الديمقراطية ستتأذى حينما تنقرض الصحافة المحلية

1

يعمل المراسلون المحليون في إعلام يتولى محاسبة السلطات غير المركزية التي تؤثر بقوة في حياة الناس

جيمس مور كاتب 

صورة الاعلام العام وأدواته تتبدل باستمرار (بيكساباي.كوم)

“إنها في الواقع ممارسة روتينية يجريها قسم الموارد البشرية في هيئة “بي بي سي نيوز”.

ذلك ما أعلنه هيو إدواردز مرفقاً كلامه المنشور عبر “تويتر” بصورة يظهر فيها مع أمه أثناء شربهما الشمبانيا، كي يثبت أنه لا ينوي الذهاب إلى أي مكان [سوى بي بي سي]، بعد أن وجهت تلك الهيئة رسائل إلى أهم نجوم تقديم البرامج فيها تعرض عليهم من خلالها تقديم استقالتهم بشكل طوعي.

ليت الوضع يأتي على تلك الشاكلة في الحلقة الأدنى ضمن سلاسل بيع السلع الغذائية، إذ إن الرواتب لا تصل حتى إلى المبلغ السداسي الأرقام الذي يتقاضاه [هيو إدواردز]، وتجد مراسلين شباناً يغطون أخباراً محلية ويضطرون غالباً إلى التنقل بين مهمة وأخرى كي يتوصلوا إلى تسديد قروض طلابية ومواجهة تحد أكبر وأكبر يتمثل بتسديد إيجار السكن.

نفهم أن تكون العناوين الرئيسة قد سلطت الضوء على إدواردز، إنه نجم وفي العادة قلما يستلم النجوم أوراقاً فيها عرض استقالة طوعية حتى لو صدرت [الأوراق] عن مؤسسة تفتقر إلى السيولة وتحاول ادخار الملايين، بينما لا تنفك الحكومة تراقبها عن كثب.

في المقابل ومع الاقتراب السريع لموعد الانتخابات المحلية يغدو الأمر الأكثر أهمية متمثلاً في الناس على أرض الميدان، صحيح أنه يمكن إيجاد بديل لإدواردز لكن التأثير سيكون أكبر بكثير في أسفل السلم [الاجتماعي].

وتوضيحاً يتمثل ما يحصل بأن المراسلين المحليين العاملين في صحف محلية هم من يحاسب السلطات المحلية التي تؤثر كثيراً في حياة الناس، وبالتالي فإن دورهم حيوي خصوصاً متى كانت السلطات المحلية المذكورة قادرة على إساءة التصرف فعلاً، وقد سبق أن سلَّطت الضوء على ذلك حينما تناولتُ موضوع الشلل في مجالس يورك وبرايتون وهاكي ووالثام فوريست وغيرها. 

صحيح أن السلطات المحلية تواجه تحديات جمة نتيجة شح الموارد [المالية] التي تحصل عليها من الحكومة المركزية، لكنها تميل أيضاً إلى إظهار الوقاحة وانعدام الكفاءة، وإذا اجتمعت هاتان الصفتان شكلتا مزيجاً فتاكاً، والنتيجة الحتمية لذلك هي الفضيحة، إذ ستتأذى الخدمات وتكون الضربة الكبرى من نصيب الأضعف.

ومع ذلك تتصف الانتخابات المحلية عادة بمستويات مشاركة ضئيلة فتكون بمثابة استفتاء مصغر حول الحكومة الآنية أكثر من كونها تقييماً لأداء المجالس المحلية، وبالتالي لا تلقى المجالس المسيئة العقاب الذي تستحقه.

وفي الإطار نفسه تحرص الصحف المحلية على صدقية المجالس وبعضها [الصحف] لا يزال حتى اليوم، لكنها خويت من محتواها فغلبت القناعة مالكيها وناموا على أمجادهم إلى أن وصل الإنترنت وأرغمهم على اتخاذ خطوات جذرية، وبالتالي يصل بنا النقاش إلى مسألة الـ “بي بي سي”.

في الماضي سبق للناشرين المحليين أن استشاطوا غضباً حيال مؤسسة طموحة ومقدامة سعت جاهدة إلى توسيع نطاق وطأتها عبر إضفاء طابع محلي على عملية النشر الرقمية لديها وتوجيه اهتمام كبير إلى ميادين الإعلام المستقل، أما الآن فلم يعد الأمر كذلك إلى حد أن السؤال بات مطروحاً حول شروع طرفي المعركة في الانسحاب، علماً بأن قنوات الراديو والتلفزيون المحلية تشهد أيضاً حال تقهقر سريع.

صباح اليوم قرأت مقالة عمود في صحيفة “إيست أنجليان دايلي تايمز” East Anglian Daily Times كتبه بول غيتر، وبين سطوره كان يندب مصير شعار “انظر شرقاً”. [يقصد بالتعبير ضرورة التنبه إلى ما يحصل في الأمكنة كلها].

وكتب غيتر، “في هذا الجزء من العالم هل أنا الشخص الوحيد الذي طفح كيله من سماع [أخبار] الشجارات عن الأشجار في ويلينغبوره أو عن مشاريع إقفال معمل في كوربي؟”

تقع البلدتان السابقتان على مسافة 100 ميل وأقله ساعتين من القيادة (إن حالفك الحظ فعلاً) من إبسويتش، وبالتالي لا يندرج ما يحصل فيهما ضمن الأخبار المحلية، وما أدراني إذا كانت نشرة تغطي منطقة واسعة إلى هذا الحد ستعلق على فضيحة مجلس. لا أعرف.

و[ماذا عن] بوري سانت إدموندز؟ تبعد هذه البلدة مسافة 71 ميلاً تقريباً عن ويلينغبوره مما يحاكي رحلة ساعة وربع الساعة في السيارة إذا كنت تصدق تقديرات “غوغل” المتفائلة للغاية حول الوقت اللازم للوصول إلى المكان.

وفي تلك الأثناء تعمل محطات الراديو المحلية على خفض إنتاجها وتنتقل إلى البرامج “المشتركة” في فترة بعض الظهر، وهي برامج من الواضح أنها أبعد ما تكون عن المحلية.

ورداً على غيتر تحدث روبرت تومسون رئيس قسم إنتاج المضمون للشرق ولندن ضمن “بي بي سي” عن “التحديث”. (لعل ذلك جاء بنتيجة اضطراره إلى تغطية قطاع الأعمال لسنوات، لكنني حينما أرى هذه الكلمة أفكر فوراً في عبارة “اقطع واحرق”).

لم تمر سوى أشهر قليلة على الاحتفاء بقنوات البث الإذاعي التي أظهرت لنظيراتها على الصعيد الوطني أنها أطاحت بليز تراس، إذ دمرت تراس الاقتصاد وبالتالي عمدت [قنوات البث] إلى تدمير رئاستها لمجلس الوزراء، فتمكن الاقتصاد من استعادة عافيته.

هل يتكرر ذلك مع تراس مستقبلية؟ هل تدان [المحطات الإذاعية] لارتكابها خطأ أو تنقضي مهمتها بسلام؟

هنا يكمن الخطر، أليس كذلك؟

بيد أن تراس اضطلعت بدور ثانوي نسبياً [في مسألة النهاية السريعة لترأسها الحكومة] مقارنة بالأعمال اليومية لمقدمي البرامج الذين تولوا في السابق ملفها، وتشمل تلك الأعمال تغطية الحوادث المحلية ومواصلة فحص النبض [أي رصد إيقاع الأحوال العامة]، ومساءلة أصحاب النفوذ المحليين على غرار ما جرى مع تراس.

واستطراداً يحتاج أصحاب النفوذ المحليون إلى ذلك [رصد أعمالهم من قبل الصحافة المحلية]، فما أكثر المناطق في البلاد التي لا تبرز فيها أية معارضة في قاعة المجلس، وحيث يظهر أعضاء المجلس تواطؤاً بينما يعرفون أن مقاعدهم بأمان، بغض النظر عما يفعلونه تقريباً.

في الآونة الأخيرة بدأت بريطانيا تبدو كأنها دولة اختل أداؤها، ويشكل ذلك جزءاً من السبب، علماً بأن أفول نجم الصحافة المحلية سيزيد الأمور سوءاً، إذ إن الأحياء الفاسدة ستبقى على حال فسادها ويستمر انعدام الكفاءة وربما الفساد معه من دون عقاب.

من منصبه المضمون والآمن، ليس إدواردز معنياً بما يحصل، لكن الأمور تختلف تماماً بالنسبة إلى زملاء أقل مقاماً منه ورواتبهم أدنى مما يتقاضاه شهرياً، وكذلك يحتاج مسددو رسوم الترخيص [إشارة إلى جمهور الصحافة المحلية]، بل يستحقون، استثماراً في الخدمات المحلية [أي الصحافة المحلية] وليس فقط في النجوم [الذين يعملون في الإعلام الوطني العام].

© The Independent

التعليقات معطلة.