أحمد الصالح
لا أدري إن كان ما يدور في ذهني يسمى تحليلًا سياسيًا، أم هو تاريخ يتكرر اليوم طبقًا لما حدث بالأمس بدون أن نعتبر أو نتعظ، أو ربما هو قدر الله لنا الذي لا مفرّ منه ما دمنا نحن نحن ولم نتغير، أيًّا كانت التسمية، فالمضمون واحد، وهو صلب موضوعي الذي سأعرضه للقارئ الكريم في هذه المقطوعة السياسية المتواضعة، والتي أقول فيها:
ثورة الشعب السوري خلطت أوراقًا إقليمية كثيرة، احتاجت 7 سنوات لإعادة ترتيبها – إن آمنا أنهت ترتبت، دعونا نعود بالذاكرة قليلًا إلى ما قبل الثورة السورية، ونستذكر المحاور المتصارعة في الشرق الأوسط، ولعلّي أقول متصارعة مجازيًا، سنجد مصطلح محور الاعتدال الذي تمثله السعودية والإمارات وبعض الدول التي توافقهما، ومحور الممانعة المزعومة والتي تتصدّره إيران ونظام الأسد ومن معهم من الميليشيات والعصابات، بين هذين المحورين كان هناك عدد من القوى الإقليمية المتأرجحة بينهما وهي: تركيا وقطر وهما أقرب يومئذٍ لمحور الممانعة، ومعهما حماس المجبرة على هذا الانتماء، وعلى الجانب الآخر كانت تركيا بعيدة عن دول الخليج بشكل عام، وقطر تغازل محور الاعتدال كونها جزء من مجلس التعاون الخليجي.
كان العراق بعد صدام يشكل عقدة حقيقية بين هذين المحورين، فعلى الرغم من خضوعه لإيران قولًا وفعلًا تجده ألدّ الخصام للنظام السوري وقتئذٍ، وقد وصلت بين نظامي المالكي والأسد إلى تراشق الاتهامات، وخاصة تلك الاتهامات المرتبطة بتمويل القاعدة في العراق، وأيضًا بالرغم من ارتماء الساسة العراقيين في حضن أمريكا، إلا أنهم على قطيعة تامة مع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.
كانت ساحة الصراع بين المحورين هي لبنان، فلبنان بعد حربها الأهلية واتفاق الطائف صارت مسرحًا لتصفية الحسابات الإقليمية، ولا يغيب عن عاقل ارتباط كل فرقة من الفرق المتناحرة والأحزاب اللبنانية بطرف خارجي، وكلّما أحبّت جهة خارجية أن (تتحركش) بجهة أخرى توجّهت إلى لبنان، ولا غرابة في ذلك!
فإنّ كلّ بلدٍ ينتهي صراعها باتفاق هشّ، ويبقى مجرموها خارج القضبان، ستبقى رهينة الخارج، ورقمًا من أرقام الحسابات الإقليمية
مع انطلاقة الثورة السورية اختلطت هذه الأوراق بشكلٍ واضح ، فتركيا وقطر صارا على النقيض تمامًا من موقفهما السابق، وهذا الانحياز يُحسب لقادة البلدين كونه تغليب لمصلحة الشعوب المظلومة على حساب العلاقات مع الحكومات الظالمة، والنظام العراقي أنهى خلافاته مباشرة مع النظام السوري ومدّه بالمرتزقة والعسكريين الطائفيين، وشهدت المنطقة تمايزاً سنّيًا شيعيًا واضحًا، وصل ذروته بتصريح الشيخ القرضاوي أنّ علماء السعودية كانوا أوعى منه للخطر الشيعي وأنهم أدركوه قبله.
انسحبت حماس بهدوء من دمشق إلى الدوحة، ووصل الإخوان المسلمون إلى سدّة الحكم في مصر، عند هذه اللحظة فقط كان يمكن للصراع السنّي الشيعي أن يتوقف بهزيمة شيعية واضحة، فوجود أربع دول في خانة واحدة وهم السعودية وقطر وتركيا ومصر بمواجهة إيران، والتي لم يبقَ لها إلا فلول عصابات تحكم هنا وهناك.
الانقلاب على الرئيس مرسي والذي شكّل الشرخ الأكبر داخل المحور السنّي الجديد الذي كان البديل لما عُرف قبل الثورات باسم محور الاعتدال وبدأ العد العكسي للتحالف السنّي
بعد ذلك بدأت النكسات تأتي واحدة تلو الأخرى على المحور السنّي الذي أصبح هشًّا بمعنى الكلمة، ظهرت داعش وامتدت مابين العراق وسوريا، واقتضمت العشرات من التشكيلات العسكرية الثائرة ضد نظامي الأسد والمالكي، ودبّ الخلاف في ليبيا بين الثوار المدعومين قطريًا والمدعومين إماراتيًا، وكانت المملكة العربية السعودية تلتزم الصمت حيال هذه التصدّعات، إلى أن دقّت ساعة الحزم في اليمن وعاد المحور السنّي لتوحيد رايته ولو بالمواقف والتأييدات.
ولم تطل الفرحة طويلًا حتى عادت الانتكاسة السنّية من جديد، وفرض الانقسام نفسه من جديد، وعاد الوضع أسوأ من ذي قبل وكلّ ذلك صبّ ويصبّ وسيصبّ في مصلحة من يروجون لأنفسهم كمحور ممانعة، فيا ليت قومي يعلمون!