حين يتحدث محمد بن سلمان

1

فيصل العساف
يختصر القائد المحنك المسافات بالاتجاه نحو الهدف مباشرة. وهذا في تصوري واحد من أبرز العلامات الفارقة في شخصية ولي العهد السعودي، الذي وعد السعوديين فوفى، وأثبت أن أقوال السياسيين يمكن أن تطابق أفعالهم متى كانوا يسيرون في الطريق الصحيح. ولذلك، فإن المثل الشعبي الخليجي: «اضرب المربوط يخاف المنفلت» لم يكن ليدخل في حساباته، فالوقت لا يمهل، ولا همته المتوقّدة تحتمل مزيداً من التراخي عن بلوغ المرام. إن ما يقوم به الأمير الطامح إلى سعودية أفضل بكثير مما هي عليه الآن، يبني في أساسه على تطبيق صريح لشعار: «تنظيف السلّم من الأعلى إلى الأسفل»، الذي يرفعه بكل اقتدار، ليس في الداخل فقط، بل حتى في الخارج، الذي التقط إشارته التي تخصه، بين الإشارات التي يطلقها ولي العهد بين الحين والآخر، ويتلقفها من يهمهم الأمر بقلوب ملؤها اليقين بأن الرجل «لا يمزح».
في تعليقها على المقالة المنشورة في صحيفة «نيويورك تايمز»، للصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان، التي تناولت لقاءه ولي العهد، قالت الخارجية الإيرانية: «لا أحد في العالم بات يعير أهمية إلى تصريحات الأمير محمد بن سلمان»! والحقيقة التي يصدقها الواقع أن الإيرانيين، وبخاصة ملاليهم الذين يخاطبون شعبهم المغلوب على أمره بهذه المسكنات، إنما يشاطرون السعوديين الاهتمام ذاته بكل ما يفعله أو يقوله الأمير الاستثنائي، وإن في شكل مخالف. يظهر ذلك جلياً في عدد المرات التي تكرر فيها اسم ابن سلمان، على لسان السياسيين الإيرانيين وأتباعهم، خلال السنتين الماضيتين كما لم يتكرر اسم مسؤول سعودي سابق.
إن النظام الإيراني، الذي يفرد أذرعته على طول الخريطة العربية، بأقصى طاقاتها التخريبية، إنما يعيش أسوأ حالاته منذ اندلاع الثورة الطائفية الخمينية، فخزائن الدولة، المثخنة أصلاً نتيجة الحصار المفروض عليها أعواماً خلت، أرهقتها المقامرة على طاولة التوسع على حساب مراعاة الداخل المسحوق بفعل الصرف ببذخ على نشر الفوضى خارج حدودهم!
الإيرانيون فــي وضــع صــعب، فالنظام يلهث في سباقه المحموم ضد الزمن، يتسوّل الخلاص، فالحــمل ثــقيل جداً، وخيوط اللعبة توشك أن تتـــقطع بـــهم. إنهـــم في غـــاية الطموح إلى رصاصة تنطلق باتجاههم لتقضي على تململ الشارع الإيراني، الذي ضاق ذرعاً بحماقاتهم اللامحسوبة.
أما الســعوديون، فهم مشغولون أكثر من أي وقت مضى بنهضة بلادهم، يشقون طريقهم نحو رؤية 2030 بثبــات. وليس سراً أن الذي وضع خطته الإستراتيجية لمدينة «نيوم» الحالمة، أو مشروع البحر الأحمر بتفاصيله المبهرة، وغيرها من المشــاريع التي لا تـــكل ولا تمل، إنما يدير ظهره لمواجهة عســـكرية مـــباشرة مع إيران، «فالحي أبقى من الميت»، لكن في المقابل، الســعوديون الذين يمسكون بزمام الأمور هذه الأيام، في شكل غير مســـبوق، ويبرمون تحالفاتهم برشاقة عالية أعادتهم إلى الواجهة التي غابوا عنها، لن يسمحوا للنظام الذي يهدد طموحاتهم بالبقاء وقتاً أطول، إذ حزموا أمرهم على أن يذيقوا الإيرانيين من كأسهم، لكن على أرضهم، وبأيدي «جماهيرهم».
لقد توجه ولي العهد السعودي بتصريحاته إلى الغرب. ذلك بسبب أن السعوديين، ما عدا الفاسدين من سرّاق المال العام، أو سرّاق البهجة والعقول، يقفون جميعهم إلى جانبه في كل خطواته، ويلحّون بالدعاء أن يحفظ الله لهم أيقونة التغيير الحقيقية؛ محمد بن سلمان.

التعليقات معطلة.