يبدو من شبه المستحيل التفكير في سبب وجيه لصنع هذا الفيلم
الراحلة آمي واينهاوس (غيتي)
ستركز السيرة الجديدة لحياة آمي واينهاوس على عبقريتها وإبداعها وصراحتها الاستثنائية التي كانت واضحة في كل الأمور التي قامت بها. أو هكذا تم إخبارنا، ومن ثم رأينا الصور.
تم تصوير الممثلة ماريسا أبيلا خارج نادي الجاز “روني سكوت” في لندن مع توقيع المغنية الشبيه بخلية نحل فوضوية مع كحل الآيلاينر الأسود الذي يلطخ المنطقة المحيطة بعينيها فيما يعلو وجهها تعبير بالذهول. “يا لها من صورة مثيرة للاشمئزاز”، أطلق أحد المعلقين رداً على الصورة. قارب البعض المسألة من حيث غياب الشبه بين آبيلا وواينهاوس، فيما شكك البعض الآخر في الجدوى من تصوير فيلم “باك تو بلاك” Back to Black من إخراج سام تايلور-جونسون. نظراً إلى الكفاءة الماهرة التي تم اختيار حياة المغنية الراحلة من خلالها، يبدو من شبه المستحيل التفكير في سبب وجيه لصنع فيلم يدور حول سيرة واينهاوس، أقله فيلم ليس مدفوعاً بالطمع. يتزامن شهر يوليو (تموز) المقبل مع مرور 12 عاماً على وفاة المغنية بسبب حادثة تسمم بالكحول. على رغم إنجازها الكثير من الأمور خلال مسيرتها الفنية القصيرة كعقود التسجيل وجوائز بريت وغراميز وتزلف المعجبين والزملاء على حد سواء، لن يفارقنا التفكير في أنه كان بوسعها إنجاز المزيد بعد.
فما الذي لا نعرفه عن قصتها؟ نعرف أنها ولدت في ساوثغايت شمال لندن وأظهرت مؤشرات واعدة مبكرة كفنانة عندما كانت في أوركسترا الجاز الوطنية للشباب. ونعرف أيضاً كيف أغرمنا بموسيقاها، من خلال صوتها الاستثنائي والروحاني ذي اللكنة الأنفيلدية (ليفربول) المميزة عبر كلمات صادرة من الأعماق وتتناول الحب والندم وإفساد علاقة. ونعرف أيضاً في شأن مجموعة مصوري البابارازي الذين يحاولون (وغالباً ما كانوا ينجحون) تصويرها تخرج متعثرة ومترنحة من ملهى هاولي أرمز Hawley Arms أو أي مكان آخر من أماكن مطاردتها في كامدن تاون. ونعرف الطرق العديدة التي تعرضت فيها للخذلان.
كانت واينهاوس مسلية وكانت تجيد هذا الأمر بشكل لافت. وفي ظهور سابق لها في برنامج “فرايداي نايت ويذ جوناثان روس” Friday Night with Jonathan Ross، سأل المضيف آمي واينهاوس التي كانت تبلغ 20 سنة آنذاك إن كانت الشركة المنتجة قد حاولت “تطويعها” (قولبتها). فأجابت بنظرة مرحة على وجهها: “حسناً، نعم، حاولت إحداها تحويلي إلى شكل مثلث كبير، ولكنني قلت لهم “كلا!”، ولكنها أخذت الموسيقى على محمل الجد. وأحجمت عن المقارنة بينها وبين معاصريها على غرار كاتي ميلوا، وكانت شديدة الانتقاد في شأن مغنين آخرين انخرطوا في هذا النوع الموسيقي الذي أطلق عليه بشكل مشكوك فيه “موسيقى الجاز الجديدة”. كانت واينهاوس، كما تحب أن تقول، “مغنية جاز صريحة” تأخذ الإلهام من العظماء وترفض إفساد أسلوبها الغنائي بطبقات من تعديل الصوت أو موسيقى البوب. وقال بوب ديلان إنها تملك “آخر صوت فردي” بمعنى أنه لا يضاهيها أحد أبداً.
فما الذي يفترض بنا معرفته من الفيلم الجديد؟ ما من قيمة ترفيهية لاستعادة سيرة حياة ووفاة لا يزال العديد من الأشخاص يعتبرونها ذكرى حية. في الأقل، حققت أبيلا مكسباً من هذا الأمر إذ وصفت تجربتها بخسارة الوزن لأداء الدور “بالإيجابية”. الشره المرضي والإدمان ملعونان فعلاً. ويبدو أن تعليقها يتعارض مع ما قاله ميتش والد واينهاوس الذي دافع عن أبيلا واعتبر أن هوليوود تعتمد بشكل كبير على الشبه الخارجي. فما الجدوى من التطبيق المضني للشعر والمكياج إلا لإخفاء الواقع الكامن خلفهما؟ فلا نجد أي أثر للمرأة التي من المفترض أن يكرمها الفيلم.
إن أردتم فعلاً معرفة آمي واينهاوس كما صرحت الصحافية فيونا ستورج لصحيفة “اندبندنت” العام الماضي، عليكم الاستماع إلى موسيقاها. فشكل أول ألبوماتها “فرانك” Frank السبيل للقيام بذلك وكانت كتابة الأغاني على الموسيقى كما في “سترونغر ذان مي” Stronger Than Me و”أكتوبر سونغ” October Song و”آي هيرد لوف إذ بلايند” I Heard Love is Blind صريحة بشكل مذهل. وكان الألبوم الذي تبع ذلك والذي حاز على شهرة عالمية بعنوان “باك أون بلاك” أفضل من سابقه أيضاً. وساعد مارك رونسون في نقل مزيج الجاز والهيب هوب الذي تعتمده واينهاوس إلى موسيقى “ريذم أند بلوز” R&B أجرأ وأكثر تألقاً. أما كلماتها… يا إلهي! فعلى غرار ما كتب الناقد الموسيقي الراحل في “اندبندنت” أندي جيل إثر إطلاق الألبوم: “لا تترك صراحتها الجنسية وتعابيرها التي تقولها بالفم الملآن أي مجال لسوء الفهم”. وتابع بأن افتقار واينهاوس إلى أي شعور بالعار أصبح الميزة التي تعكس الألبوم. فالأغاني على غرار “يو نو أم نو غود” You Know I´m No Good تصيبكم مباشرة في الصميم وتتابع الأغنية: “خدعت نفسي/ كنت أعلم أنني سأفعل/ أخبرتك أنني مشكلة/ أنت تعلم أنني لست جيدة”.
فيما لا يزال بالإمكان كسب الكثير من المال من خلال تشريح حياة واينهاوس مرة أخرى، يبدو من الواضح بأن الذنب يلعب دوراً كبيراً في سبب اندفاع الأشخاص لتركها ترتاح بسلام. 27 عاماً هو عمر شاب ليموت فيه أي شخص، ناهيك بتضخيم ذلك على المسرح العلني العام مع مزيج بين الموهبة والمأساة، وبذلك سيبدو الحزن والارتباك المحيطان به أكثر حدة، ولكن آخر ما نحتاج إليه هو إعادة صياغة بصرية للصدمات التي عانت منها واينهاوس. لا نحتاج إلى تذكير بالطرق التي تعرضت فيها للخذلان لأنها ما زالت تحصل حتى بعد مماتها. فما زال الإعلام يتحمس لقصص نساء أخريات كبريتني سبيرز وباريس هيلتون وليندسي لوهان وميغان ماركل وتطول اللائحة وتكر السبحة.