الانتخابات التركية حدثٌ يومي “محلّي” في إقليم كردستان العراق

1

المصدر: النهار العربي رستم محمود

قوات تركية في إقليم كردستان العراق.

قوات تركية في إقليم كردستان العراق.

A+A-قبل أيام قليلة من إجرائها، تحضر الانتخابات الرئاسية والنيابية التركية حضوراً يومياً ومكثفاً في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والأحاديث العامة في إقليم كردستان العراق، فهي ذات تأثير جوهري على الإقليم، بسبب العلاقات وأشكال الروابط والتداخل بين المنطقتين، سياسياً واقتصادياً وأمنياً.  لا يمكن وصف اختلاف الآراء في الإقليم بين مرشحي الانتخابات الرئاسية التركية بأنه “استقطاب”، لكن آراء الشارع والقوى السياسية منقسمة في ما بينها إلى حيزين مختلفين، إذ يرى مراقبون أن الحزب الديموقراطي الكردستاني يفضل بقاء الرئيس رجب طيب أردوغان في سدة الحكم. فالحزب الرئيسي في الإقليم، وإلى جانبه عدد من الأحزاب السياسية المحافظة “الإسلامية”، يعتقد أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ومع كل أشكال الخلاف معهما، كانا رائدين في إجراء تغيير نوعي وجذري بشأن المسألة الكردية في تركيا، وعموم المنطقة، وتصرفا طوال عقدين كاملين من بقائهما في السلطة إيجاباً مع إقليم كردستان، وكانا المفتاح الأساسي لتطوير الاقتصاد في الإقليم، بالذات عبر الاتفاق النفطي، ما سمح له بالاستقلال النسبي عن سلطة الحكومة المركزية في بغداد اقتصادياً.  

 على طرف نقيض، يرصد متابعو الشأن العام في الإقليم ميولاً سياسية للاتحاد الوطني الكردستاني تفضل فوز مرشح المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو بمنصب الرئاسة. فالاتحاد الوطني الذي هو الحزب الثاني في الإقليم، ومعه عدد من القوى السياسية الكردية الأصغر حجماً، يملك علاقات أكثر إيجابية مع حزب العمال الكردستاني التركي، ويعتبر نفسه جزءاً من المحور الكردي المناهض تماماً لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، بالذات خلال السنوات الماضية.  حدثان بارزان خلال الأسابيع الماضية كشفا طبيعة التباين السياسي الكردي بشأن الانتخابات السياسية التركية، وإن كانت مختلف القوى السياسية في الإقليم تعتبر نفسها محايدة بشأن تلك الانتخابات، احتراماً لمفهوم السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر.  زيارة لافتةفالزيارة التي قام بها رئيس حزب “الدعوة الحرة” (“هدى بار”) التركي زكريا يابجي أوغلو وقيادة حزبه لإقليم كردستان خلال الأيام الماضية، اختصرت بلقاءات أجراها مع قيادات من الحزب الديموقراطي الكردستاني والأحزاب الإسلامية في الإقليم. فهذا الحزب “الكردي الإسلامي” في تركيا، داخل في شراكة وتحالف سياسي مع حزب العدالة والتنمية، وثمة مرشحون مشتركون للحزبين في مختلف المناطق الكردية في جنوب شرقي تركيا، حيث الغالبية السكانية الكردية. لكنه متهم من حزب العمال الكردستاني بمساندة عمليات أجهزة الاستخبارات التركية ضد عناصر العمال وسياسيي الحركة القومية الكردية في تركيا، منذ أوائل التسعينات، وعبر شبكات “حزب الله” التركي وقتئذ. 

تصعيد في مناطق “الاتحاد”وفي المقابل، فإن تصعيداً سياسياً وأمنياً استثنائياً بين تركيا والاتحاد الوطني الكردستاني برز خلال الأسابيع الماضية. فقد تكثفت عمليات القصف الجوي التركية لمناطق نفوذ الاتحاد الوطني في محافظتي السليمانية وحلبجة، وأصدرت السلطات التركية قراراً بمنع جميع الرحلات المغادرة أو الذاهبة إلى مطار مدينة السليمانية الدولي من عبور الأجواء التركية. كذلك صدرت بيانات واتهامات رسمية من السلطات التركية للاتحاد الوطني بإيواء مقاتلين من حزب العمال الكردستاني وتدريبهم ضمن أراضيها، الأمر الذي اعتبرته أوساط فاعلة في الاتحاد الوطني بمثابة تصعيد و”دعاية انتخابية” من الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، اللذين يعتبرهما الاتحاد الوطني الكردستاني بمثابة الجهة المنفذة لأكثر الأجندات العسكرية والسياسية “قومية وتطرفاً”.  المحلل والباحث السياسي الكردي – التركي رمضان إيكاف شرح في حديث مع “النهار العربي” ما سمّاها “مخاوف إقليم كردستان” من التبدلات السياسية التي قد تجري داخل تركيا، وتأثيراتها على إقليم كردستان تأثيراً مباشراً استراتيجياً، “فإن تركيا هي قوة توازن إقليمي أساسية في مقابل إيران. والبلدان وإن كانا يتفقان عموماً في إدارة التوازن بينهما، فإن إقليم كردستان يشعر على الدوام بأهمية تركيا في إيجاد هذا التوازن مع النفوذ الإيراني، مثل ما يتمناه من نفوذ للدول العربية الرئيسية في المنطقة، ويخشى تدهور الأوضاع ضمن تركيا، أو وصول حزب يتراجع عن مستوى العلاقات الذي صارت عليه بين الإقليم وتركيا”.  مصير الاتفاقاتويضيف: “إلى جانب ذلك، ثمة مجموعة من الاتفاقات النفطية والاقتصادية والأمنية بين الإقليم وتركيا، وافق الرئيس أردوغان على تبنيها، وشرعنها ضمن المؤسسات التركية شرعنةً غير معلنة، بسبب نفوذه وقدرته على فعل ذلك. لكن جهات رئيسية من إقليم كردستان تتوجس من إمكان إطاحة ذلك، في حال وصول المعارضة إلى سُدة الحكم، خصوصاً أن الجذر الرئيسي لحزب المعارضة ومرشحها للانتخابات هو حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، الذي كان على الدوام يملك أجندة مناهضة للمسألة الكردية، سواء داخل تركيا أو خارجها”.  كان وفد من حزب الشعب الجمهوري التركي زار إقليم كردستان خلال العام الماضي، وقالت الأوساط السياسية وقتئذ إنه بحث مع قيادات الإقليم “الرؤية الإيجابية الجديدة التي يملكها الحزب تجاه المسألة الكردية”، بالذات في العلاقة مع إقليم كردستان.  لكن مختلف الأوساط الشعبية والاقتصادية في إقليم كردستان، تأمل أن تؤدي الانتخابات الرئاسية التركية إلى إغلاق صفحة التصعيد العسكري والأمني بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، بالذات داخل إقليم كردستان، وأن تعود المسألة الكردية إلى إمكان الحل بالطرق السياسية والدبلوماسية، كما كانت الأوضاع خلال الأعوام 2008-2012، الأمر الذي كان ينعكس إيجاباً على إقليم كردستان. 

التعليقات معطلة.