يعمل رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ،على تشكيل إطار تنسيقي سني في العراق ليكون معادلا منافسا للإطار التنسيقي الشيعي التي تعتبر فكرة مهمة نظريًّا، لكنها في الواقع أقرب إلى مناورة من قبله لمنع محاولات إقالته، خاصة أن هناك أطرافا سنية تقف ضده وضد إطاره الجديد التي يسعى له.
يبدو أن مسألة تشكيل إطار تنسيقي سني لم تعد قابلة للنقاش بعد إحجام قياديين سنة كثيرين عن الانخراط في هذا الإطار المأمول ، و تزايد الرغبة بين قوى شيعية ومعظم القوى السنية في إقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي (42 عاما) من منصبه على خلفية تفرده بالقرار السني و محاولته الهيمنة على صدارة المشهد.
وكذلك في ظل خلافات بين الحلبوسي و حكومة قوى الإطار التنسيقي الشيعي ، برئاسة محمد شياع السوداني، بشأن التزام الحكومة بالتعهدات التي قطعتها على نفسها أثناء مفاوضات تشكيلها في العام الماضي.
و لم ينجح الحلبوسي في تشكيل إطار تنسيقي سني على غرار الإطار الشيعي الذي ضم جميع القوى الشيعية الفاعلة باستثناء التيار الصدري.
ويضم الإطار الشيعي: ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتحالف الفتح برئاسة الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري، وتيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم، وقوى أخرى تمثل أجنحة سياسية لمجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، أبرزها عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، وحركة حقوق التي تمثل كتائب حزب الله العراق، ومجموعات أخرى.
مرجعية سياسية سنية
سعى الحلبوسي إلى جمع القياديين السنة في إطار جامع لتوحيد الموقف السني في مواجهة التحديات التي يواجهها العرب السنة، بعد أن بات واضحا أن ائتلاف إدارة الدولة، الذي يقوده الإطار التنسيقي الشيعي قائد الحكومة الاتحادية، لم يف بالتزاماته في الاتفاق الموقع مع القوى السياسية السنية.
وفي الاتفاق مع الإطار التنسيقي الشيعي تلخصت مطالب العرب السنة في صرف الحكومة التخصيصات المالية للمناطق التي خربتها الحرب ضد تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017، وإصدار قانون العفو العام عن المعتقلين العرب السنة الذي تنصلت القوى الشيعية من الالتزام به بزعم وجود إرهابيين أو متهمين بقضايا وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب.
وكذلك عودة المهجرين من مدن أبرزها جرف الصخر (شمالي محافظة بابل جنوب بغداد)، وهو ما ترفضه القوى الشيعية، إلى جانب ملفات أخرى على صلة بالمكون السني، أهمها قانون اجتثاث البعث والتوازن في توزيع المناصب السيادية مع المكونات الأخرى. وبحسب محاصصة عراقية، يتولى سني رئاسة مجلس النواب وشيعي رئاسة الوزراء وكردي رئاسة الجمهورية.
ووفقا لما تنشره منصات إعلامية مقربة من رئيس مجلس النواب العراقي، فإن فكرة تشكيل إطار تنسيقي سني تهدف إلى إيجاد مرجعية سياسية للعرب السنة لتوحيد مواقفهم و مواجهة تحديات تنصل الحكومة الاتحادية من التزاماتها أثناء مفاوضات تشكيل حكومة السوداني.
وبحسب تصريح للقيادي السني البارز والرئيس الأسبق لمجلس النواب أسامة النجيفي، فإن الحلبوسي وجَّه دعوات إلى قياديين من العرب السنة للاجتماع والاتفاق على تشكيل إطار تنسيقي سني، لكن الاجتماع لم يعقد لرفض كبار القياديين السنة الحضور أو تشكيل مثل هذا الإطار.
و من بين القياديين السنة الذين تلقوا الدعوة، بحسب النجيفي: الرئيس الأسبق لمجلس النواب محمود المشهداني، و الرئيس السابق للمجلس سليم الجبوري. وكذلك قياديون آخرون ليس من بينهم أسامة النجيفي وخميس الخنجر ومثنى السامرائي ورافع العيساوي وجمال الكربولي، وفق تغريدة للنائب السابق مشعان الجبوري.
و أثارت دعوة الحلبوسي إلى تشكيل إطار تنسيقي سني تساؤلات عن توقيتها والغرض منها.
و يرى خبراء أن بعض القوى السنية ترفض أن يكرس الحلبوسي نفسه زعيما للمكون السني، وأن توقيت الدعوة يتزامن مع سعي قوى شيعية وأخرى سنية سعيا حثيثا إلى وضع آليات لإقالة الحلبوسي، و أن الخلافات بين الأخير والسوداني جراء إثارة قضايا فساد في محافظة الأنبار (شرق) على صلة بمقربين من الحلبوسي.
وأصدرت هيئة النزاهة الاتحادية مذكرات ضبط بحق 18 من كبار مسؤولي محافظة الأنبار من المقربين من الحلبوسي، أبرزهم محافظ المدينة علي فرحان الدليمي؛ بتهم إهدار المال العام بعد اكتشاف سندات وهمية لنحو سبعين ألف قطعة أرض سكنية وزراعية وتجارية في الأنبار، والاستيلاء على ممتلكات الدولة وبيعها لمواطنين.
واستبعد رائد الحامد في مقال بوكالة الأناضول تشكيل مثل هذا الإطار السياسي الجامع للقوى السياسية السنية على غرار الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يهمه كثيرا تشتيت وحدة موقف القوى العربية السنية لإضعاف هذا المكون ومواصلة الهيمنة على السلطة والثروات.
و مع احتمالات ضعيفة لنجاح الحلبوسي في تشكيل إطار سني، يتوقع الحامد أن يكون أداء هذا الكيان السياسي ضعيفا لعدم التوافق بين القوى السياسية على إنشاء الكيان و الخلافات العميقة بين أبرز القياديين السنة، و منها الخلافات داخل تحالف السيادة الذي كان يضم معظم القياديين السنة قبل أن تعصف به خلافات أهمها بين رئيس التحالف خميس الخنجر وشريكه في قيادة التحالف محمد الحلبوسي رئيس حزب تقدم، الذي يضم العدد الأكبر من النواب ضمن مكونات التحالف.
كما أن عموم المشهد السياسي السني يبدو منقسما بين تحالف السيادة وتحالف العزم المناوئ للحلبوسي، والذي يضم اليوم 32 نائبا من بينهم ستة مستقلين، إلى جانب الخلافات العميقة بين الخنجر والحلبوسي داخل تحالف السيادة “المعطَّل” عمليا منذ أشهر.
دعم إقليمي و دولي
أما إقالة الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب فتتوقف على قرار وإرادة الإطار التنسيقي الشيعي الذي يملك الكتلة النيابية الأكثر عددا، لكنه على ما يبدو منقسم على نفسه فيما يتعلق بهذه الإقالة.
و حاليا يتصدر واجهة القرار السني تحالف السيادة ، الذي يتشكل من حزب تقدم برئاسة الحلبوسي و المشروع العربي برئاسة الخنجر، ويضم 58 نائبا، بالإضافة إلى تحالف العزم بقيادة النائب مثنى السامرائي رئيس حزب المسار، وحزب الجماهير الوطنية برئاسة النائب أحمد الجبوري، وشخصيات سياسية مستقلة.
و يحظى تحالف العزم بدعم واضح من بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعي، مثل ائتلاف دولة القانون وحركة عصائب أهل الحق، وهما كيانان شيعيان ساهما في تسلم الحلبوسي رئاسة مجلس النواب في دورته الأولى عام 2018، لكنهما وجدا أنه ابتعد عنهما بتحالفه مع منافسهما التيار الصدري ضمن التحالف الثلاثي الذي ضم التيار والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني وتحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر.
وحقق الحلبوسي النجاح السياسي الأكبر في مسيرته السياسية بإعادة انتخابه رئيسا لمجلس النواب لدورة ثانية بعد انتخابات أكتوبر 2021 ممثلا لأكبر كتلة سياسية سنية داخل المجلس، ما دفعه إلى محاولة فرض نفسه ممثلا للمكون السني، إلا أن الأمر لا يلقى قبولا حتى من حلفائه في تحالف السيادة.
لكن الحلبوسي، الذي يواجه تحدي الانقسام داخل تحالف السيادة وموقف الإطار التنسيقي الشيعي والحكومة الاتحادية وتحالف العزم، يمتلك ما يكفي من الإمكانيات للخروج من أزمته الراهنة، سواء تشكل إطار تنسيقي سني أم لم يتشكل، طالما أن هناك قوى إقليمية ودولية لا تزال تدعم وجوده في مجلس النواب.
المصدر: صحيفة العرب اللندنية