الأمن التونسي يوقف رئيس “النهضة” راشد الغنوشي بعد تفتيش منزله

1

عقب “تصريحات تحريضية”… والشرطة تداهم مقر الحركة وتبدأ إخلاءه

هدى الطرابلسي صحافية 

مثل الغنوشي مراراً أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب (رويترز)

ألقت الشرطة التونسية، أمس الإثنين، القبض على رئيس “حركة النهضة” راشد الغنوشي. وقال مسؤول في وزارة الداخلية إن الغنوشي أحضر للاستجواب، وتم تفتيش منزله بناءً على أوامر من النيابة العامة، عقب “تصريحات تحريضية”. وأضاف المسؤول أنه سيبقى على ذمة التحقيقات لحين اتخاذ النيابة العامة القرار في شأنه.

وأعلنت “حركة النهضة” أن رئيسها أوقف مساء الإثنين على أيدي وحدة أمنية دهمت منزله في العاصمة واقتادته إلى “جهة غير معلومة”، معتبرة ما جرى “تطوراً خطيراً جداً”، مطالبة “بإطلاق سراحه فوراً، و”الكف عن استباحة النشطاء السياسيين المعارضين”.

وفي وقت لاحق، قال مسؤولون من الحركة إن قوات الشرطة داهمت المقر الرئيس للحزب بالعاصمة تونس وبدأت إخلاءه وتفتيشه، اليوم الثلاثاء، بعد ساعات من إلقاء القبض على الغنوشي. وقال القيادي في الحركة رياض الشعيبي القيادي لـ”رويترز” إن الشرطة أظهرت إذناً قضائياً وبدأت إخلاء المقر من كل من فيه.

ومثل الغنوشي (81 سنة) مراراً أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في إطار تحقيقات معه في قضايا عدة تتعلق بالإرهاب والفساد.

وأكد الشعيبي في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن “فرقة أمنية داهمت منزل راشد الغنوشي تحديداً مع أذان المغرب، أي وقت الإفطار، وقامت باقتياده إلى جهة غير معلومة”، مضيفاً أن “عناصر أمنية قامت بتفتيش منزل الغنوشي في إحدى ضواحي العاصمة تونس”. وأشار إلى أن الأمن لم يوضح أسباب التوقيف ولم يقدم أي تفاصيل، لكن الشعيبي يعتقد أن تصريحات الغنوشي الأخيرة كانت وراء إيقافه. 

وعقدت “حركة النهضة” ندوة صحافية في مقرها المركزي بتونس العاصمة عقب توقيف الغنوشي، وأكدت أنها “لم تفهم سبب تنكيل السلطة القائمة بالغنوشي والتعامل معه بهذه الطريقة على رغم أنه كان متعاوناً في عديد المرات إثر التحقيق معه”. 

وحمّلت الحركة السلطات مسؤولية السلامة الجسدية للغنوشي، معتبرة أن “السلطة فشلت في تقديم حلول للأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وهي الآن تهرب للأمام باستهداف السياسيين من أجل إلهاء الرأي العام”.

وجاء توقيف الغنوشي بعد تسريب مقطع لمحادثة جمعت بينه وبين قيادات من “جبهة الخلاص الوطني”، وهي جهة معارضة لمسار الرئيس قيس سعيد، اعتبر الغنوشي فيها أن “إبعاد الإسلام السياسي في تونس هو مشروع لحرب أهلية”.

وأضاف “لا تصور لتونس من دون طرف أو ذاك، تونس من دون نهضة، تونس من دون إسلام سياسي، تونس من دون يسار، أو أي مكون، هي مشروع لحرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة”.

“حرب أهلية”

واعتبر عديد من المتابعين للشأن العام في تونس أن الغنوشي هدد ودعا إلى العنف والحرب الأهلية بعد حملة منظمة قادتها حركته على الدولة وقواتها المسلحة من أمن وجيش وطني، وذلك بعد ما كتبه صهر الغنوشي رفيق عبدالسلام. 

وكتب القيادي بالحركة رفيق عبدالسلام في منشور على “فيسبوك”، ”الحقيقة التي يجب أن تقال ومن دون مواربة هي أن مقولة حياد الجيش التونسي وابتعاده عن السياسة كذبة كبيرة لا يمكن أن تصدق، ويجب أن يتم التوقف عن ترويجها”.

واتهم عبدالسلام الجيش بـ”تحريك دباباته للانقلاب على الدستور والمؤسسات”، معتبراً أنه ما كان بمقدور رئيس الجمهورية “إحكام قبضته على السلطة من دون دعم الجنرالات وإسنادهم”.

وتبرأت الحركة من تصريحات عبدالسلام وقالت في بيان صدر قبل أيام إن “مواقف الحزب الرسمية يعبر عنها فقط رئيس الحزب وناطقه الرسمي”. وشددت على ”مواقفها الثابتة في احترام المؤسسة العسكرية وتثمينها دورها في حماية الثورة ومسارها الانتخابي وفي الحرب على الإرهاب”.

يشار إلى أن “تهم الإرهاب” تلاحق “حركة النهضة”، وأهمها الاغتيالات السياسية التي طاولت تونس قبل سنوات.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، مثل الغنوشي أمام قاضي التحقيق المتخصص في قضايا الإرهاب لاستجوابه في قضية تتعلق بتهم “تسفير متشددين” من تونس إلى سوريا والعراق. واستدعي الغنوشي أيضاً في 19 يوليو (تموز) الماضي للتحقيق معه في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد، في تهم نفاها حزبه.

الوجه الحقيقي 

من جهته يقول الصحافي والمحلل السياسي مراد علالة “ثمة احتمال كبير أن تكون التصريحات الأخيرة لرئيس (حركة النهضة) في المسامرة الأخيرة لما يسمى جبهة الخلاص قبل يومين والتصريحات العلنية بالفعل لشخصية هيمنت على مشروع الإسلام السياسي في تونس وعلى (حركة النهضة) التي بدأت مجرد جماعة في المساجد والكتاتيب وتحولت بمرور الوقت إلى قوة سياسية في تونس”، خلف توقيفه.

ويعتقد علالة في تصريح خاص أنه “لا يمكن الفصل بين ما قاله الغنوشي خلال المسامرة وما قاله صهره رفيق عبدالسلام قبل أيام في تدوينة أثارت كثيراً من الجدل ودفعت بالحركة إلى إصدار بيان توضيحي تتنصل فيه من كلام الصهر”، مضيفاً “ها هو الغنوشي يكشف عن وجهه الحقيقي ويؤكد بنفسه أن موقفه من المؤسسة العسكرية ومن النخب ومن المجتمع التونسي لم يتغير، فهو القائل ذات يوم إن الجيش غير مضمون”.

وتابع قائلاً “عندما يقول الغنوشي إن تونس من دون النهضة والإسلام السياسي مشروع حرب أهلية فهذا كلام لا يمكن للنيابة العامة السكوت عنه بخلاف المرات السابقة التي دعي فيها للتحقيق في أكثر من ملف وقضية مفتوحة في علاقته بتبييض الأموال والإرهاب والتسفير، وغير ذلك، ثم عاد إلى بيته”، مردفاً “هذه المرة قد تتغير المعادلات، وقد يجد نفسه رهن الإيقاف لمدة قد تطول مع الأخذ بعين الاعتبار وضعه الصحي وتقدمه في السن، لكن ما جاء في كلامه يهدد بالفعل السلم الأهلي، ويثير النعرات والتدافع بين التونسيين”.

“نهاية تراجيدية”

ويضيف علالة “للتذكير ليس من باب التحامل على الغنوشي، ولكن بالعودة إلى سجله وسجل حركته والجماعات الإسلامية بشكل عام، فهي عندما يضيق بها المجال ويضيق عليها الخناق تجنح لما يعرف بتحرير المبادرة الفردية التي تفتح الباب للانفلات والعنف وغيره، كما حصل في تسعينيات القرن الماضي، عندما عرفت تونس ما يشبه المحرقة خلال مواجهة عنيفة بين (النهضة) والسلطة”.

ويعتقد أن “نهاية الغنوشي كانت بالفعل تدريجية وتراجيدية، فهو انتهى كرئيس للبرلمان، وانتهى أيضاً كزعيم موحد للإسلاميين في تونس بعد خروج كثير من أبناء الحركة وقفزهم من مركب التنظيم وتأسيس مشاريعهم السياسية الخاصة. واليوم بفتح الملفات القضائية الحساسة يمكن القول إننا بصدد طي صفحة أبرز شخصية في قائمة شخصيات الإسلام السياسي في تونس، ومن دون مبالغة في العالم بأسره”.

التعليقات معطلة.