اشتباكات بين قوى الأمن والناشطين تزامناً مع إخلاء سبيل شقيق ضحية في انفجار مرفأ بيروت
استمر توقيف وليام نون أحد ذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت لأكثر من 24 ساعة (اندبندنت عربية)
يوم طويل من “الكر والفر” بين المتظاهرين والقوى الأمنية اللبنانية، انتهى بإخلاء المديرية العامة لأمن الدولة سبيل وليام نون، أحد أبرز الناشطين والمتحدثين باسم عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت، غداة توقيفه بسبب تصريحات أدلى بها وقذف الحجارة باتجاه زجاج مبنى قصر العدل ما أدى إلى تحطيمه، في خطوة أثارت نقمة واسعة على وقع تعليق التحقيق منذ أكثر من عام.
وفي التفاصيل التي واكبتها “اندبندنت عربية”، انضم مواطنون، صباح السبت، إلى الاعتصام الذي بدأ ليلاً بالتزامن مع نقل نون إلى مقر مديرية جهاز أمن الدولة في بيروت، بمشاركة واسعة من نواب وسياسيين معارضين.
واستبشر المعتصمون خيراً بإمكانية إخلاء سبيل نون بعد وصول دورية للشرطة القضائية استكملت مهمتها بإجراء شكلي يتيح ذلك بعد إشارة المحامي العام الاستئنافي القاضي زاهر حمادة وهذا ما حصل بالفعل، إلا أن أجواء التفاؤل سرعان ما تغيرت بعد ورود معلومات لأحد النواب المعتصمين بأن إشارة القاضي تبدلت وبات إخلاء سبيله مرتبطاً بـ”المطلوب” بيتر أبو صعب وهو أيضاً من ذوي انفجار المرفأ، الأمر الذي زاد منسوب التشنج مع عناصر جهاز أمن الدولة.
وخلال ساعات النهار، كانت المعلومات الواردة إلى أهالي الضحايا والمعتصمين تتضارب بين متفائلة باقتراب الحل ومتشائمة بإمكانية استمرار التوقيف إلى عدة أيام إضافية، في وقت تجمهر الحضور إلى جانب النواب والمحامين الذين يدخلون مقر المديرية ويخرجون سواء للتصريح أمام الإعلام أو للإبلاغ عن التطورات المتسارعة في الداخل.
وعلى مدى 24 ساعة متتالية كانت والدة نون موجودة بين الناشطين وتتنقل بينهم شاكرة التضامن الواسع قائلة، إن قضية ابنها باتت قضية رأي عام، وإن هدف السلطة إنهاء المطالبة بتحقيق عادل، وتابعت “وليام ليس إرهابياً، لكنه أراد أن ينتهي التحقيق الذي تأخر كثيراً في انفجار مرفأ بيروت”.
بدوره المحامي رالف طنوس، وخلال وجوده أمام مركز توقيف موكله قال إن “الأجواء ليست جيدة”، مشيراً إلى أن “عناصر أمن الدولة ما زالوا يبحثون عن هاتفه علماً أنهم قالوا له إنه لن يحتاجه عندما ساقوه للتحقيق”، معتبراً أن ذلك هدفه تأخير التحقيق والمماطلة تحت ذريعة معرفة ما إذا كان أجرى اتصالات مع جهات خارجية، لافتاً إلى أن التحقيق مع والدة الضحية في مرفأ بيروت جو نون وطلب نشرتها القضائية هو “دليل فاضح على النوايا”.
وأكد النائب ملحم خلف من أمام مديرية أمن الدولة أن “ميزان العدالة معطل بشكل غير مقبول”، وقال “نطالب بعقلنة ملف وليام نون الذي نُصب له فخ قضائي وليس هكذا تكون الأمور”.
انتقام سياسي
بالنسبة للأكثرية الساحقة من الناشطين والسياسيين الموجودين أمام مركز التوقيف، كان “الانتقام السياسي” هو سبب توقيف وليام نون، متخوفين من قرار ضمني لتوقيف آخرين بهدف إخضاع أهالي الضحايا وحثهم على طي هذا الملف أسوة بملفات الاغتيالات السياسية السابقة، معتبرين أن إصرار القاضي زاهر حمادة على قراره بتوقيف نون على الرغم من كل التحركات الشعبية التي شملت مناطق عديدة وتخللها قطع للطرقات واحتكاكات مع الجيش، هو “قرار سياسي متخذ من قبل المتحكمين بالسلطة وينفذ عناوين قانونية وقضائية”.
احتفالات
وفي وقت بدأ يخيم القلق من استمرار توقيف نون ليوم إضافي، أعلن عن إخلاء سبيله ما انعكس صرخات فرح وتوتراً إضافياً مع العناصر الأمنية، إلا أنه على ما يبدو أُخرج نون من بوابة خلفية إلى مقر فوج الإطفاء بعيداً عن “أمن الدولة” بهدف “منع الاحتفال” أمام مقر توقيفه.
وبالتزامن مع إخلاء سبيله، وقعت اشتباكات محدودة بين قوى الأمن والناشطين المتجمعين أمام المديرية العامة لأمن الدولة.
وانتقل الناشطون إلى مقر فوج الإطفاء، حيث كان مركز عمل جو نون شقيق وليام الذي كانت له كلمة مقتضبة قال فيها “نحن أبناء قضية الرابع من أغسطس (آب) وليس لدينا أي أمر شخصي ضد أي أحد”، مضيفاً “نريد فقط الحقيقة والعدالة”، متعهداً بمواصلة “النضال” من أجل استكمال التحقيق.
وكشف أنه وقع على تعهد لعدم التعرض للقضاة بالشتائم وعدم رمي قصر العدل بالحجارة.
وشارك وليام نون الذي يُعرف بانتقاداته الحادة لكل ما يعرقل التحقيق وتصدر كافة التحركات لأهالي الضحايا، في اعتصام أمام قصر العدل، حيث ظهر على شاشات التلفزة وهو يرمي حجارة على نوافذ عدد من مكاتب قصر العدل احتجاجاً على محاولة تعيين قاض مكان القاضي طارق البيطار. وهدد في تصريحات خلال الاعتصام أنهم قد يقدمون على “تكسير” أو “تفجير” قصر العدل لو جرى ذلك.
قرار قضائي
تصرفات عناصر جهاز أمن الدولة كانت محط انتقاد من قبل ناشطين وسياسيين قالوا إن هذه العناصر “موالية حزبياً وسياسياً لجهات تسعى لعرقلة التحقيقات” في القضية.
لكن مصدراً في أمن الدولة أكد أن كل ما حصل كان قضائياً محضاً، بدءاً من استدعاء وليام نون إلى التحقيق معه مروراً بتوقيفه، وأضاف “لقد جاء كل شيء تنفيذاً لإشارات قضائية، إضافة إلى ذلك، لطالما كانت المديرية متعاطفة مع كل أهالي ضحايا انفجار المرفأ”. لافتاً إلى أن كل ما قامت به المديرية كان تنفيذاً لقرارات قضائية من واجبها أن تنفذها وهي مستمرة في تطبيق القانون.
وشهد ليل الجمعة – السبت اعتصامات وقطع طرق في مناطق لبنانية عدة احتجاجاً على استمرار توقيف نون. وشهدت أكثر من منطقة لبنانية مواجهات بين قوى الأمن وعدد من أهالي الضحايا ومتضامنين معهم، كما عمد عدد من المواطنين إلى إغلاق الطريق الرئيس في منطقة جبيل (محافظة جبل لبنان) وكفر عبيدا (محافظة الشمال).
انقسام
وعلى مقلب آخر، وقبيل إخلاء سبيل نون، انتشر في وسائل الإعلام بيان مزعوم باسم مجلس القضاء الأعلى يحتوي على تضامن ودعم للمحامي العام الاستئنافي القاضي زاهر حمادة، وأشار البيان إلى أن “مجلس القضاء يرفض التعرض والتطاول من أي جهة كانت على القضاء وكرامة القضاة في معرض ممارسة واجباتهم كسلطة دستورية مستقلة، ويذكر بأنه طالما كان حاضراً وحريصاً على تلقي أي مراجعة لمتابعتها ضمن الأصول القانونية وليس في الشارع أو في الإعلام”.
إلا أن رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود تبرأ من البيان المذكور معتبراً أنه “مسودة لم تحظ بموافقة المجلس”، مؤكداً أنه غير موافق على إصدار هذا البيان بالصيغة التي صدر بها.
وأكدت مصادر قضائية وجود انقسام قضائي بين مجموعة من القضاة القريبة سياسياً من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذين يسعون لتعيين قاض بديل للمحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار مقابل إصرار رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود مدعوماً من أكثرية القضاة بالإصرار على اتباع الأصول القانونية وإعادة تفعيل ملف تفجير المرفأ وفق الأصول.
“النظام البوليسي”
وفي السياق، أصدر مجلس نقابة المحامين في بيروت بياناً حول ما تعرض له نون، محذراً من عودة ما وصفه بـ”النظام البوليسي”، كاشفاً أن نون تعرض مع رجال دين ونواب ومحتجين لعنف وقسوة.
وطالب البيان بفتح تحقيق فوري لمعاقبة المشاركين في استخدام العنف ضد المواطنين، مشيراً إلى أن هذه الأساليب مرفوضة بصورة قاطعة.
وقالت النقابة، إن ما حدث يمثل أمراً غريباً عن التقاليد اللبنانية التي تقوم على احترام الحريات وحقوق الإنسان، مضيفة “نرى أن البعض يعاقب الضحايا وينالون من كرامة ذويهم الذين يطالبون بكشف الحقيقة، التي تعد أقل حقاً من حقوقهم”.
ولفت البيان إلى أن البعض يجر الناس لنزاعات جانبية بدلاً من فتح المجال لكشف حقيقة ما حدث في المرفأ.