دعاوى المنع تطارد الدراما فمتى أصبح المشاهد رقيبا؟

1

مسلسل “فلوجة” التونسي في ساحة القضاء و”الكاسر” العراقي موقوف بأمر العشائر و”بالطو” المصري” ينجو من تهم التنمر ونقاد يحللون الظاهرة

إبراهيم عبد المجيد  

تعرض مسلسل بالطو لانتقادات عنيفة وصلت إلى حد المطالبة بمنعه من العرض (صفحة “وواتش إت” على فيسبوك)

لم يعد المتابع للدراما العربية يكتفي بتسجيل انطباعه عن عمل ما أو التعبير عن رأيه في ما يعرضه من قضايا، بل تخطى الأمر في زمن “السوشيال ميديا” إلى حال من التشنج وصلت إلى درجة المناداة بوقف عرض مسلسلات درامية في دول عربية خلال الأسابيع الأخيرة، فمن العراق إلى تونس مروراً بمصر ظهرت دعوات منع مسلسلات لأسباب مختلفة، مما اعتبره نقاد حجراً على حرية التعبير.

في تونس حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات لمسلسل “فلوجة”، وتطور الأمر ليصل إلى ساحات القضاء، حيث أقام محامون دعوى قضائية للمطالبة بمنعه “لما يتضمنه من تصرفات خطرة جداً على المتابعين من الأطفال والمراهقين والمربين والأمنيين”، وفق نص الدعوى التي اعتبرت المسلسل “يتعمد ضرب الأخلاق والتربية من خلال تعمد نشر البذاءة لإفساد عقلية جيل الغد”.

وتدور أحداث المسلسل حول مدرسة ثانوية تحوي ظواهر وسلوكيات مثل ترويج المخدرات وعلاقات عاطفية بين المراهقين، إضافة إلى تعامل التلاميذ مع المعلمين، ومنذ الحلقة الأولى في أول أيام شهر رمضان ظهرت الدعوات إلى وقف عرض المسلسل.

وانتقد وزير التربية التونسي محمد علي البوغديري العمل الدرامي الذي “يضرب الأسرة التربوية في العمق”، واصفاً إياه بـ”المهزلة”، مشيراً إلى أنه رفع الأمر لرئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة، فيما رأى الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي في تصريحات صحافية أن المسلسل يحوي مبالغات ورسائل خطرة تمس المنظومة التربوية في البلاد، وفيها إساءة وتجريح للمعلمين. وطالب بالتحقيق في منح وزارة التربية ترخيصاً لتصوير المسلسل.

وتواجه الجهات المنظمة للعمل الإعلامي في تونس ضغوطاً لاتخاذ إجراء ضد المسلسل، على رغم رفض محكمة ابتدائية دعوى وقف العرض.

ورافقت موجة الجدل ارتفاع في نسب مشاهدة المسلسل، إذ أظهرت إحصاءات أجرتها مؤسسة “سيجما كونساي” أن نحو 24 في المئة من إجمالي المشاهدين بالبلاد شاهدوا الحلقة الثانية من المسلسل.

استقرار المجتمع

وبينما استمر عرض مسلسل “فلوجة” التونسي، أوقفت قناة “يو تي في” العراقية عرض مسلسل “الكاسر” بناء على أمر من السلطات، بعدما تسببت أولى حلقاته بظهور مطالبات بمنعه بذريعة إساءته إلى العشائر.

المسلسل الذي لم تعرض منه إلا ثلاث حلقات قبل وقفه، يتضمن شخصيات من خيال الكاتب تعرض الصراعات العشائرية وجرائم الثأر في جنوب العراق، ويعرض زعيم العشيرة في صورة الطاغية محب النساء، وهو ما اعتبره بعضهم إساءة إلى أعراف وتقاليد عشائر العراق.

بعد يوم واحد من بدء عرض “الكاسر”، طالب عضو مجلس النواب العراقي مصطفى سند، بوقف بث المسلسل باعتباره “مسيئاً” لمجتمع جنوب العراق ولـ”سمعة” العشائر، وعدم التزامه بما سماه “الضوابط الأخلاقية”. وبعد يومين من مطالبة النائب المنتمي لكتلة الأغلبية في البرلمان، قررت هيئة الإعلام والاتصالات الرسمية إيقاف بث المسلسل، بحسب ما أعلنته القناة الناقلة.

وأكدت الهيئة في بيان الأسبوع الماضي التزامها بوقف “كل من يسعى إلى النيل من الاستقرار المجتمعي عبر بوابة الإعلام”، وذلك بعد استقبال وفد من شيوخ العشائر طالبوا بحسب البيان بمنع “الإساءة لأي مكون من مكونات الشعب العراقي والحد من الإساءة لأبناء الجنوب”.

وجاء القرار الحكومي على رغم حصول المسلسل مسبقاً على جميع الموافقات الرسمية، بحسب تصريحات صحافية لمدير العلاقات العامة في قناة “يو تي في” التي كانت تبث المسلسل، محمد العزاوي.

مسلسل بالطو

وسبق الاعتراضات على مسلسلات رمضان جدل آخر في مصر، إذ خرجت أصوات منادية بوقف عرض المسلسل الكوميدي “بالطو” على إحدى منصات العرض، وكانت هذه المرة من أهالي أحد مراكز محافظة كفر الشيخ (شمال).

عضو مجلس النواب عن المركز محمد سعد، تقدم ببيان عاجل إلى رئيس المجلس موجهاً لرئيس الحكومة ووزيري الصحة والثقافة يطالبهم بالتحرك الفوري لوقف عرض المسلسل، لما وجد فيه أهالي مطوبس من “تنمر واستهزاء بهم، كما أنه يسيء للمنظومة الصحية، إذ أعربوا عن استياءهم عبر منصات التواصل الاجتماعي”، وفق بيان النائب. لكن عرض المسلسل استمر حتى نهايته من دون التفات لتلك الدعوات.

ديكتاتورية

وترى السيناريست المصرية والناقدة الفنية ماجدة خير الله أن تلك الدعوات للمنع غير مؤثرة، ولا تنتج سوى الضجيج، طالما أن الجهات الرسمية وافقت على العمل الفني. ووصفت دعوات منع البث بأنها “تنم عن عدم نضج وتخلف وجهل”، موضحة أن “عدم الإعجاب بعمل فني لا يعني الدعوة إلى منع عرضه، كما يعني غياب إدراك مفهوم الديمقراطية بأن هناك آخرين يستمتعون بالمسلسل”، وتابعت أن الموضوعية والنضج يقتضيان تجاهل الأعمال التي لا تعجب شخصاً ما لكن المطالبة بعدم عرضها نوع من الديكتاتورية.

وأضافت خير الله لـ”اندبندنت عربية” أن دعوات المنع ليست جديدة على المجتمع العربي، لكنها باتت أكثر حدة من السابق، مرجعة تزايدها إلى أن “الجمهور محروم من التعبير عن رأيه في المسائل الأساسية لحياته مثل الأسعار والخدمات، بالتالي يعوض هذا الحرمان ويظهر عقده النفسية بانتقاد الأعمال الفنية”.

ورفضت ماجدة خير الله تصوير الأصوات الرافضة لعمل فني ما على أنه تعبير عن الجمهور بالكامل، مؤكدة أن ليس كل أفراد الجمهور يدلون برأيهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل التعليقات غير ممثلة للرأي العام. كذلك اعترضت على تذرع بعض بما يسمى بقيم المجتمع، قائلة إنه لا يوجد معنى لهذا المفهوم، وأشارت إلى أنه “لو تركنا كل شخص يطالب بوقف عرض مسلسل سينتهي الأمر بإيقاف جميع الأعمال الفنية”.

حجر فكري

يقول الناقد السينمائي الفلسطيني يوسف الشايب إنه “من الملاحظ منذ سنوات وجود دعوات إلى وقف أعمال فنية، على رغم أن الفنون هي المعادل الطبيعي للحريات”. ويضيف في حديثه لنا أن “تلك الاحتجاجات المجتمعية تظهر أحياناً إلا أنه لا يمكن لأي مجتمع في العالم أن يتفق على رأي واحد، كما أن تلك الانتقادات تصاحبها محاولات من أطراف لـ(ركوب الموجة) والاستفادة مثلما يحاول بعض المحامين الحصول على الشهرة بإقامة دعاوى قضائية”، واصفاً ذلك بـ”الحجر الفكري وقمع الحريات”، ولافتاً إلى أن المعترض على عمل فني عليه تغيير القناة بـ”الريموت كنترول” وليس التحريض على العمل وصناعه.

وأشار إلى أن “إبداع الفنان يجب أن يكون منطلقاً من حرية كاملة وليس بالضرورة أن يتماهى مع الواقع السائد، بالعكس لو لم يثر العمل الفني أسئلة موجعة تحرض على الإبداعات لن يكون عملاً إبداعياً”، مؤكداً أن المبدع ليس مهمته التوثيق فقط وإنما عليه وضع رؤيته.

وبرأي الناقد الفلسطيني فإن “الآراء التي تخرج ضد عمل فني لا تعبر بالضرورة عن رأي الأغلبية، وفي زمن السوشيال ميديا نرى نشر أفكار ممنهجة في ظل محاولات شركات إنتاج وأحياناً أنظمة سياسية لنشر أفكار معينة ضد عمل فني”.

واعتبر أن القنوات لو استجابت لدعوات وقف البث ستفقد شعبيتها، لافتاً إلى أن الجهات الرسمية تتجه أحياناً إلى اتخاذ قرارات “شعبوية” لإرضاء الجمهور، مؤكداً أنه يجب ألا تكون هناك رقابة إلا لو كان هناك شكوى تتعلق بالإساءة لأفراد بعينهم، وهنا يجب الاحتكام لمحاكم خاصة بالأعمال الفنية، تدرك أن الفن عمل إبداعي وليس توثيقياً.

كان المخرج السينمائي المصري عمرو سلامة وصف “المتفرج العربي” بأنه “ديكتاتور مصغر”، وتساءل عبر حسابه على “فيسبوك” عن “متى يترك المواطن العربي غيره يختار بنفسه ويتكلم ويسمع وفق ذوقه”.

واستدرك في تدوينة أخرى أنه لا يعارض إبداء الجمهور رأيه في أي عمل فني طالما طرح للعلن، لكنه “ضد المطالبة بالإلغاء أو المنع أو الوقف”، موضحاً أن وسيلة معاقبة الأعمال الفنية الرديئة عدم الالتفات لها ودعم الأعمال الجيدة.

التعليقات معطلة.