافي المهم الرابط مع سورية”.
وأضاف: “هذا ما يسهل لها حرية الحركة وإدامة الاتصال والمحافظة على النفوذ، بالإضافة إلى توحيد الساحة الأمنية لها باعتبار أن حدود نينوى وخاصة الحدود الشمالية الغربية هي منطقة عمل مهمة للنفوذ الإيراني المتمثل بالفصائل المرتبطة بها”. كما أكد أنه من خلال هذه الفصائل “يتم نقل الأسلحة والتجهيزات والمواد الغذائية التي تحتاجها قواتها في سورية”.
ولفت إلى أن “إيران تعمل بكل الإمكانيات لإبعاد النفوذ التركي عن نينوى لاسيما وأنه يمتلك قواعد ومواقع عسكرية في بعشيقة وعلى طول الخط إلى الحدود العراقية التركية”.
وأوضح النشوع أن “العمال الكردستاني ينفذ أجندة تتلاءم وتتوافق مع إيران واستراتيجيتها في المنطقة، ووجوده في العراق يخدم أهداف وتوجهات إيران”، متهماً عددا من المليشيات العراقية بأنها “تزود حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة بالمساعدات العسكرية منها الصواريخ والذخيرة”.
رفض شعبي لـ”الحروب بالوكالة” في الموصل
وفي الموصل تطلق دعوات لتجنيب المدينة مزيد من الدمار وويلات الحروب وضرورة عدم إقحامها في الحروب بالوكالة.
وفي هذا الصدد، أكد الناشط والباحث في شؤون الموصل سعد الوزان لـ”العربي الجديد”، أن “تداعيات الصراع الدائر بين تركيا والعمال الكردستاني تنعكس حالياً في محافظة نينوى من خلال الهجمات الصاروخية التي تستهدف القوات التركية والتي تنطلق من محيط الموصل”. وأشار إلى أن “الموقف العام في الموصل رافض للتدخلات العسكرية شمالي العراق سواء كانت إيرانية أو تركية ورافض لإقحام نينوى في الحروب والصراعات”.
ولفت الوزان إلى أن الهجمات الصاروخية في نينوى “والتي تأتي كرد على الهجمات التركية التي تستهدف مسلحي العمال الكردستاني، في سنجار ومناطق أخرى من العراق، ستؤدي إلى تقويض الأمن والاستقرار الذي تشهده المحافظة خلال الفترة الأخيرة”.