التقاليد والعادات الاجتماعية تسهم بشكل أساس في هذه الظاهرة
أطلقت وزارة الصحة المصرية عام 2017 خطة تهدف لخفض معدل المواليد إلى 2.4 في المئة بحلول عام 2030 (أ ف ب)
صدرت أول مجموعة من المبادئ والتوصيات لتعدادات السكان والمساكن عام 1958 بناء على طلب اللجنة الإحصائية بالأمم المتحدة، استجابة إلى الحاجة لوضع #معايير_دولية تكون أساساً يستند إليه أول برنامج عالمي لتعدادات السكان والمساكن.
وفي وقتنا الحالي، بلغ عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، في ارتفاع بلغ ثلاثة أضعاف عما كان عليه في منتصف القرن العشرين، إذ قدر عدد السكان عام 1950 نحو 2.5 مليار شخص، قبل أن يشهد زيادة مستمرة بلغت مليارين عام 1998، وملياراً عام 2010.
ويتوقع أن تستمر هذه الزيادة بالاطراد نفسه ليرتفع الرقم بنحو ملياري فرد خلال السنوات الثلاثين المقبلة، حتى يصل إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050، بما يقرب من ملياري فرد في الأعوام الـ 30 المقبلة.
الانفجار السكاني
يعرف #الانفجار_السكاني بأنه ارتفاع كبير في تعداد السكان بشكل يفوق كمية الموارد المتاحة، وينتج بسبب زيادة في عدد المواليد مع انخفاض الوفيات وارتفاع في معدل الخصوبة، وقد اهتم المفكرون والساسة منذ القدم بالظواهر السكانية وبأثر التعداد السكاني على الأنساق الاقتصادية والسياسية، ونشأت النظريات السكانية القديمة للإجابة عن مسائل محددة وخاصة بكل مجتمع أو مدينة، من بين هؤلاء كونفوشيوس وأفلاطون وأرسطو، وفي المجتمعات العربية تنبه ابن خلدون إلى واقعها والاختلاف القائم بين البدو والحضر وعلاقة العمران بعدد السكان.
زيادات مليونية
واليوم تشهد بعض المدن العربية تزايداً كبيراً في عدد السكان، الأمر الذي ينعكس تدريجاً على جودة الحياة في كل منها، ما يخلف تأثيراً سلبياً على المجتمع ككل، فكل زيادة في التعداد تتطلب زيادة في الموارد على أنواعها وكذلك الغذاء وفرص العمل ووسائل النقل وخدمات التعليم والتنظيم المجتمعي وغيرها.
وعلى رغم أن الزيادة السكانية غالباً ما تربط بقوة الدولة، إلا أنه وكما كل شيء، هناك حد ينقلب الأمر عنده، وتصبح الزيادة عبئاً على الدولة لعدم قدرتها على توفير متطلبات هذه الأعداد من جهة والحد من الأمية والبطالة من جهة أخرى، فيتحول هذا النمو الهائل إلى تهديد حقيقي للأمن، وتعد القاهرة المثال العربي الأبرز، إذ يكاد يكون الانفجار السكاني أبرز هواجسها، ففي آخر الإحصاءات وصل عدد السكان لأكثر من 103 ملايين و750 ألف نسمة، وإذا استمرت الزيادة السكانية بهذا المعدل، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى حوالى 200 مليون نسمة عام 2100 أي بعد قرابة 80 عاماً.
ولأن تحديد النسل أصبح أولوية سياسية في العاصمة المصرية، أطلقت وزارة الصحة عام 2017 خطة تهدف لخفض معدل المواليد في البلاد إلى 2.4 في المئة بحلول عام 2030، ووضعت آليات وتطبيقات عدة لوضع الخطة موضع التنفيذ من خلال توفير شبكة وطنية من العيادات ووسائل منع حمل مدعومة وغيرها، كما حظيت الخطة لاحقاً بموافقة المؤسسة ذات النفوذ الأكبر في البلاد (الأزهر)، مما منحها دعماً وتأييداً دينياً، ومع ذلك يبدو وكأن النتائج على الأرض تسير عكس الخطة تماماً، وتنعكس هذه النتائج على الوضع الاقتصادي بشكل خاص.
أما في العراق، فقد صدقت التوقعات السابقة بخصوص التضخم السكاني، إذ أصدرت وزارة التخطيط العراقية الشهر الماضي، تقريراً أعده الجهاز المركزي للإحصاء عن حالة السكان في البلاد لسنة 2022، معلنة تخطي عدد السكان عتبة 42 مليون نسمة بمعدل زيادة سنوية بلغ 2.5 في المئة، ووفقاً للتقديرات، فإن العاصمة بغداد شكلت نسبة التعداد الأعلى، إذ تجاوز عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، في حين تصاحب هذا الارتفاع إخفاقات متتالية في معالجة المشكلات الراهنة المتعلقة بالبطالة والفقر والسكن والتعليم والطبابة والمؤسسات الخدماتية الأخرى.
التقاليد الاجتماعية
وغالباً ما ترتبط أسباب التضخم السكاني بالأوضاع الصحية والبيئية والاجتماعية والسياسية الجيدة، إضافة إلى التطور التكنولوجي والوفرة والعدالة وتحسن المستوى المعيشي والاهتمام بالأفراد بصورة عامة، لكن يبدو أن هذه الظروف غير متوفرة في معظم البلدان العربية التي تشهد تضخماً سكانياً، في حين الظرف الوحيد الموفر بشكل واضح هو “عدم تنظيم الولادات”، فمن المؤكد أن التقاليد والعادات الاجتماعية التي مازالت سائدة في بعض المناطق ومنها الزواج المبكر وتعدد الزوجات، وإضافة إلى عدم تطبيق قانون الحد من النسل وتنظيمه وغيرها من الأسباب، تسهم جميعها بشكل أساسي في زيادة وتوسع هذه الظاهرة.
وبحسب الإحصاءات، لا تزال مستويات الخصوبة مرتفعة في البلدان ذات الدخل الفردي الأدنى، ونتيجة ذلك أصبح النمو السكاني العالمي متمركزاً بشكل متزايد في البلدان الأكثر فقراً.
وفي حين تهتم الديموغرافيا بالمسائل المتعلقة بالسكان، فتدرس حجمهم والتغييرات التي تطرأ عليهم، إضافة إلى حركتهم، إلا أن هذا العلم يرتبط بعلوم أخرى مثل الاجتماع والإحصاء والاقتصاد والجغرافيا والسياسة والتنمية، لذا تتطلب عديداً من الدراسات السكانية، التي تمثل طريقة مبدئية لفهم المجتمع البشري، والتعمق في عديد من هذه المجالات للوصول إلى بيانات مثل الخصوبة والتغيرات السكانية ومكونات قوى العمل والأوضاع الاقتصادية والبيئة والمناخ وتحليل المعلومات، وكذلك يتطلب تحديد أسباب الانفجار السكاني القيام بأبحاث عدة للوصول إلى المعرفة المطلوبة، بخاصة وأن هذه العلوم تشترك مع الديموغرافيا في عديد من الاهتمامات.
وأخيراً، ما زالت الإحصاءات تشير إلى زيادة ربما تصل إلى الضعف في عدد سكان العالم خلال السنوات العشرين المقبلة، بالتالي من الضروري أن تبذل الدول أقصى جهدها لمضاعفة إمكاناتها، حتى يتماشى الوضع المعيشي والخدماتي والاجتماعي والصحي مع هذا التضخم الكبير في عدد السكان، مما يسهم في تحسين مستويات المعيشة وليس العكس.