لا يزال الضجيج على حاله في سوق “الكفاح” للعملات وسط بغداد، حيث يمكن أن يشاهد المارة بسهولة رزما ضخمة من الأموال من مختلف العملات العالمية التي يجري تبادلها كل يوم في السوق، لكن حجم الأموال التي يجري تبادلها انخفض كثيرا، كما يقول سالم الشوك، وهو صاحب شركة صيرفة.
ويقول الشوك إنه كان يبيع (يقوم بتحويل) أكثر من 250 ألف دولار يوميا إلى العملة العراقية وبالعكس لزبائنه الذين يتنوعون “بين أصحاب الشركات والمستوردين والناس العاديين الذين يريدون السفر خارج العراق أو تحويل أموالهم إلى الدولار لادخارها”.
لكن الأمر تغير منذ شهر، كما يقول الشوك لموقع “الحرة”، إذ إنه يحول ما معدله 10-20 ألف دولار يوميا فقط “وأحيانا أقل من هذا” منذ بدأ سعر الدولار بالصعود مقابل العملة العراقية.
وفقدت العملة العراقية نحو 10 بالمئة من قيمتها، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنل في تقرير نشرته قبل أيام، بعد إجراءات “غامضة” بالنسبة لكثير، تتعلق بفرض قواعد امتثال Compliance Rules على تعاملات البنك المركزي العراقي مع تجار العملة في ما يتعلق بالدولار الأميركي.
الإجراءات الجديدة
وبموجب الإجراءات الجديدة، يتعين على المصارف العراقية تقديم تحويلات بالدولار على منصة جديدة على الإنترنت مع البنك المركزي العراقي، والتي تتم مراجعتها بعد ذلك من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وقال مسؤولون أميركيون إن النظام يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وملاذات غسل الأموال في أنحاء الشرق الأوسط.
وبموجب القواعد القديمة، لم يكن مطلوبا من أصحاب الحسابات العراقية الكشف عمن كانوا يرسلون الأموال إليه إلا بعد تحويل الدولارات بالفعل، كما قال السيد داغير، المسؤول السابق في البنك المركزي.
وقالت متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عن الحسابات التي يحتفظ بها لحكومات أجنبية، في تصريح لصحيفة وول ستريت جورنل، “لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتطور بمرور الوقت استجابة للمعلومات الجديدة”.
وقال مسؤول أميركي لوول ستريت جورنل إن الإجراءات ستحد من “قدرة الجهات الفاعلة الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي”.
لكن الإجراءات أيضا تحد من وصول التجار العراقيين والشركات الشرعية إلى الدولار، بسبب “أخطاء تجري خلال عملية التقديم إلى المنصة”، وفقا لبيان البنك المركزي العراقي.
ووصف البنك المركزي العراقي المنصة الإلكترونية الجديدة في بيان صدر في 15 ديسمبر بأنها تطلب “تفاصيل كاملة عن العملاء الذين يريدون تحويلات مالية”، بما في ذلك المستفيدون النهائيون.
وقال البيان “يتم اكتشاف عدد من الأخطاء ويتعين على البنوك إعادة العملية”، مضيفا “ستستغرق هذه الإجراءات وقتا إضافيا قبل قبولها وإقرارها من قبل النظام الدولي”.
“صدمة”
ومنذ دخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ، تم حظر 80٪ أو أكثر من التحويلات اليومية بالدولار في العراق، والتي بلغ مجموعها في السابق أكثر من 250 مليون دولار في بعض الأيام، كما تقول وول ستريت جورنل “بسبب عدم كفاية المعلومات حول وجهات الأموال أو أخطاء أخرى، وفقا لمسؤولين أميركيين وعراقيين تحدثوا للصحيفة.
ويقول المحلل الاقتصادي حسن الراضي لموقع “الحرة” إن “هذا يعني أن الأموال موجودة، لكن صرفها مقيد، ما يعني أن الأزمة الحالية يمكن أن تحل في أي لحظة، ويمكن أن تستمر إلى أن يقبل العراقيون بالتعامل وفق الأنظمة الجديدة”.
وفرض بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قيودا أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار من جانب البنوك العراقية التجارية في نوفمبر في خطوة للحد من غسل الأموال والسحب غير القانوني للدولار إلى إيران وغيرها من دول الشرق الأوسط التي تخضع لعقوبات شديدة، كما تقول وول ستريت جورنل.
وقال محمود داغر، رئيس مصرف الجنوب الإسلامي لصحيفة وول ستريت جورنل إن “سياسة الصدمة التي انتهجها مجلس الاحتياطي الفيدرالي أحدثت أزمة داخل الاقتصاد العراقي” المعتاد على طريقة تعامل أكثر مرونة في ما يتعلق بتحويل الدولار.
ويقول المحلل الراضي إن “الصدمة حقيقية، لكن العراق سمح له بتجاوز كثير من التعليمات المصرفية العالمية طوال عقدين، وكان يجب أن يكون أكثر تحضيرا لمثل هذا اليوم”، مضيفا أن “واقع أن الاقتصاد العراقي يعمل بأغلبه بنظام النقد وليس الحوالات الإليكترونية أو الاعتمادات المصرفية أو حتى الصكوك، جعل الكتلة النقدية المتحركة داخل السوق كبيرة جدا، وسمح بتهريب جزء هائل إلى الخارج”.
رأي الولايات المتحدة
وتنقل وول ستريت جورنل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن “القواعد الأكثر صرامة للتحويلات الإلكترونية بالدولار من قبل البنوك الخاصة العراقية لم تكن مفاجأة للمسؤولين في بغداد، حيث تم تنفيذها بشكل مشترك في نوفمبر بعد عامين من المناقشات والتخطيط من قبل البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي”.
وأضاف المسؤولون الأميركيون للصحيفة أن الارتفاع في سعر صرف الدولار لم يكن بسبب الإجراءات الجديدة، وإنما بسبب “التدقيق في المعاملات الدولارية”.
لكن رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، قال إن تصرف مجلس الاحتياطي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية حكومته لعام 2023، وأضاف في مقابلة مع الصحيفة إنه “سيرسل وفدا إلى واشنطن الشهر المقبل مع اقتراح بوقف السياسة الجديدة لمدة ستة أشهر”.
وقالت الصحيفة إن كبار المسؤولين العراقيين الذين تربطهم علاقات بإيران أكثر انتقادا، مثل هادي العامري الذي قال خلال اجتماع مع السفير الفرنسي في بغداد “يعلم الجميع كيف يستخدم الأميركيون العملة كسلاح لتجويع الناس”.
الاقتصاد العراقي
ولا تشير الأزمة في العملة إلى مشكلة اقتصادية، وفقا لخبراء عراقيين، حيث أن “الاقتصاد العراقي يظهر مؤشرات هي الأقوى منذ فترة”، كما يقول الخبير المصرفي والمستشار الحكومي العراقي مظهر محمد صالح.
ويضيف صالح أن العوائد النفطية للبلاد اليوم هي الأعلى في تاريخ العراق الاقتصادي الحديث، إذ زادت على 116 مليار دولار رافقتها احتياطيات أجنبية قاربت 100 مليار دولار وهي الأعلى أيضا في التاريخ المالي للعراق.
ومؤخرا قال رئيس الوزراء العراقي إن احتياطات العراق بلغت 96 مليار دولار.
وأضاف صالح لموقع “الحرة” إن فائض الحساب الجاري لميزان المدفوعات نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى ما يقرب من 15٪ وهو أحد المؤشرات التي تدل على قوة القطاع الاقتصادي الخارجي للبلاد.
مع هذا يقول صالح إن الأزمة الحالية سببها “الرفض الآلي المستمر لطلبات الصرف غير مكتملة البيانات ولاسيما المستفيد الأخير من التحويل، مما قيد من العرض الفعال للعملة الأجنبية نفسها وجعل العرض الدولاري يتعثر أمام طلب مستمر وفعال ما ولد فائض طلب وقتي على النقد الأجنبي الذي أخذ طريقه إلى سعر الصرف في السوق الموازي.
وكان تجار العملة في بغداد أقل قدرة على الوصول إلى الدولار منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك فرض ضوابط على البنوك.
ووصل سعر الدولار في السوق غير الرسمية إلى 1680 دينارا لكل دولار، مقابل 1450 دينارا قبل الأزمة.