المستقلة/- في وقت يراود فيه الشكّ الكثير من المراقبين في قدرة المبادرات على إذابة الجليد بين الحزبين الحاكمين في إقليم كرستان العراق، تراهن أحزاب وشخصيات كردية على مبادرات لرئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني لتخفيف حدة التوترات والصراعات القائمة بين الحزبين.
ويشهد إقليم كردستان حراكا سياسيا ودبلوماسيا مكثفا يرمي لتهدئة الأوضاع المتأزمة منذ أكثر من ثلاثة أشهر بسبب الخلافات والمشكلات التي اشتدت بين الحزبين الرئيسيين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وسط دعوات لتنظيف سجلِّات الناخبين ومساع حثيثة لتفعيل المفوضية العليا للانتخابات.
ويقول المراقبون إن نيجيرفان هو رجل المرحلة في الإقليم، وإن شخصيته الهادئة والمتحررة من صراعات الماضي قادرة على أن تجمع الأكراد وتتجاوز الخلافات التاريخية بين عائلة مسعود بارزاني وعائلة جلال طالباني التي ورثت قيادة الاتحاد الوطني.
ويتمتع نيجيرفان بارزاني بشخصية سياسية ودبلوماسية قوية وكلمته مسموعة لدى الأحزاب والقوى السياسة داخل إقليم كردستان وأقطاب الساحة السياسية في العراق.
ويسميه البعض بمهندس الإعمار في كردستان العراق، وقد قدَّم مبادرات تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع، ولعب في السابق دورا فعالا في تهدئة الأوضاع وتخفيف حدة الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسيين لاسيما عقب إجراء الاستفتاء الهادف إلى استقلال الإقليم في العام 2017.
ويشير المراقبون إلى أن القيادة الجديدة في الحزبين يمكن أن تبحث عن مشترك جامع يفضي إلى تفاهمات كبرى تمكّن من حل الخلافات وخاصة ما تعلق بتقاسم مواقع النفوذ وتوزيع المناصب داخل السلطة في الإقليم، وفي العلاقة مع الحكومة المركزية، ما يسمح بتماسك مواقف الإقليم ويسهل عليه التفاوض من موقع قويّ مع بغداد خاصة في ملف النفط.
وتتساءل أوساط داخل الإقليم بشأن ما إذا كان الحرس القديم في الحزبين سيسلم السلطة للجيل الجديد من القادة ومدى القدرة على تحقيق التقارب بين الحزبين الكرديين وتجاوز الصراع التاريخي خاصة من جانب مسعود بارزاني الذي تقول دوائر كردية إنه يتحكم من وراء الستار في قرارات رئيس الإقليم ابن شقيقه، ورئيس حكومة الإقليم ابنه مسرور.
ويقاطع أعضاء الاتحاد الوطني منذ نحو ثلاثة أشهر جلسات مجلس الوزراء، وأعمال الحكومة، رفضا لما يعتبره الحزب الذي يقوده بافل طالباني احتكار آل بارزاني لسلطة القرار والتمييز الذي يمارس بحق محافظة السليمانية (معقل الاتحاد).
ويسيطر الحزب الديمقراطي بزعامة بارزاني على محافظتي أربيل ودهوك، بينما يسيطر الاتحاد الوطني برئاسة بافل طالباني الابن الأكبر للرئيس العراقي الراحل جلال طالباني على محافظتي السليمانية وحلبجة ومنطقتي كرميان جنوبا ورابرين شمال الإقليم.
وتتعلق الخلافات الرئيسية بين الحزبين الكرديين المتشاركين في السلطة بتعديل قانون الانتخابات وتوحيد العائدات المالية إلى جانب الشراكة الحقيقية في إدارة نظام الحكم.
وأكد قوباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان خلال اجتماع مع وفد أممي برئاسة الممثلة الدولية جينين بلاسخارت على ضرورة تهيئة أجواء إيجابية لإجراء انتخابات تشريعية نزيهة وشفافة ومعبرة حقيقية عن أصوات الناخبين في الإقليم، مشيرا إلى أن سجلَّ الناخبين ومقاعد الكوتا ونظام الدوائر بالإضافة إلى حصة المكونات والأقليات تعدُّ أبرز المعرقلات أمام تنظيم انتخابات تحوز القبول من الجميع.
ودعا قوباد، وهو الابن الأصغر للرئيس الراحل جلال طالباني، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للعب دور فعال بغية تذليل العقبات والعراقيل في سبيل إجراء الانتخابات، مشددا على ضرورة أن يكون للأقليات والمكونات في الإقليم تمثيل حقيقي ومستقل بعيدا عن التدخلات الحزبية.
وفي تصريح أدلى به لوسائل الإعلام المحلية أكد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني أنَّ ملف اغتيال العقيد هاوكار جاف يعدُّ العقدة الأساسية في الخلافات مع الاتحاد الوطني الكردستاني، مؤكدا أنه ليست لديهم أيّ مشكلة حزبية مع الاتحاد الوطني الكردستاني.
ورداً على اتهامات قيادات الاتحاد الوطني الموجهة إلى حكومته بممارسة سياسة التمييز والتفرقة بين المناطق والمحافظات في إقليم كردستان، نفى مسرور بارزاني تلك الاتهامات قائلا إن حكومته تنظر إلى كل المحافظات بعين واحدة ولا صحة لما يقال.
هل يقبل الحرس القديم في الحزبين الكرديين تسليم السلطة للجيل الجديد من القادة وتجاوز ميراث الصراع التاريخي
وتعمّقت الخلافات بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني عقب حادثة اغتيال العقيد جاف أحد أبرز الضباط في مؤسسة مكافحة الإرهاب في السابع من أكتوبر الماضي بمدينة أربيل، بعد أن اتهم الحزب الديمقراطي قادة أمنيين في الاتحاد الوطني بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
وقال مسرور في رسالة إلى الرأي العام إنه طُلب منه التستر على ملف عملية اغتيال جاف التي وصفها بالإرهابية، مشيرا إلى أنه طرح تشكيل لجنة مشتركة مع المسؤولين في السليمانية بحضور طرف ثالث دولي لإجراء تحقيقات نزيهة وحيادية بشأن مقتل العقيد.
واتهم بارزاني بشكل ضمني قيادات في الاتحاد باستغلال المنافذ الحدودية لتحصيل مكاسب شخصية، وقال في رسالته إنه منذ ما يقارب العامين كانت هناك مشكلة في تحصيل الإيرادات وجمعها وخسارة الأموال في البنوك المتاخمة للسليمانية وكرميان وحلبجة ورابرين، وإن حكومته فتحت تحقيقا في هذا الموضوع، لكن جوهر هذه المشكلة هو أن بعض الأفراد والأطراف يشاركون في عملية تحصيل الدخل من هذه الحدود لمصلحتهم الخاصة.
ورد رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني في مقابلة صحافية بالقول إن حكومة إقليم كردستان تعاقب منطقة السليمانية وإدارتها، وإنها لا تسدد رواتب المواطنين.