الأسد يراهن على اتفاق إيران والخليج بديلا عن مصالحة أردوغان

1

 

موسكو تمتنع عن تمويل مشاريع لسوريا بسبب غياب الاستقرار بفعل فرملة الحلول السياسية

وليد شقير  كاتب صحافي  

تتناقض التوقعات حول مدى نجاح الوساطة الروسية في إجراء المصالحة السورية – التركية في ضوء المواقف التي أعلنها رئيس النظام بشار الأسد أثناء الزيارة الرسمية التي قام بها إلى موسكو، مشترطاً قراراً من أنقرة عن توقيت لانسحاب قواتها من شمال سوريا، مما أزعج المسؤولين الروس، بحسب مصادر مقربة من الخارجية الروسية. 

بعض المعطيات تنسب إلى موسكو أنها لن تتوقف عن السعي إلى تطبيع العلاقة السورية – التركية، وأن الرئيس فلاديمير بوتين كان واضحاً في محادثاته مع نظيره السوري في هذا الصدد، بالتالي تتوقع موسكو تراجعاً سورياً عن تأخير المصالحة. وفي المقابل، تفيد المعطيات من دمشق بأنها لن تبدل موقفها في المدى المنظور، وتراهن على خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مايو (أيار) المقبل، ولن تقبل برفع مستوى اللقاءات عن المستوى الأمني والتقني بين سوريا وتركيا وروسيا وإيران. والأسد كان قد قال في مقابلته مع تلفزيون “روسيا اليوم” إن “الزلزال الوحيد الذي سيغير من السياسات التركية هو الانتخابات الرئاسية في تركيا“.

وعلى رغم أهمية الاستقبال الرسمي للأسد واستعراضه حرس الشرف كما لم يحصل في زيارتين سابقتين كان يعلن عنهما بعد إتمامهما، لم تسفر المحادثات التي أجراها الرئيس السوري مع بوتين عن نتائج ملموسة، لا على صعيد التعاون الاقتصادي بين البلدين (كما كان الجانب السوري يأمل)، ولا على صعيد التعاون من أجل إحداث تقدم في الحل السياسي بين النظام والمعارضة، ولا لجهة العنوان الذي يهم موسكو، أي المصالحة بين الأسد وأردوغان.

انزعاج موسكو

لم يُخفِ الجانب الروسي انزعاجه من شروط الرئيس السوري التي طرحها في مقابلات تلفزيونية وفي لقائه مع بوتين، مقابل استكمال تطبيع العلاقة مع أنقرة، التي كانت قد أعلنت عن اجتماع رباعي روسي وتركي وسوري وإيراني على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربع في 15 و16 مارس (آذار)، وسربته موسكو لوسائل إعلامها، لكن الجانب السوري اعتبر أنه استُبدِل بزيارة الأسد لموسكو “لأن جدول أعماله غير واضح” كما قال الأسد نفسه، فتأخر هذا الاجتماع لأجل غير مسمى، بعدما اشترط إعلاناً من تركيا بتوقيت انسحاب قواتها من شمال سوريا. ودفع ذلك العضو في حزب “العدالة والتنمية” التركي أورهان ميري أوغلو إلى القول إن “شروط الأسد في شأن عقد لقاء مع أردوغان، غير مناسبة لتطبيع العلاقات بين البلدين”.

سلّف الأسد بوتين منذ بدء اللقاء العلني بينهما، ونقلته شاشات التلفزة، ثم في المقابلات المسجلة ثلاثة مواقف: جدد تأييده لروسيا في حربها مع أوكرانيا ضد “النازية القديمة والجديدة”، وصولاً إلى اعترافه بحقها بضم أراضٍ أوكرانية، مستخدماً التعابير التي تطلقها موسكو على القيادة الأوكرانية. قال إنه لا مانع من توسيع القواعد العسكرية الروسية أو زيادة عددها في سوريا “إذا أرادت روسيا”، مثمناً دورها في مواجهة “الإرهاب الذي يقاتل في سوريا نيابة عن الغرب” (الذي يقصد به الأسد المعارضة السورية)، وهاجم السياسة الأميركية، ووضع سوريا في مصاف القاعدة والحاجة إلى موسكو في المواجهة التي تخوضها مع واشنطن، معتبراً “وجود روسيا في سوريا له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم”. ورأى مراقبون أن الأسد يبغي الندية في مخاطبته الكرملين فيما ركزت وسائل إعلام في موسكو على دورها في منع سقوط النظام.

إحباط الجهود الروسية

أراد الجانب السوري من وراء ذلك تغطية رفضه إصرار القيادة الروسية عليه الذهاب نحو المصالحة مع أردوغان من جهة، والحصول على مساعدتها الاقتصادية لتغيير المسار الانحداري للوضعين المالي والاقتصادي من جهة ثانية. واستبق بإعلان انحيازه الكامل لروسيا طلب الأخيرة منه البدء بخطوات نحو الحل السياسي للأزمة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي تساعد المصالحة مع أنقرة على تحقيقها. 

فموسكو سعت منذ مطلع الخريف الماضي إلى ثني أردوغان عن العملية العسكرية التي كان ينوي تنفيذها باحتلال مزيد من الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً، من أجل دفع “قوات سوريا الديمقراطية” و”حزب الاتحاد الكردستاني” بعيداً من الحدود، ولإعادة مليون نازح سوري إلى المناطق الشمالية من سوريا للتخلص من عبء اللجوء السوري على الاقتصاد، نظراً إلى حملة المعارضة التركية على سياسته استضافة مئات آلاف السوريين وتأثير ذلك في شعبيته في الانتخابات المقبلة. ومارست القيادة الروسية ضغوطاً على أنقرة كي تقتنع باستبدال العملية العسكرية بإجراءات أمنية بالتعاون مع جيش النظام السوري كي يتولى برعاية القوات الروسية، زمام الحدود من أجل إبعاد الفصيل الكردي عنها. وهي قد طرحت المصالحة التركية السورية لهذا الغرض، ونجحت في استضافة لقاءات على المستوى الأمني بين سوريا وتركيا، توجت في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بلقاء على مستوى وزراء الدفاع وقادة الاستخبارات في الدول الثلاث، بحثوا خلاله على الخرائط فكرة الدوريات المشتركة السورية – التركية، تمهد لانسحابات تركية جزئية من بعض البلدات السورية. حتى إن موسكو وأنقرة أبدتا ليونة بضم الجانب الإيراني إلى هذه العملية بعد امتعاض طهران من استبعادها عن الخطوات التمهيدية للمصالحة، هي التي لها وجود عسكري على الأرض ونفوذ سياسي في سوريا، فاستدركتا الأمر، وتحولت اللقاءات إلى رباعية، خلال زيارة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى أنقرة.

أحبط موقف الأسد الجهود الروسية للمصالحة مع تركيا، وأدى إلى تأجيل الاجتماع الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية، وبدا خلال محادثاته مع بوتين، وكذلك المحادثات على مستوى وزيري الخارجية، أن الموقف السوري “اتسم بالعناد الشديد” و”بالمراوغة”، كما وصفه مصدر دبلوماسي روسي لاحقاً لبعض السياسيين العرب الذين اتصلوا بموسكو للاطلاع على نتائج القمة. وفهم هؤلاء أن المقصود بـ”المراوغة” أن الأسد تهرب خلال المحادثات من أي التزامات في شأن الحل السياسي واقتراحات للانفتاح على بعض قوى المعارضة من أجل تغيير ما في تركيبة الحكم في سوريا، وفقاً للقرار 2254. 

فرملة الحل السياسي تجمد التوظيف المالي 

القيادة السورية تعتبر ضمناً أن ميزان القوى في سوريا بات لمصلحتها بالكامل ولا حاجة للانفتاح على أي من قوى المعارضة، بما فيها التي تحتضنها أنقرة، والتي على صلة بموسكو. والأخيرة ترى في الإصرار على رفض المصالحة مع أنقرة تقويضاً لجهود إنهاء بؤر التوتر في منطقة إدلب، حيث للجانب التركي وجود عسكري ودور في إطار رعاية اتفاقات “خفض التوتر” التي أنشئت في صيغة أستانا وسوتشي منذ عام 2018. وفي اعتقاد الجانب الروسي أن القيادة السورية تتعامل بـ”المكابرة” في التعامل مع الوضع الداخلي السوري.

يؤكد المطلعون على نتائج مباحثات موسكو أن الجانب السوري حصد حصيلة تعاكس آماله من اجتماع القمة مع بوتين، قياساً إلى الأولوية التي يوليها في هذه المرحلة لمعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور. فهو قد ركز على الانتقال إلى الحلول الاقتصادية في المرحلة المقبلة بعد محاربة الإرهاب، لكنه بعد المحادثات أشار إلى أن اللجان الاقتصادية المشتركة بين الطرفين الروسي والسوري “اجتمعت مرات عدة سابقاً، ولكن لم تكن النتائج بمستوى الطموحات، وهناك تبادل تجاري تطور، لكنه ما زال ضعيفاً”، ثم أشار إلى أن اجتماعها “هذه المرة” وإلى اتفاقية “سيتم توقيعها لـ40 مشروعاً استثمارياً في مجالات الكهرباء والنفط والنقل والإسكان وفي المجالات الصناعية”. لكن لا الإعلام الروسي ولا المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تحدثا عن تفاصيلها، واكتفى الأخير بالإشارة إلى اتفاق للتبادل التجاري في الأسابيع والأشهر المقبلة، فيما قال مصدر دبلوماسي روسي إن الجهات المعنية في موسكو تمتنع عن تمويل مشاريع لسوريا بسبب غياب الاستقرار بفعل فرملة الحلول السياسية، وهذا يعني أن موسكو تربط أي توظيف مالي بإظهار الأسد ليونة في الحل السياسي التي تطالبه به، والانفتاح على تركيا جزء منه.

دور لطهران أم حسابات ما بعد اتفاق بكين؟

انشغل بعض الأوساط السورية والعربية بتفسير أسباب تشدد الأسد، ومعاكسة رغبة بوتين بالمصالحة مع أردوغان. وفي هذا المجال تعددت الأجوبة أو القراءات. فمنها ما نسب هذه الأسباب إلى رغبة طهران بتجميد التقارب التركي السوري، نظراً إلى أنه يمكن أن يقود إلى ترتيبات عسكرية في الشمال السوري قد تطاول المواقع الإيرانية القريبة من الحدود. كما أن التقدم في التطبيع التركي – السوري سيشمل موضوع إعادة النازحين في وقت أدى فيه التوسع الإيراني في بعض المناطق إلى إسكان بعض الميليشيات الموالية لإيران في بعض مناطق العودة المحتملة.

وثمة قراءة أخرى تشير إلى أن القيادة السورية أخذت تتشدد حيال ما يطلبه الجانب الروسي حول التقارب مع تركيا، بسبب حساباتها بأن الانفتاح العربي عليها سيتطور في المرحلة المقبلة بعد الاتفاق السعودي – الإيراني في بكين في 10 مارس الماضي. وفي اعتقاد أصحاب هذا الرأي أنه ليس صدفة أن تحصل زيارة الأسد إلى أبوظبي بعد يومين من انتهاء زيارته إلى موسكو، حيث يأمل من توثيق العلاقة مع الدول العربية الحصول على مساعدات مالية لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وذهب بعض المحللين إلى حد اعتبارها رداً على نتائج القمة المتواضعة في ما يخص الجانب الاقتصادي خلال محادثاته في موسكو وفق تقديرهم للمنظار التي يتعاطى على أساسه النظام السوري مع المرحلة الجديدة. ويلفت مراقبون أيضاً إلى دلالة أن تتم الزيارة غداة المحادثات التي أجراها في أبوظبي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، حول التعاون الاقتصادي وعدم التدخل في شؤون الدول. 

التعليقات معطلة.