أقامت سلطنة عمان نسخة جديدة من برنامجها السنوي بعروض فنية وثقافية ورياضية لافتة
اشتهرت سلطنة عمان بين أخواتها على ساحل الخليج العربي بشخصيتها الهادئة والمحافظة اجتماعياً وسياسياً، إلا أن ذلك لم يكن يمنعها منذ وقت مبكر من الاحتفاء بفنونها وعروضها الفلكلورية ذات الطابع الثقافي والرياضي والشعبي.
لكن “ليالي مسقط” التي ظلت المناسبة الشتوية الأكثر حشداً لهذا النوع من الفنون الترفيهية في البلاد، أحيط بها جدل نادر هذه المرة، ليس بسبب إحدى لعب الأطفال التي سقطت وكانت إصابات ركابها خفيفة، وإنما جراء تزامن التظاهرة مع تداول نشطاء السوشيال ميديا على نطاق واسع “رقصة المعلاية” المثيرة للجدل، كما لو أنها جزء من فقرات المهرجان، على حين تبين أنها فلكلور منبوذ من المجتمع المحافظ، يتبرأ كثيرون من انتسابها إلى السلطنة عريقة الجذور، والإمارات العربية المتحدة جارتها اللصيقة التي شاركت أصوات فيها مسقط في نبذ “الرقصة الملعونة” كما يصفها الساخطون.
“رجس من عمل الشيطان”
ويعتبر الصحافي العماني علي الراشدي الرقصة تصرفاً يستهدف المتعة المحرمة، إذ هي كما يرى “ماجنة يتجمع حولها شياطين وشيطانات من الإنس الباحثين عن المتعة المحرمة، ولا تمت إلى المجتمع العماني بأية صلة، لذا يجب تجريمها ومداهمة الأوكار التي تقام فيها وإحالة كل من يحضرها إلى القضاء مباشرة، إنها رجس من عمل الشيطان”!
فيما يختلف معه محمد خلفان الذي علق عليه بتغريدة منتقدة، مشيراً إلى أن هذا الطرح “كلام فاضي”، فكلما هنالك أن الرقصة “فن من الفنون موجود من قديم الزمن، ترقص فئة من الناس على أنغامه… وكان الأولى السكوت عنه أو علاجه بطريقة أفضل بدلاً الهرج والمرج والتشهير به”.
ليست إماراتية أيضاً
ومن الجهة الإماراتية ظهر سجال مماثل فرأى الكاتب عبدالغفار حسين أن “المعلايه فن شعبي قديم، كان يمارس في ساحل الباطنة بعمان وفي الإمارات”، مقراً بأن في حركاته “شيئاً من الميوعة تتخلله”، ولكنه كما قال على رغم ذلك، هو “فن شعبي لا يخلو من المتعة”.
وذلك قبل أن يرد عليه أحد مواطنيه، مندداً بأن الحركة لا تعدو كونها “رقصة دخيلة ’قبيحة‘ لا علاقة لها بتاريخ وإرث المنطقة، المعلاية رقصة أفريقية ’منحرفة‘ بحسب معنى الكلمة بلغة أهل السواحل الأفريقية، و ما نراه لا يمكن في أية حال من الأحوال اعتباره وتسميته بالفن كما وصفته”.
ويذهب آخر إلى ما هو أبعد حين طالب بتجريم “الرقصة الخليعة”، التي يؤكد أنه “لا أحد يتشرف بها، فهي لفئة قليلة معروفة، لكنها دخيلة على المجتمع الإماراتي العربي الأصيل، وأتمنى من الجهات المختصة منعها واعتبارها مخالفة للأداب ومعاقبة من يقوم بها”!
وتوسعت دائرة النقاش بين المغردين العرب حول الرقصة، خصوصاً بعد أن عرضتها “بي بي سي” بين مواضيع “الترند” على نافذتها المعتادة، لافتين إلى أنها ليست الوحيدة من نوعها، فهناك بعض إيقاعات الرقصة في أكثر من بلد عربي مثل “الدبكة النسائية” في الشام، وفلكور “الشيخات” في المغرب، وقبل ذلك “الرقص الشرقي” المصري، فضلاً عن الرقصات الأفريقية المجاورة، وتوظف النساء فيها جميعاً أجسادهن ويتمايلن مع الإيقاع الموسيقى، على نحو يتفاوت في جرأته إلا أنه يتفق في الفكرة.
على خطى “المزمار”
وفي سنوات مضت، شهدت الساحة السعودية جدلاً مماثلاً على وقع تصنيف “يونسكو” رقصة “المزمار” بين تراث السعودية غير المادي، مما أثار نقمة كثيرين رأوا الرقصة افريقية وافدة، ولم تكن معروفة بين إرث منطقة الحجاز غربي السعودية، فيما اعتبر آخرون أن احتضان المنطقة لها فترة زمنية معينة يجعل منها من الرموز الشعبية الجديرة بالتوثيق.
وتشتهر المنطقة العربية ومنها الخليجية برقصات شعبية مختلفة، إلا أنها تشهد تمايزاً بين ما هو نسائي منها ورجالي. وفيما يغلب على الرقصات النسائية أن تكون في سياق اجتماعي مغلق في المجتمعات المحافظة، اعتاد الرجال إثارة البهجة في دول الخليج بلوحات استعراضية من رقصاتهم المتوارثة، التي عادة ما تكون السيوف والخناجر والجنابي والبنادق أحياناً والرموز الحربية محاور أساسية فيها، مثل العرضة النجدية والتعشير والخطوة الجنوبية والدمة، وسواها
“ليالي مسقط” لا تهتم
إلى ذلك لم يتسن لـ “اندبندنت عربية” التأكد مما إذا كانت الوصلات المتداولة لـ “المعلاية” كانت جزءاً من نشاط ثقافي نظمته جهة مرخصة في سلطنة عمان أم لا، إذ توجهنا بالسؤال إلى “التواصل الحكومي” في مسقط بشأن التساؤلات التي صاحبت الجدل والضجيج حول الرقصة، وعند ورود الإجابة سيتم نشرها. يأتي ذلك في حين انتقد ناشط عماني على الميديا يدعى “منير البلوشي” موقف الجهات الثقافية في بلاده نحو الرقصات النسائية، متهماً إياها بتسهيل تنظيم فعالياتها داخل السلطنة وخارجها، في سياق تسجيل مرئي تم تداوله وسط هاشتاق “منع العلايه” الذي صار بين الأكثر رواجاً على منصات التواصل الاجتماعي في سلطنة عمان والإمارات.
لكن “ليالي مسقط” التي أقامت فعالياتها الترفيهية كالمعتاد لم تلتفت إلى الضجيج الدائر، وهي التي استفتحت موسمها بعروض فنية كان أبرزها الذي قدمته الفرقة الاستعراضية من الحرس السلطاني العماني، وعروض الدرون والليزر، واللوحات الفنية الراقصة ومسابقة قفز حواجز الخيل، التي قالت وكالة “الأنباء العمانية”، إنها أضافت “تجربة استثنائية للمتعة البصرية، ضمن فعاليات صممت لتلبي تطلعات الجمهور وتخدم مختلف فئات المجتمع والزوار، بوصفها من المجتمع وإليه، وأريد لها أن تكون مساحة للترفيه والتواصل الثقافي”.
وتتوزع الفعاليات على أربعة مواقع رئيسة، هي “متنزه القرم الطبيعي، ومتنزه النسيم العام، والجمعية العمانية للسيارات، ومركز عمان للمؤتمرات والمعارض” بهدف استقطاب أكبر عدد من الجمهور.
المكون العماني الحضاري
ويرى عمانيون في “ليالي مسقط” بعروضها، أساليب مستحدثة في تقنيات العروض والإبهار، مع برامج تغطي مجالات ثقافية وترفيهية وأسرية ورياضية وفنية وأمسيات ومسابقات، وأنشطة تستلهم ذائقة المجتمع.
وذكرت وسائل الإعلام العمانية في تقاريرها أن العروض، اجتهدت في إظهار “عمق الأصالة والمكنون الحضاري لسلطنة عمان، والاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالمجالات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وبالفعاليات المتخصصة، ومشاركة الجهات والقطاع الخاص، والعناية بمجالات الأسرة والطفل والمجتمع بشكل عام”.
وذكرت بلدية مسقط في بيانها اليوم بشأن سقوط إحدى اللعب بالأطفال الراكبين عليها، أن جميع من كانوا على متنها عادوا إلى بيوتهم سالمين، بعد إجراء الفحوص اللازمة لهم والتأكد من سلامتهم.
وتتنافس دول الخليج أخيراً في تنويع مصادر الدخول غير النفطية فيها، بإقامة الفعاليات الترفيهية وتشجيع مواطنيها على إنفاق أموالهم على السياحة الداخلية في دولهم ما أمكن، كما لفتت إلى أنها تستهدف التكامل في ما بينهما، خصوصاً وأنها تتوفر على بعض الممكنات التي تميز كل دولة عن نظيرتها.