عبدالله الأيوبي
معركة مصر والعراق لاسترداد كنوزهما
تأتي مصر والعراق في مقدمة الدول العربية، إن لم تكونا على مستوى العالم، اللتان تعرضت كنوزهما الأثرية لأوسع عمليات السرقة والنهب من قبل الغزاة منذ عدة قرون وحتى وقتنا الحاضر، ورغم الجهود الكبيرة التي قامت وتقوم بها الدولتان، المصرية والعراقية وتمكنهما من استرداد عشرات الآلاف من القطع الآثارية المسروقة والتي لا تقدر بثمن وتعود إلى حقب زمنية مختلفة، بعضها يعود إلى ما قبل آلاف السنين، فإن عملية إعادة جميع القطع إلى أوطانها الأصلية تعد عملية في غاية التعقيد، إن لم تكن مستحيلة، وخاصة أن بعضا من هذه القطع، رغم معرفة أماكن وجودها، فإن العديد من الجهات الرسمية في الدول التي تقع فيها ترفض الاعتراف بعدم مشروعية وصول هذه القطع إليها.
من المؤكد أن هناك آلافا من القطع الأثرية غير معروفة أماكن وجودها حتى الان، فالكثير منها إما لدى تجار القطع الأثرية أو هواة جمعها الذين آلت إليهم بطرق غير مشروعة، وبعضها لدى متاحف عالمية معروفة، كما هو الحال مع واحدة من أهم القطع الأثرية المصرية، وهي رأس جميلة الجميلات، الملكة الفرعونية نفرتيتي (زوجة الملك أمنحوتب الرابع، أو أخناتون) القابع في متحف برلين وترفض إدارة المتحف إعادته بحجة مشروعية اقتنائه، والحال ينطبق أيضا على حجر رشيد الموجود حاليا في المتحف البريطاني، والذي سبق أن سلمه الجنود الفرنسيون إلى الجانب البريطاني عام 1799 في إطار اتفاق استسلام وهو معروض في المتحف البريطاني منذ عام 1802.
خلال احتفال أقيم في مبنى وزارة الخارجية المصرية بمناسبة نجاح مصر في استرداد تابوت فرعوني من الولايات المتحدة الأمريكية يطلق عليه «الكنز الأخضر»، كشف المسؤولون عن نجاح مصر في استرداد ما يزيد على 29 ألف و300 قطعة أثرية مسروقة ومهربة منذ عام 2011 وحتى الآن، استرداد هذا الكم الهائل من القطع المسروقة، وفي أحد عشر عاما فقط، إنما يعكس حجم القطع المسروقة وتلك التي هربت، وربما مازال تهريبها جاريا بعيدا عن أعين الرقابة، الأمر الذي ينم عن ثقل المهمة وصعوبة فك أسر القطع الأثرية وإعادتها إلى أوطانها الأصلية.
وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد أن مصر «بصدد التوسع في مجهوداتها لاسترداد الآثار المنهوبة بالخارج»، استعادة الآثار المسروقة والمهربة، والكثير منها معلوم المكان بالنسبة الى الجهات ذات الصلة، استعادة هذه الآثار مسؤولية أخلاقية، قبل أن تكون قانونية، ولا تتحملها سلطات الأوطان التي تعرضت آثارها للسرقة والنهب والتهريب، وحدها، وإنما تقع هذه المسؤولية على عواتق الجهات ذات الصلة في جميع الدول التي تأوي عشرات الآلاف من هذه القطع، سواء في متاحفها، أو لدى تجار وهواة جمع الآثار، فمثل هذه القطع الأثرية لا يجب أن تضع في مصاف السلع التجارية التي يتم تداولها والمتاجرة بها.
هناك عشرات المتاحف في العديد من الدول الأوربية، وخاصة عواصم الدول الكبرى التي تصدرت حملات الغزو خلال القرون والسنوات الماضية، هذه المتاحف تعج بالقطع الآثارية التي تعود إلى الحضارات الفرعونية في مصر والآشورية والسومرية في بلاد الرافدين، فمهمة إعادة القطع الأثرية التي تعود إلى هاتين الحضارتين، بحاجة إلى مشاركة العديد من الجهات ذات الصلة في تلك المتاحف، من خلال تكثيف عمليات التحري والبحث والتمحيص والتدقيق الأمين في الطريقة التي سلكتها هذه الآثار منذ لحظة خروجها من أوطانها الأصلية حتى نهاية استقرارها في هذه المتاحف.
النجاح الذي حققته مصر في استعادتها لهذا الكم الهائل من القطع الأثرية المسروقة والمهربة، ومن قبلها العراق الذي نجح هو الآخر في استرداد عشرات الالاف من القطع، كان آخرها عام 2021 حين نجح في استعادة 18 ألف قطعة أثرية، منها 17,899 قطعة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جرى تهريبها وسرقتها بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، هذه النجاحات تشكل حافزا ودافعا لدى المسؤولين عن المتاحف والآثار في البلدين، وكذلك بعثاتهما الخارجية، من أجل تكثيف الاتصالات والتحري والتعاون مع مختلف الجهات الخارجية من أجل استرداد هذه الكنوز الوطنية الثمينة، إلى جانب تعزيز الحماية الداخلية وتكثيف الجهود لمنع عمليات التهريب والمتاجرة غير المشروعة بالقطع الأثرية.
جهود استعادة الآثار المسروقة والمهربة يجب النظر إليها على أنها واجب والتزام وطني، باعتبار أن هذه القطع المسروقة ملكا وطنيا وتشكل تراثا ثقافيا لشعبي البلدين ومن حقهما وواجبها أيضا أن يمتلكا هذا الحق وأن يدافعا عنه، فتراث الشعوب ليس سلعا تجارية، والتعدي على هذا التراث جريمة بحق الإنسانية جمعاء.