رغم ظلام السنوات يظل للثامن من مارس قيمة لدى نساء بلاد الرافدين
على الصعيد الرسمي انطلقت أعمال مؤتمر بغداد عاصمة المرأة العربية الذي يقام تزامناً مع يوم المرأة العالمي (أ ف ب)
تحتفل نساء العراق باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس (آذار) كل عام، فالمرأة العراقية أيقونة نجاح لم تكسرها ظلام السنوات العجاف التي شهدتها البلاد نتيجة الحروب والحصار الاقتصادي والدمار الذي حل بعد سقوط النظام السابق في 2003.
وواصلت المرأة العراقية طموحاتها ونجاحاتها في ميادين ومجالات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً أنها عبرت القارات كما رسمتها المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، وهي تضع بصماتها في كل قارة من قارات العالم.
وللثامن من مارس قيمة لدى النساء في العراق فهو معلم لانطلاقة أمل جديد كل عام، يرسمن فيه توجهاتهن ويطلقن النداءات لتحقيق العدالة والمساواة وإلغاء كل أشكال التمييز.
احتفال رسمي
على الصعيد الرسمي، انطلقت اليوم الأربعاء أعمال مؤتمر “بغداد عاصمة المرأة العربية” الذي يقام برعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تزامناً مع يوم المرأة العالمي.
وأكد السوداني خلال كلمته التي ألقاها بالإنابة عنه الأمين العام لمجلس الوزراء حميد نعيم الغزي خلال الاحتفال، أن “الحكومة العراقية ضمنت برنامجها الحكومي محوراً رئيساً لتعزيز دور المرأة في تحقيق التنمية المستدامة في البناء والإعمار عن طريق إعداد وتصميم الخطط والبرامج المعنية بتعزيز دورها وزيادة مشاركتها بمختلف القطاعات، استناداً إلى أطر إستراتيجية ورؤى علمية شاملة تدعم محاور التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحماية والشمول المالي ومواجهة تحديات المناخ”.
وأضاف أن “الاحتفاء بهذا اليوم يمثل التزام العراق وإدراكه لأهمية معالجة قضايا المرأة لتذكير العالم بحقوقها ولتحقيق العدالة والمساواة، مباركاً للمرأة العراقية تصويت مجلس الوزراء أخيراً على إقرار الاستراتيجية الوطنية للمرأة 2023 – 2030 التي أعدها الفريق الوطني المؤلف في الأمانة العامة لمجلس الوزراء عبر الآلية الوطنية، ممثلة في دائرة تمكين المرأة العراقية بالتعاون والتنسيق مع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبالشراكة مع المنظمات والوكالات المحلية والأممية”.
من جانبها، أكدت رئيس الدورة الحالية للجنة المرأة العربية (42) والمديرة العامة لدائرة تمكين المرأة العراقية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء يسرى كريم محسن خلال كلمة افتتاح المؤتمر، أن “صياغة الإستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية استندت إلى منهج علمي مبني على تحليل البيانات الإحصائية ومشاركة الحوار مع المؤسسات والوزارات ذات العلاقة، إضافة إلى مشاركة الأكاديميين المتخصصين ومنظمات المجتمع المدني”.
ونوهت إلى أن “رؤية الإستراتيجية الوطنية ضمت محاور التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحماية والمرأة وتحديات البيئة والمناخ، وأن تكون الخطط والبرامج والأنشطة القطاعية في ظل الإستراتيجية منسجمة مع أهداف التنمية المستدامة والبرنامج الحكومي وقرارات الأمم المتحدة في شأن اعتماد المرأة ركيزة في التنمية الشاملة”.
إشادة أممية
من جهته، أشاد نائب الأمين الخاص لبعثة الأمم المتحدة غلام محمد إسحاق بجهود العراق نحو بناء مستقبل أكثر عدلاً من خلال تحقيق المساواة بين الجنسين والمضي في تطبيق المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تهتم بتمكين المرأة اتساقاً مع أهداف التنمية المستدامة.
وعملت المرأة العراقية خلال الأعوام الماضية على إبراز دورها من خلال تسلمها مناصب عليا في الحكومات المتعاقبة والدوائر الحكومية، وكذلك لها دور كبير في إنشاء جيل قادر على حماية البلد من أخطار الإرهاب.
من جانبه، شدد رئيس المحكمة الاتحادية العليا جاسم العميري على ضرورة تقديم الدعم الكامل للمرأة وتلبية متطلباتها، وهنأ المرأة العراقية العاملة عبر كلمة له خلال الحفل “لما تبذله من جهود في دفع عجلة الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل في القانون والطب والهندسة والتعليم والفلاحة والمحاسبة إلى جانب تربية الجيل الجديد ورعاية العائلة في جميع مجالات الحياة”، مشدداً على “ضرورة تقديم الدعم الكامل للمرأة وتلبية متطلباتها”.
وكانت نقاط تقييم العراق ارتفعت في تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون الصادر من قبل البنك الدولي، إذ ارتفع مؤشر ريادة الأعمال إلى 100 من أصل 100 نقطة، كما تضمن ارتفاع نقاط تقييم العراق الكلي ضمن تقرير البنك الدولي لعام 2023 من 45 إلى 48 نقطة مئوية.
دعم تشريعي
وأكد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي دعم المجلس جميع التشريعات اللازمة لتمكين المرأة في المجتمع.
وقال الحلبوسي في تغريدة على “تويتر”، “نوجه التحية لكل امرأة عراقية وهي تخط مسار الصبر والعطاء والإبداع في شتى مجالات الحياة”، مضيفاً “بمناسبة يوم المرأة العالمي نؤكد دعمنا لجميع التشريعات اللازمة لتمكين المرأة في المجتمع”.
وتواجه المرأة العراقية سلسلة من التحديات والأخطار فيما تواصل المطالبات بحقوقها والمساواة بين الجنسين.
المعاناة الثقيلة
إلى ذلك، قالت المهندسة العراقية المعمارية ميسون الربيعي، “يحل علينا الثامن من مارس ولا تزال المؤشرات والمعطيات تتحدث عن المعاناة الثقيلة للنساء والفتيات العراقيات، من الفقر والعوز والأمراض والتهميش والاستغلال والغياب الواضح لفرص العمل والتمييز فيها”.
وأضافت، “يحل الثامن من آذار والمرأة العراقية تتعرض لضغوط كبيرة لتقويض مكانتها في رصانة الرأي والتعبير، وقيود قانونية عدة مع عادات وتقاليد تريد إبقاء المرأة متخلفة ومقيدة وعاجزة وبعيدة من أن تأخذ الدور الذي يليق بها في المجتمع والحياة العامة”.
وشددت على أنه “يجب أن يقتنع المجتمع بدور المرأة كفاعل أساس في جميع مراحل التعافي من الحروب والصراعات وفي بناء السلام والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية”.
وأشارت إلى أنه في اليوم العالمي للمرأة “نبعث التحايا وباقات الزهور إلى النساء العراقيات لجهودهن المخلصة في الدفاع عن فرصهن في العمل ورسم المستقبل الاقتصادي للبلد مع التأثير الفاعل في حركة السياسة وتجاذباتها”.
وأضافت، “في الثامن من مارس نستذكر الأعمال العظيمة التي أنجزتها المرأة في مجالات الحقوق والمحاماة والمهن الطبية والصحية والتربوية والهندسية والمناصب الإدارية المختلفة، إضافة إلى التميز والإبداع في فضاءات الفن المرئي والمسموع”.
وختمت، “سيبقى الثامن من مارس يوماً ملهماً ومحفزاً لمواصلة العمل من أجل إنصاف المرأة ونيلها كامل حقوقها القانونية، ولبناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة التي لا مكان فيها للاستغلال الفردي والعنف المجتمعي والسلاح المنفلت”.
مكانة مميزة
بدورها أشارت الناشطة في حقوق المرأة فرح محمد إلى أن “نساء العراق يحتفلن كل عام بمزيد من النجاحات والعطاءات التي تنير دروب الأجيال وتسهم بتميزهم”.
وقالت إن المرأة العراقية حظيت بمكانة تاريخية، فهي مصدر العطاء ورمز التضحية والإخلاص والتفاني في حب الوطن والدفاع عنه وبناء المجتمع، وأيقونة النجاح إذ وضعت بصماتها في دروب العلم والمعرفة والامتياز عابرة بذلك قارات العالم.
وأكملت، “وعلى رغم التحديات التي تواجهها المرأة العراقية إلا أنها تحظى بمكانة مميزة ودعم كامل، إذ تشارك في صنع القرارات ورسم السياسات وتولي المناصب والقيادات العليا”.
في حين اعتبر الباحث السياسي علي البيدر أن المرأة العراقية هي النموذج الحي للتضحية والصلابة والتحدي لكل عقبات الحياة في البلاد، كونها تتحمل أضعاف ما يواجهه الرجال.
وقال البيدر، “يفترض أن يتم منحها ضعف الامتيازات لأنها تحملت ضعف المعاناة، وفي عيد ميلادها ننحني أمام كبريائها وشموخها وعزة روحها، فتحية للأم والزوجة والأخت والبنت والصديقة والزميلة العراقية الباسقة”.