1

قمم وهمم

لم تقتصر على لقاءات بروتوكولية لكنها كانت بداية انطلاق مشروع جديد

سعد بن طفلة العجمي  وزير الإعلام السابق في الكويت 

الاتفاقات التجارية التي عقدت بين الصين والسعودية تعكس النتائج الإيجابية للقمم الأربع التي عقدت في الرياض (أ ف ب)

ما عقد من قمم أربع بالرياض الأسبوع الماضي لم يكن حدثاً عادياً بنتائجه ورسائله وإعلان نهجه الجديد، فاجتماع أكثر من 30 من رؤساء وملوك ورؤساء حكومات ومنظمات دولية على مدى ثلاثة أيام في السعودية، يعكس الدور القيادي والمحوري الذي تلعبه المملكة بثقة واقتدار. فعقدت قمة سعودية- صينية تلتها قمة مجلس التعاون الخليجي العادية ثم قمة خليجية- صينية، وتوجت القمم بقمة عربية- صينية.

الأهمية السياسية والاقتصادية لا يمكن لمتابع أو مراقب أن يغفلها، ولعل عدد ونوعية الاتفاقات التجارية التي عقدت بين الصين والرياض في كافة المجالات الصناعية والتكنولوجية والزراعية وفي مجال الطاقة، تعكس النتائج الإيجابية لهذه القمم، كما اتفاقات بين الصين والدول العربية التي تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 330 مليار دولار، أكثر من نصفها بين الصين ودول الخليج. وقد تتجاوز هذه الأرقام التريليون دولار من حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية خلال الأعوام القليلة المقبلة، إذا ما عرفنا أن نسبة الزيادة السنوية للتبادل التجاري بين الطرفين تبلغ حوالى 37 في المئة سنوياً.

لكن ما يتجاوز الأرقام والاتفاقات هو البعد الفلسفي والمنهجي الذي أعلنته هذه القمم التاريخية، وهو الرسالة الجديدة والبديل العصري الحضاري للقديم الذي قاد إلى إنهاك المنطقة بالحروب والنزاعات والتوترات.

فالسعودية تعمل على صياغة الأمن الاستراتيجي العربي الذي دمره صدام حسين باحتلاله الكويت عام 1990. فقد كان ذلك الاحتلال بمثابة إعلان وفاة ذلك النظام التقليدي الهش الذي أصبح ذارياً تذروه الرياح، لكن المملكة تعمل على إعادة بنائه على أسس مختلفة عن الماضي. فهي ترى في الاقتصاد والانفتاح الاقتصادي والذهني والمعيشي والتعايشي والحريات الاجتماعية، أعمدة لهذا النظام الجديد، ولعل مجرد حضور ضيف المملكة الكبير، الرئيس الصيني شي جينبينغ، يعطي رسالة بتبني هذا النهج الاقتصادي والفلسفة الجديدة اللذين تنتهجهما المملكة في صياغة مستقبلها والمساعدة في صياغة مستقبل المنطقة كلها.

إن هذا النهج هو المواجهة الحقيقية لكل دعاة الحروب والعيش في أتون النزاعات التي يتم اختلاقها بين شعوب المنطقة على مدى قرون، إنه إعلان الدخول في الغد اعتباراً من اليوم، إنه الرحيل عن العيش بمضارب الماضي، والانفلات من سجّان التاريخ الذي جمد عقل المنطقة منذ قرون، إنه كسر قيود حوادث التاريخ التي ما زال بعضهم يعيشها ويخوض حروبها ويؤلب لاستمرارها بسرمدية سريالية تقتل التطلع إلى المستقبل، وترمد العيون للنظر إلى واقع اليوم. إن النهج الجديد نفضة للغبار عن مقدسات التاريخ والموروث التراثي السياسي الذي أصبغنا عليه قدسية وهمية، جعلت المساس به وإعادة قراءته للاستفادة منه ضرباً من الخروج عن الملة والأمة.

لم تقتصر القمم الأربع التي عقدت الأسبوع الماضي في السعودية على لقاءات بروتوكولية ولم تكن لعقد اتفاقات اقتصادية مهمة مع الصين فحسب، ولكنها كانت بداية انطلاق مشروع جديد، وشرق أوسط وخليج جديدين بفكر استراتيجي أمني جديد، يؤكد تنوع الشراكات ويتمدد بعلاقاته بالاتجاهات كافة ويعزز التعاون مع كل القوى العالمية للاستفادة من خبراتها واستثماراتها، بما ينتج منه واقع أمني تلقائي للمنطقة برمتها. لا عودة لشراكة الاحتكار مع طرف دولي واحد، أو جهة أرضية واحدة، فالمنطقة، بقيادة السعودية، تمد يد التعاون والشراكة العالمية إلى كل اللاعبين الدوليين، وعلى رأسهم التنين الصيني الاقتصادي العملاق الذي تتشكل معه شراكات اليوم كجزء من استراتيجية بناء المستقبل.

التعليقات معطلة.