في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، صدر تصريح بلفور الذي تضمن تعهد بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود. ويتجلى مزيج من الكره والإعجاب من جانب بلفور في مقدمة بلفور لكتاب سولوكوف «تاريخ الصهيونية»، إذ يبدي معارضته فكرة المُستوطَن البوذي أو المُستوطَن المسيحي. فالمسيحية والبوذية من وجهة نظره هما مجرد دينين، ولكنه يَقْبل فكرة المُستوطَن اليهودي لأن «العرْق والدين والوطن» أمور مترابطة في حالة اليهود، كما أن ولاءهم لدينهم وعرْقهم أعمق بكثير من ولائهم للدولة التي يعيشون فيها… «إن هذا الشعب العضوي يتميَّز أعضاؤه بالنشاط والحركية، ولذا فقـد حقـقوا نجـاحاً باهراً في المجتمع». ويذكر أن بلفور نفسه تحمس لـ «قانون الغرباء» الذي كان يهدف إلى وضع حدٍّ لدخول اليهود الناطقين باليديشية إلى إنكلترا، فهاجمه المؤتمر الصهيوني السابع 1905 ووصفه بأنه «يعادي الشعب اليهودي بأسره»، كما هاجمه بعض الصحف البريطانية. وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه نوع من التناقض الواضح الذي يقترب من الشيزوفرينيا، ولكن أفكار بلفور الاسترجاعية؛ علمانية كانت أم دينية؛ تعبِّر عن رغبة في التخلص من اليهود لخدمة الحضارة الغربية. فالشعب العضوي المنبوذ لا يمكن أن يحل مشكلته داخل التشكيل الحضاري الغربي مِن طريق الاندماج في المجتمعات الغربية، وإنما يمكنه حلها مِن داخل التشكيل الاستعماري الغربي عبر التحول إلى مادة استيطانية نافعة بيضاء تُوطَّن خارج أوروبا في أي بقعة في آسيا أو أفريقيا. وبالفعل، تعمَّق اهتمام بلفور بالمسألة اليهودية حين حضر هرتزل وتفاوض مع وزير المستعمرات جوزيف تشامبرلين ووزير الخارجية لانسدون لإيجاد وطن لليهود خارج أوروبا، فتم عرض مشروع أوغندا وغيره.
في عام 1905، قام بلفور بمقابلة حاييم وايزمان في مانشستر وأُعجب به كثيراً، ولكنه نسي فكرته الصهيونية إلى حدٍّ كبير في فترة الحرب. ثم قابله مرة أخرى عام 1915 وناقش معه الأهداف الصهيونية، بعد أن كانت الوزارة البريطانية قد ناقشتها عام 1914 وعندما عُيِّن وزيراً للخارجية في وزارة لويد جورج عام 1916، عاد بلفور لاهتمامه القديم بالصهيونية بسبب تزايد أهمية فلسطين في المخطط الإمبريالي البريطاني. وقد بيَّن بلفور تصوّره لمستقبل فلسطين في إحدى المذكرات حيث قال: «إن الصهيونية، سواء أكانت على حق أم كانت على باطل، خيِّرة كانت أم شريرة، فإنها ذات جذور متأصلة في تعاليم قديمة وحاجات حالية وآمال مستقبلية». التقت رؤية بلفور مع صديقه وايزمان بدفع الهجرة اليهودية بعيداً مِن بريطانيا إبان تدفق المهاجرين اليهود من مناطق الإمبراطورية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر لتعرضهم لقمع شديد. تعامل بلفور مع الصهيونية باعتبارها قوة اقتصادية تستطيع التأثير في السياسة الدولية وكانت بريطانيا تطمع في إبقاء تحالف أغنياء اليهود معها، وكان بلفور يطمع في أن يساعده النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة على إقناع الرئيس الأميركي ودرو ويلسون بدخول الحرب العالمية الأولى مع بريطانيا ضد ألمانيا وتركيا. لهذا، وجد بلفور أن المنفذ الوحيد للتخلص من تدفق المهاجرين اليهود إلى بريطانيا وتشجيع يهود بريطانيا على مغادرتها، إلا أن يكون هناك ما يشجع على ذلك، فكان أولاً عرض مناطق في العالم على اليهود لكي يقيموا عليها دولتهم، ولما لم يقبلوا كان وعد بلفور. بهذا، يمكن القول إن آرثر بلفور اتسم بمهنية سياسية عالية في فترة حرجة في السياسة العالمية. ولحساسية القضية، كان بلفور يمشي بأناة داخلياً وخارجياً ليخدم بريطانيا العظمى، وليبدو في الوقت نفسه صديقاً لليهود.
كونور كروز أبريان؛ يقول في كتابه «الملحمة الإسرائيلية والصهيونية»: «حينما سأل بلفور حاييم وايزمان، لماذا لا يوافق اليهود على أن يُنشئوا لهم وطناً في أفريقيا»، رد الأخير: أنت كبريطاني لو طلب منك أن تستبدل انتماءك إلى باريس وليس إلى لندن لكي تعيش فيها فهل توافق؟ كان رد بلفور عليه: ولكن لندن موجودة وأنت لا توجد لك مدينة. حينذاك أجاب وايزمان: القدس كانت موجودة حينما كانت لندن ما زالت مستنقعات بلا بشر».
وقيل الكثير عن مبررات وعد بلفور، الذي صنع نكبة للفلسطينيين، الذين كانوا آمنين في وطنهم فصاروا بعده لاجئين. قال بعضهم إن بريطانيا لم تكن تتآمر على العرب في فلسطين، وأن كل ما حدث ببساطة، هو أن بريطانيا أرادت أن تكافئ اليهودي حاييم وايزمان على اختراعه مادة «الاستون» خلال الحرب العالمية الأولى، المادة التي تلزم للصناعات العسكرية. وأن الأسطورة تقول: إن لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني آنذاك سأل وايزمان؛ بماذا يستطيع أن يكافئه، فأجابه؛ اصنع شيئاً لشعبي، فتأثر أساطين الإمبراطورية وأصدروا الوعد. ويقول وايزمان في مذكراته «التجربة والخطأ»: «وصلت إلى مقر رئيس الوزراء، وكانت الشوارع مكتظة بالأهالي المهللين، فوجدت لويد جورج يقرأ في مزامير داود، وعرضت عليه خلاصة مستعجلة لأعمالنا وزياراتنا لبلاد فلسطين». ويقول نورمان بنتويتش في كتابه «إسرائيل الناهضة» عام 1960م: «لقد ربط حاييم وايزمان الصهيونية بنجم إنكلترا، وهو يعتقد أن بناء فلسطين يتوجب أن يكون شراكة بريطانية يهودية». وترى المنظمة الصهيونية العالمية، أن حاييم وايزمان (1874-1952م) هو أشهر الشخصيات الصهيونية بعد هرتزل، بما لعبه من دور يعد الأهم في استصدار وعد بلفور. وحاييم وايزمان تولى رئاسة تلك المنطمة بين 1920 و1946 وهو كان أول رئيس لإسرائيل.
ويشار إلى أن المؤتمر الصهيوني الثاني كلَّف حاييم وايزمان بتشكيل الوفد الروسي لحضور المؤتمر، وفي عام 1901 كلَّفه بحمل اليهود على شراء أسهم البنك اليهودي الدولي وبنك الاستعمار اليهودي، وبزغ نجمُه داخل المؤتمر واختير عضواً في الحركة الصهيونية. ثم رفض وايزمان عام 1903 فكرة اختيار أوغندا مكاناً بديلاً لليهود يُنشئون عليه دولتهم بعيداً مِن فلسطين، وهنا يقول وايزمان عام 1906 أثناء مقابلته بلفور: «إن اليهود يعتقدون أن استبدال فلسطين بأي بقعة أخرى في العالم نوعٌ من الكفر، فهو أساس التاريخ اليهودي، ولو أن موسى نفسه جاء ليدعو إلى غيرها ما تبعه أحدٌ، وسيأتي اليوم الذي سننجح فيه في استعادة بلادنا، فهذا أمرٌ لا شكَّ فيه». وهنا تزعّم حاييم وايزمان تيار الصهيونية العملية، بعد انقسام الحركة الصهيونية عام1907 إلى قسمين، الصهيونية السياسية التي كانت تسعى الى الحصول على تصريح من السلطان العثماني قبل التفكير في العودة إلى فلسطين؛ والصهيونية العملية التي عملت على إحياء اللغة العبرية والاهتمام بالناحية الروحية وخلق واقع صهيوني في فلسطين.
ووفق مذكراته؛ دعا وايزمان المنظمات اليهودية العالمية للاجتماع عام 1929 لانتخاب أعضاء الوكالة اليهودية، التي ظهرت إلى الوجود في العام نفسه وأصبحت تتحدث باسم اليهودية العالمية. اختير وايزمان عام 1948 رئيساً للمجلس الرئاسي الموقت وفي عام 1949 انتخب رئيساً للدولة الصهيونية.
وكان وايزمان من المطالبين بإدخال الصفة الإثنية على الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. وكان على خلاف مع فلاديمير غابوتنسكي الذي كان يتبنى الحد الأقصى ويعلن دائماً عن الأهداف. ويسجل لوايزمان أنه وسع الوكالة اليهودية لتضم يهوداً ليسوا صهاينة حتى يدعوا بين جماعاتهم للمشروع الكبير. يقول وايزمان حينما عرف عن طرد العرب من مدنهم وقراهم عام 1948م «إنها معجزة أدت إلى تطهير أرض إسرائيل»، وحينما عُرض عليه أن يكون اليهود في فلسطين في وضع الأقلية، وعليهم أن يتعايشوا مع العرب الفلسطينيين، تمتم بكلمات ذات نسق حلولي مثل، «الرب سيضع يده مرة ثانية ليستعيد بقية شعبه ويرفع راية لكل الأمم، وسيجمع المشردين من إسرائيل وسيجمع المشتتين من يهودا من أركان الأرض الأربعة».
يقول وايزمان: «كان يوم 15-5-1948 يوماً تاريخياً، فلقد توالت فيه اعترافات الدول بنا، وفيه تسلمتُ أنا برقية لتولي الرئاسة، وبعد يومين وصلت إليّ أنباء وأنا في الفندق في أميركا بأن مجلس المنتخبين اختارني رئيساً للدولة».
في عام 1905، قام بلفور بمقابلة حاييم وايزمان في مانشستر وأُعجب به كثيراً، ولكنه نسي فكرته الصهيونية إلى حدٍّ كبير في فترة الحرب. ثم قابله مرة أخرى عام 1915 وناقش معه الأهداف الصهيونية، بعد أن كانت الوزارة البريطانية قد ناقشتها عام 1914 وعندما عُيِّن وزيراً للخارجية في وزارة لويد جورج عام 1916، عاد بلفور لاهتمامه القديم بالصهيونية بسبب تزايد أهمية فلسطين في المخطط الإمبريالي البريطاني. وقد بيَّن بلفور تصوّره لمستقبل فلسطين في إحدى المذكرات حيث قال: «إن الصهيونية، سواء أكانت على حق أم كانت على باطل، خيِّرة كانت أم شريرة، فإنها ذات جذور متأصلة في تعاليم قديمة وحاجات حالية وآمال مستقبلية». التقت رؤية بلفور مع صديقه وايزمان بدفع الهجرة اليهودية بعيداً مِن بريطانيا إبان تدفق المهاجرين اليهود من مناطق الإمبراطورية الروسية في أواخر القرن التاسع عشر لتعرضهم لقمع شديد. تعامل بلفور مع الصهيونية باعتبارها قوة اقتصادية تستطيع التأثير في السياسة الدولية وكانت بريطانيا تطمع في إبقاء تحالف أغنياء اليهود معها، وكان بلفور يطمع في أن يساعده النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة على إقناع الرئيس الأميركي ودرو ويلسون بدخول الحرب العالمية الأولى مع بريطانيا ضد ألمانيا وتركيا. لهذا، وجد بلفور أن المنفذ الوحيد للتخلص من تدفق المهاجرين اليهود إلى بريطانيا وتشجيع يهود بريطانيا على مغادرتها، إلا أن يكون هناك ما يشجع على ذلك، فكان أولاً عرض مناطق في العالم على اليهود لكي يقيموا عليها دولتهم، ولما لم يقبلوا كان وعد بلفور. بهذا، يمكن القول إن آرثر بلفور اتسم بمهنية سياسية عالية في فترة حرجة في السياسة العالمية. ولحساسية القضية، كان بلفور يمشي بأناة داخلياً وخارجياً ليخدم بريطانيا العظمى، وليبدو في الوقت نفسه صديقاً لليهود.
كونور كروز أبريان؛ يقول في كتابه «الملحمة الإسرائيلية والصهيونية»: «حينما سأل بلفور حاييم وايزمان، لماذا لا يوافق اليهود على أن يُنشئوا لهم وطناً في أفريقيا»، رد الأخير: أنت كبريطاني لو طلب منك أن تستبدل انتماءك إلى باريس وليس إلى لندن لكي تعيش فيها فهل توافق؟ كان رد بلفور عليه: ولكن لندن موجودة وأنت لا توجد لك مدينة. حينذاك أجاب وايزمان: القدس كانت موجودة حينما كانت لندن ما زالت مستنقعات بلا بشر».
وقيل الكثير عن مبررات وعد بلفور، الذي صنع نكبة للفلسطينيين، الذين كانوا آمنين في وطنهم فصاروا بعده لاجئين. قال بعضهم إن بريطانيا لم تكن تتآمر على العرب في فلسطين، وأن كل ما حدث ببساطة، هو أن بريطانيا أرادت أن تكافئ اليهودي حاييم وايزمان على اختراعه مادة «الاستون» خلال الحرب العالمية الأولى، المادة التي تلزم للصناعات العسكرية. وأن الأسطورة تقول: إن لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني آنذاك سأل وايزمان؛ بماذا يستطيع أن يكافئه، فأجابه؛ اصنع شيئاً لشعبي، فتأثر أساطين الإمبراطورية وأصدروا الوعد. ويقول وايزمان في مذكراته «التجربة والخطأ»: «وصلت إلى مقر رئيس الوزراء، وكانت الشوارع مكتظة بالأهالي المهللين، فوجدت لويد جورج يقرأ في مزامير داود، وعرضت عليه خلاصة مستعجلة لأعمالنا وزياراتنا لبلاد فلسطين». ويقول نورمان بنتويتش في كتابه «إسرائيل الناهضة» عام 1960م: «لقد ربط حاييم وايزمان الصهيونية بنجم إنكلترا، وهو يعتقد أن بناء فلسطين يتوجب أن يكون شراكة بريطانية يهودية». وترى المنظمة الصهيونية العالمية، أن حاييم وايزمان (1874-1952م) هو أشهر الشخصيات الصهيونية بعد هرتزل، بما لعبه من دور يعد الأهم في استصدار وعد بلفور. وحاييم وايزمان تولى رئاسة تلك المنطمة بين 1920 و1946 وهو كان أول رئيس لإسرائيل.
ويشار إلى أن المؤتمر الصهيوني الثاني كلَّف حاييم وايزمان بتشكيل الوفد الروسي لحضور المؤتمر، وفي عام 1901 كلَّفه بحمل اليهود على شراء أسهم البنك اليهودي الدولي وبنك الاستعمار اليهودي، وبزغ نجمُه داخل المؤتمر واختير عضواً في الحركة الصهيونية. ثم رفض وايزمان عام 1903 فكرة اختيار أوغندا مكاناً بديلاً لليهود يُنشئون عليه دولتهم بعيداً مِن فلسطين، وهنا يقول وايزمان عام 1906 أثناء مقابلته بلفور: «إن اليهود يعتقدون أن استبدال فلسطين بأي بقعة أخرى في العالم نوعٌ من الكفر، فهو أساس التاريخ اليهودي، ولو أن موسى نفسه جاء ليدعو إلى غيرها ما تبعه أحدٌ، وسيأتي اليوم الذي سننجح فيه في استعادة بلادنا، فهذا أمرٌ لا شكَّ فيه». وهنا تزعّم حاييم وايزمان تيار الصهيونية العملية، بعد انقسام الحركة الصهيونية عام1907 إلى قسمين، الصهيونية السياسية التي كانت تسعى الى الحصول على تصريح من السلطان العثماني قبل التفكير في العودة إلى فلسطين؛ والصهيونية العملية التي عملت على إحياء اللغة العبرية والاهتمام بالناحية الروحية وخلق واقع صهيوني في فلسطين.
ووفق مذكراته؛ دعا وايزمان المنظمات اليهودية العالمية للاجتماع عام 1929 لانتخاب أعضاء الوكالة اليهودية، التي ظهرت إلى الوجود في العام نفسه وأصبحت تتحدث باسم اليهودية العالمية. اختير وايزمان عام 1948 رئيساً للمجلس الرئاسي الموقت وفي عام 1949 انتخب رئيساً للدولة الصهيونية.
وكان وايزمان من المطالبين بإدخال الصفة الإثنية على الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. وكان على خلاف مع فلاديمير غابوتنسكي الذي كان يتبنى الحد الأقصى ويعلن دائماً عن الأهداف. ويسجل لوايزمان أنه وسع الوكالة اليهودية لتضم يهوداً ليسوا صهاينة حتى يدعوا بين جماعاتهم للمشروع الكبير. يقول وايزمان حينما عرف عن طرد العرب من مدنهم وقراهم عام 1948م «إنها معجزة أدت إلى تطهير أرض إسرائيل»، وحينما عُرض عليه أن يكون اليهود في فلسطين في وضع الأقلية، وعليهم أن يتعايشوا مع العرب الفلسطينيين، تمتم بكلمات ذات نسق حلولي مثل، «الرب سيضع يده مرة ثانية ليستعيد بقية شعبه ويرفع راية لكل الأمم، وسيجمع المشردين من إسرائيل وسيجمع المشتتين من يهودا من أركان الأرض الأربعة».
يقول وايزمان: «كان يوم 15-5-1948 يوماً تاريخياً، فلقد توالت فيه اعترافات الدول بنا، وفيه تسلمتُ أنا برقية لتولي الرئاسة، وبعد يومين وصلت إليّ أنباء وأنا في الفندق في أميركا بأن مجلس المنتخبين اختارني رئيساً للدولة».