شفق نيوز/ أفادت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، يوم السبت، بأن الصين تسعى لجعل منطقة الشرق الأوسط جبهة رئيسية في “الحرب الباردة” الجديدة بين بكين وواشنطن، وذلك مع تفاقم الخلافات بين أكبر اقتصادين في العالم على أكثر من صعيد.
وبحسب التقرير فإن الصين قد وضعت بصمتها في المنطقة بطريقة لم يكن من الممكن التكهن قبل ستة أشهر، لا سيما من خلال توسطها في الاتفاق المثير للجدل بين إيران والسعودية والذي حمل في طياته الكثير من المتغيرات التي وصفت بـ”الدراماتيكية”.
ومن اللافت للنظر أن وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ، كان قد أطلق هذا الأسبوع جهودًا لتشجيع استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية.
وأشار تشين، خلال محادثات هاتفية منفصلة مع نظيريه الإسرائيلي إيلي كوهين والفلسطيني رياض المالكي، إلى أن “بلاده مستعدة لتسهيل محادثات سلام”، بحسب وكالة “شينخوا” الرسمية.
وأوضح الوزير الصيني أنه شجع على اتخاذ خطوات لاستئناف محادثات السلام، مشيرا إلى أن “الصين مستعدة لتسهيل هذا الأمر”.
وشدد تشين خلال المحادثات الهاتفية على أن بلاده تسعى للدفع باتجاه محادثات سلام على أساس حل “يتضمن إقامة دولتين”.
وعلى الصعيد المالي، افتتح البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومقره بكين أول مكتب خارجي له في العالم، في العاصمة الإماراتية، في أبو ظبي.
ويهدف مقر المكتب التشغيلي للبنك في سوق أبوظبي العالمي، إلى “العمل كوجهة استراتيجية” لدعم أجندته.
والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، هو مصرف تنمية متعدد الأطراف جرى إنشاؤه منذ ما يقرب من عقد من الزمان باعتباره رد الصين على المؤسسات المالية التي أنشأتها الدول الغربية.
وتأتي هذه التطورات ذلك في أعقاب “الصدمة” التي حدثت واشنطن، فالسعودية لم ترفض مع تحالف “أوبك بلس” عدم خفض الإنتاج في وقت سابق، بل أنها عمدت مع ذلك التحالف إلى إقرار خفض جديد خلال الشهر الجاري.
وزعم التقرير أن المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، تسعى إلى مغادرة فلك واشنطن لصالح بكين.
ومع هذا، يظل ربط أسعار الصرف في الشرق الأوسط بالدولار رابطًا قويًا للولايات المتحدة، كما هو الحال بالنسبة لعلاقاتها العسكرية القوية والاستراتيجية، ولذلك فإن واشنطن لم تخسر الكثير حتى الآن في الجبهة الجديدة مع الصين.
فما يزال الدولار إلى حد بعيد أعتى قوة في النظام المالي العالمي، وهذا يمنح واشنطن قوة لا تضاهى، وبالتالي التهديد بعرقلة الوصول إلى العملة الخضراء.
وبحسب خبراء فإن قوة الدولار هي العامل الأساسي في استخدام دول مجلس التعاون الخليجي للورقة الخضراء كعملة رئيسية للتبادل عبر الحدود، وبالتالي فإن التغيير المفاجئ من شأنه أن يزعزع استقرار البلدان نفسها، ولذا فإن أي تحول يجب أن يكون تدريجياً.
لكن هناك مؤشرات على تغيرات في هذا المجال، ففي الشهر الماضي، أجرت الإمارات أول تسوية لصادرات الغاز الطبيعي إلى الصين مقومة باليوان الصيني.
وتعد هذه سابقة مثيرة للاهتمام، خاصة بعد عقد الصين صفقة تاريخية بقيمة 60 مليار دولار لتوريد الطبيعي المسال من قطر لمدة 27 عاما.
وتعد تلك الصفقة التي تسري اعتبار من العام 2026 أطول اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال للصين حتى الآن، وفقاً لبيانات بلومبيرغ، ناهيك عن أنها واحدة من أكبر صفقات الدوحة من حيث الحجم.
وجاءت تلك الصفقة بعد اتفاقيات عقدها مشترون أوروبيون مع الدوحة للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي.
وفي هذا السياق، يقول جاستن دارغين، المتخصص في الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “لم تكن شركات الطاقة الصينية المملوكة للدولة على مر التاريخ تتمتع بالخبرة اللازمة للتنافس على قدم المساواة مع شركات الطاقة الغربية”.
وأضاف: “تسلط تلك الصفقة الضوء على كيفية تطور الأحداث بسرعة”.
من جانب آخر، قالت السعودية، التي كانت أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين حتى حلت محلها روسيا في وقت سابق من هذا العام، إنها قد أبلغت بكين في يناير الماضي أنها منفتحة على المناقشات بشأن استخدام عملات أخرى غير الدولار في المبادلات التجارية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن السعودية تعتمد على الدولار في تسوية أكثر من 80% من صادراتها النفطية السنوية البالغة 326 مليار دولار.
وبالإضافة إلى أن بكين أصبحت الزبون الرئيسي للطاقة في الشرق الأوسط، فإن العديد من دول المنطقة سعت إلى أن جلب المزيد من الاستثمارات الصينية.
فخلال هذا الأسبوع، كان وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، سلطان الجابر، في زيارة إلى بكين سعياً لتعزيز تعاون بلاده مع الصين في مجال الطاقة النظيفة.
وجاءت تلك الزيارة بعد أن وقعت الصين والمملكة العربية السعودية عددًا من الاتفاقيات بشأن التعاون في قطاع الطاقة المتجددة و في مجال الهيدروجين الأخضر خلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى الرياض في ديسمبر الماضي.
ويأتي هذا قبل استضافة دولة الإمارات لقمة المناخ للأمم المتحدة “كوب 28” (التي يشرف عليها الجابر )، وذلك على الرغم من تلك الدولة الخليجية تعتبر مصدرا رئيسيا وضخما للوقود الأحفوري.
وأوضح المحللون في “Trivium China”، وهي شركة استشارية لبحوث السياسات أن تلك” الصفقات الخضراء” سوف تمكن شركات التكنولوجيا النظيفة الصينية من “التوسع في الأسواق الخارجية المربحة وتقوية العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع دول الخليج الرئيسية”.
وفي حين يجب أن يُنظر إلى جهود بكين الدبلوماسية على أنها أقل أهمية من اعتبارات العملة، فإن هناك ساحة أخرى قد تود فيها واشنطن أن تظل أكثر يقظة إذا كانت ترغب في منع إضعاف نفوذها في الشرق الأوسط.
فوفقا لتقرير “بلومبيرغ” فإن الصين حتى الآن لم تصبح عنوانا رئيسيا كبير فيما يتعلق بالتعاون العسكري وتوريد الأسلحة إلى الخليج العربي الذي تخضع ممراته البحرية لإشراف الولايات المتحدة منذ أمد طويل، وعليها بالتالي الحذر في هذا الأمر.