مثقفون وأكاديميون مصريون ينتقدون التقصير الرسمي في الاحتفاء بمجدد الثقافة العربية
خمسون سنة على رحيل عميد الأدب العربي طه حسين (وسائل التواصل)
كان يفترض أن تخصص مصر الرسمية العام 2023 للاحتفاء بالذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب العربي طه حسين (1889- 1973)، لكن هذا لم يحدث. والذي حدث هو أن العام نفسه بدأ بجدل حول مصير مقبرة صاحب الرواية السيرية “الأيام”، والتي تقع في منطقة مقابر في شرق القاهرة، تقرَّرت إزالتُها لإفساح المجال لمنافع عامة، من ضمنها تحسين شبكة الطرق. هذا الجدل دفع الحكومة الفرنسية إلى إبداء استعدادها لنقل رفات طه حسين لدفنها في مقبرة في باريس تليق بمكانته؛ مفكراً وأديباً، تعتبره السوربون أحد أهم عشر شخصيات من بين من درسوا فيها على مدار تاريخها، علماً أنه ربما يكون أول عربي يرشح للحصول على جائزة نوبل في الآداب. وحدث أيضاً أن اختارت الهيئة المنظمة لمعرض أبوظبي للكتاب طه حسين شخصية دورته الحادية والثلاثين التي عقدت في مايو (أيار) العام الماضي. وجاء في حيثيات ذلك الاختيار أن طه حسين؛ “هو الملهم الدائم لأجيال الأدباء والنقاد والدارسين الجادين، فالطفل الكفيف الذي أرسله والده لحفظ القرآن في كُتّاب مسجد القرية، أصبح مبتعثاً لجامعة مونبلييه الفرنسية، قبل أن يحصل على شهادة الليسانس في الآداب من جامعة السوربون الفرنسية، ويتعمق في دراسة اللغة اللاتينية، والأدب الفرنسي، والتاريخ، الذي عاد لتدريسه أستاذاً في ذات الجامعة المصرية التي شهدت تخرجه الجامعي الأول، ليصبح بعدها أول عميد مصري لكلية الآداب، وأول مدير لجامعة الإسكندرية التي أسهم في تأسيسها، ووزيراً للمعارف، حيث أقر للمرة الأولى مجانية التعليم في بلاده، وأسّس جامعة عين شمس العريقة”.
في ما يلي استطلاع “اندبندت عربية” لآراء عدد من المثقفين المصريين البارزين حول أهمية التفاعل النقدي مع إرث طه حسين الجدير بالاحتفاء به بعد مرور خمسين عاماً على رحيله.
مقبرة طه حسين التي أثارت الجدل (أ.ف.ب)
العقل البيروقراطي
يقول الرئيس السابق لـ”مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” نبيل عبد الفتاح لـ”اندبندت عربية”، تعليقاً على خفوت التفاعل مع الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، في مصر: “آفة حارتنا النسيان، كما قال عميد الرواية العربية نجيب محفوظ. النسيان سمت في تكوين العقل البيروقراطي الذي هو بطبيعته لا تاريخي ولا تراكمي”. ويضيف صاحب كتاب “خطاب الزمن الرمادي: رؤى في أزمة الثقافة المصرية”: “يبدو وكأن موظفي البيروقراطية المصرية في مواقعهم القيادية بلا ذاكرة تاريخية أساساً. الأخطر هو أنهم لم يطلعوا على الرأسمال الثقافي المصري منذ منتصف القرن الثامن عشر وطيلة القرن التاسع عشر إلى القرن الماضي، وبالتالي لم يعرفوا رموزه وعلاماته الكبرى الذين كانوا ملء السمع والبصر والإعلام، ورحلوا ومعهم إنجازاتهم، ولكنهم حاضرون رغم رحيلهم”. ويستطرد عبد الفتاح: “لماذا لم يحتفلوا هذا العام؟ هل قرأ بعضهم مؤلفات عميد الأدب العربي؟ هل عرفوا ما هو المسار الذي افتتحه في الثقافة المصرية والعربية؟ لماذا لا يختارون مفكرين أمثال شخصيات العام في المعرض السنوي للكتاب مثل سلامة موسى ولويس عوض؟ لماذا لا يتم اختيار بعض الشوام المتمصرين شخصية العام دلالة على أن مصر المرحلة شبه الليبرالية كانت مختبراً للحداثة المبتسرة عربياً؟ هل هو الخوف من طه حسين وأفكاره ومن ثم فإنهم يودون نسيانه عن عمد؟ هل تقف وراء ذلك سلطة فكرية أو سلطة دينية؟ هل يكمن السر في حالة التكوين العلمي والمعرفي الذي امتد من عصر السادات إلى الآن؟ هل هو غياب العقل النقدي الخلَّاق؟ هل هو موت الخيال السياسي والثقافي الوثاب؟ هل هو غياب سياسة ثقافية تواكب عصرنا وتحولاته العاصفة؟ يبدو لي أن هناك خوفاً بيروقراطياً من المبادرة والمبادأة بالأفكار، وهو حالة سوسيو نفسية مرتبطة بالاعتبارات السلطوية، ومن ثم دفع الأثمان إذا ما تقرر أن يكون العام 2023 عام طه حسين، وذلك على رغم تراكم ما هو ضد أفكار عبر الزمن، العقل البيروقراطي في الثقافة غير قادر على اتخاذ القرار وهو جزء من تراجع القوة الثقافية المصرية في الإقليم العربي. والأخطر غياب طلب سياسي فعال على الثقافة وغياب طلب اجتماعي فعال على الثقافة. خمسون عاماً على رحيل عقل العميد الوثَّاب ولا أحد يهتم في ظل الحاجة الموضوعية والتاريخية لإعادة النظر النقدي والإبداعي في ضرورة تطوير اللغة العربية وإحيائها ومواكبتها للتطور الكبير في اللغات الكبرى في عالمنا، وفي العلاقة مع الموروث النقلي في كل المجالات. البيروقراطية الكسولة قاتلة للعمل الثقافي في عالمنا العربي، لماذا لا تهتم الجامعة العربية بمرور خمسين عاماً على رحيل عميد الأدب العربي؟ لماذا لا تنسق مع وزارات الثقافة في تونس والجزائر والمغرب ولبنان وسوريا على إقامة مؤتمرات في حواضر هذه البلدان التي كان تطورها الثقافي جزءاً من تفاعلات جماعاتها الثقافية مع فكر الأستاذ العميد. أعتقد أن المراكز البحثية والجماعات الثقافية الطوعية هي الأجدر بهذه المهمة”.
كتاب عن عميد الأدب العربي (هيئة قصور الثقافة)
صوت لا ينسى
ويقول رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة القاهرة سابقاً الدكتور خيري دومة: “شأنَ الكبار في التاريخ الإنساني كان طه حسين. جرت عليه كما جرت على الكبار دراساتٌ من كل جانب، ملأ الدنيا وشغل الناس في زمانه وبعد زمانه، الكلام عنه لا ينفد، وفي كل عصر ظل وسيبقى مادة للاكتشاف من جديد”. ويضيف صاحب كتاب “أنتَ: ضمير المتكلم في السرد العربي”: لم يكن طه حسين إلا صبيّاً فقيراً عاجزاً، جاء من أقصى الهامش ليحتل بعقله وجهده وكفاحه مكاناً كبيراً في متن الفكر المصري والعربي الحديث، وضرب بسهم في كل جانب من جوانب هذا الفكر؛ الاجتماعي والتربوي والسياسي والأدبي والنقدي. وسأركز كلامي هنا في نقطتين يتصلان بجانب محدود من فكره الأدبي والنقدي. النقطة الأولى تتعلق بالعالم الذي انطوت عليه أعماله القصصية، بدءاً من “الأيام”، ومروراً بـ “جنة الحيوان” و”دعاء الكروان” و”شجرة البؤس”، ومروراً حتى بالأعمال التاريخية مثل “على هامش السيرة” و”الوعد الحق” و”ثورتان”، وصولاً إلى كتابه الفريد “المعذبون في الأرض”. في كل هذه الأعمال يلتقي القارئ بعالم المقربين من طه حسين الطفل والشاب والمفكر الاجتماعي، عالم العبيد والفقراء الذين صاروا ثواراً وقادوا حركات تغيير مدهشة في التاريخ، من سبارتاكوس في عبيد روما، إلى محمد صلى الله عليه وسلم في عبيد مكة، ومن فقراء المسلمين الأوائل، إلى ثورة الزنج في البصرة، إلى معدمي مصر الحديثة”.
ويستطرد دومة: “منذ شهدنا ذلك الصبي الذي يتحسس طريقه إلى العالم في مطلع “الأيام” إلى أن رأينا مصائر قاسم وخديجة وصفاء وأمثالهم من “المعذبين”، في “مصر المريضة” التي امتلأت بهم أواسط أربعينيات القرن العشرين، أولئك الذين “يحرقهم الشوق إلى العدل” وأولئك الذين” لا يجدون ما ينفقون” كما يقول إهداء الكتاب. أما النقطة الثانية، فتتعلق بالطريقة التي قدم بها طه حسين هذا العالم إلى جمهوره من المستمعين والقراء، وهي الطريقة نفسها التي اتبعها في كتبه التاريخية والنقدية والفكرية المختلفة، طريقة تعتمد على لون من الصحبة و”الزمالة” يعقدها مع من يتحدث إليهم”.
ويختم دومة بالقول: “قد تنسى كل شيء، لكنك بالقطع لن تنسى ذلك الصوت الذي يتحدث إليك ويصحبك إلى عالم مجهول يسعدك أن تستكشفه بصحبته. لا يمكن للمرء أن ينسى الطريقة التي يأخذنا بها طه حسين إلى البيئة الجاهلية البعيدة التي ولد فيها النبي العربي على هامش السيرة، ولا الطريقة التي يأخذنا بها إلى قضية الشعر الجاهلي وتاريخه. طه حسين صوت لا ينسى”.
طبعة جديدة من كتاب لطه حسين (وزارة الثقافة المصرية)
أعماق الرجل
وقبل أيام صدر للباحث والروائي المصري عمار علي حسن كتاب “بصيرة حاضرة… طه حسين من ست زوايا”، عن مركز أبو ظبي للغة العربية في سلسلة “البصائر للبحوث والدراسات”، ورداً على سؤال بخصوص ملاحظته على الاحتفاء بذكرى العميد، قال: “كان على وزارة الثقافة المصرية أن تعلن أن العام الحالي هو عام طه حسين، بمناسبة مرور خمسين سنة على وفاته، وأتساءل في عجب: إن كان هناك قرار بهذا، فكيف يظل سراً على أغلب المثقفين؟ في العموم، إن كانت الوزارة صادقة، وستكمل فعالياتها الخجولة احتفالاً بعميد الأدب العربي، فعليها، أن تنتهج نهجاً جاداً في التعامل مع الرجل، بعيداً من الكتابات والكلمات الاحتفائية والاحتفالية، التي شبع هو منها في حياته، ولا تزال تنهمر على عظامه النخرة في قبره، وبعيداً أيضاً عن الكتابات التي توزَّعت على التقديس والتدنيس”.
ويضيف صاحب كتاب “النص والسلطة في المجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية”: “على رغم أن طه قد كُتب عنه سيل من الدراسات والكتب والمقالات والأبحاث، فإن أغلبها لم يلمس أعماق الرجل، كمفكر وأديب ومصلح اجتماعي، بل وثائر ورجل دولة، ولم ينتبه إلى كثير من الأساليب المتنوعة في كتاباته، والقيم العليا التي تعكسها، والأفكار الأساسية التي تنتظم من أجلها، والمقاصد الكبرى التي تتغياها”.
ويرى حسن أن الاحتفاء بطه حسين هو “واجبٌ، لا يخصنا نحن كمصريين فقط، بل يمتد إلى العرب أجمعين، لأن أثره فينا جميعا لا يزال باقياً، ولا جدال في هذا. نعم، لم ينته أثر طه حسين في حياة العرب، ولا يبدو أنه سينتهي، فالرجل ضرب سهمه في كل اتجاه، وأنتج من الأفكار والآراء والأساليب والطرائق والأذواق بل والتصورات والإجراءات حول التحديات التي واجهت المجتمع في زمنه، وعن القضاياه والمشاغل التي أخذت بعقول الناس ونفوسهم، ما يصلح أن نعود إليه من دون انقطاع، نظراً لاستمرار المشكلات قائمة، وبقاء التساؤلات عالقة”. وأوضح صاحب رواية “شجرة العابد” أن هذه العودة تمتد من اللغة وبيانها، إلى الأدب وألوانه شعراً ونثراً، ثم الفكر وشؤونه، وكذلك في كيفية النظر إلى المشكلات الاجتماعية الجوهرية حول التعليم والثقافة، وعلاقة الدين بالدولة والديمقراطية، وتمكين المرأة، وحقوق أصحاب الهمم، ناهيك عما يحسب لطه حسين في تطوير منهج البحث والدرس، وفي بناء علاقة عامرة بين الأستاذ وتلاميذه.
غلاف كتاب ذكرى طه حسين (مكتبة الأسرة)
مؤسسة تمشي على قدمين
واختتم عمار علي حسن بقوله: “من هنا فإن البحث في منجز طه حسين، الذي كان مؤسسة كاملة تمشي على قدمين، ليس بحثاً في الماضي، إنما هو جزء من الوقوف على الكثير من معاني الآني، بل والآتي، نظراً لأن نص الرجل وأسلوبه وتصوره وتصرفه، لا يزال قادراً على إفادتنا في مواجهة بعض ما يعترض طريقنا إلى التقدم، وشحذ أذهاننا بالذي يعزز قدرتها على الفهم والإدراك، في العلم والأدب وتصاريف الحياة. ولا يجب أن يظل الاهتمام بالرجل مقتصراً على عرض أفكاره، أو نقد قصصه ورواياته وأشعاره التي تخلى هو عنها، أو تناول تجربته الحركية في السياسة والإدارة، أو استلهام سيرته الذاتية التي لا تزال مختلفة عما سبقها ولحق بها، أو الوقوف عند طريقته في التدريس وتربية عقول التلاميذ، بل ينطلق من كل هذا إلى قياس أثر الرجل في حياتنا المعاصرة.
ومن جانبه، رأى الباحث خالد عزب أن طه حسين يعد رمزاً من رموز الثقافة العربية المعاصرة، فهو أحدث نقلة في صورة المجتمع للمثقف ودوره. ويضيف صاحب كتاب “العمران: فلسفة الحياة في الحضارة الإسلامية”: “في هذا السياق، حرصتُ على الحصول على أرشيف طه حسين ضمن أرشيفات عديدة لضمها لمشروع “ذاكرة مصر” في مكتبة الاسكندرية، وحصلتُ علي صورة كاملة من الأوراق التي تبقت لدى حفيدته مها عون، بمساعدة الدكتور عماد أبوغازي”. ويعتقد عزب أن طه حسين بإنتاجه الغزير، لديه تراث مشتَّت يحتاج إلى مشروع توثيقي شامل؛ “وهذا جهد مؤسسات ولذلك أقترح أن تقوم به دار الكتب المصرية”، مشيراً إلى أن مرور 50 عاماً على وفاة طه حسين هو أمر يقتضي ليس الاحتفال ولكن إعادة الدرس والقراءة، ومن هذا أن تُقرر من العام الدراسي المقبل جلسات قراءة في المدارس لكتب طه حسين خاصة “الأيام” الذي يجسد كفاحه ومعاناته وهو بلا شك عمل ملهم”.
وقال عزب إن تأثير طه حسين يقتضي من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) إعلان هذا العام عام طه حسين فهو الذي أسس وفعَّل الإدارة الثقافية في تلك المنظمة. كما أن توثيق أرشيف طه حسين هو دور مفتقد لجامعة القاهرة التي يجب أن تحتفي بأستاذ قاد أول معارك استقلال الجامعة ودافع عن حرية الأستاذ الجامعي في النقد والتحليل”.
غلاف الأيام بالصينية (موقع الدار الصينية)
المدافع عن العقلانية
ومن المهم أن نذكر هنا أن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي هيئة حكومية، طرحت خلال الدورة الماضية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب والتي عقدت في مستهل العام الجاري، طبعات جديدة من كتب طه حسين. ويقول الأمين العام للنشر في تلك الهيئة الشاعر جرجس شكري في سياق تذكر عميد الأدب العربي: “أسعدنى الحظ بقراءة ما تيسّر لي من مؤلفات طه حسين في سن مبكرة، ومنها تعلمتُ كيف أقرأ التراث العربي من دون تسليم أو قداسة، وبعد سنوات ما زلت أسأل نفسي: ماذا لو لم أقرأ هذه الأعمال، بل ماذا لو لم تحظ الثقافة العربية بهذا المبدع الاستثنائي؟ من دون شك كانت سوف تتأخر وتعاني كثيراً”.
ويضيف صاحب ديوان “بلا مقابل أسقط أسفل حذائي”: “أذكر حين أهديتُ ديواني الرابع “والأيدي عطلة رسمية” إلى طه حسين، تعجب د. صلاح فضل حين كتب عن الديوان وأثار دهشته أن يكتب هذا الإهداء شاعرٌ من جيل التسعينيات يكتب قصيدة النثر. وحين التقينا سألني، فقلت له: لقد رأيتُ من خلال عيون طه حسين الأدب العربي في بداية الطريق، وكنتُ دائماً ما أتخيله يقتحم غابة كثيفة قوامها التراث العربي بكل تجلياته شعراً ونثراً وأفكاراً شائكة، يجلس في مقدمة الغابة وإلى جواره أوغست كونت وديكارت، بينما تراجع الجميع إلى الخلف؛ حيث سيتغلب الجدل على التسليم”. ويقول شكري: “أدهشنى طه حسين الذي كرَّس حياته لمناقشة المسكوت عنه في الأدب العربي، وأيضاً في المجتمع المصري، وكان بحق مجدد الثقافة العربية ومدافعاً شرساً عن العقلانية”.
تجديد الثقافة العربية
ويرى جرجس شكري أن طه حسين رفع شعار إعمال العقل منذ أن وطأت أقدامه قاعة الدرس، سواء في أروقة الأزهر أو في مدرجات السوربون… “لقد آمن بالدراسة الموضوعية وغير المنحازة لتراث الأجداد في مرحلة كان السواد الأعظم يفضِّل النقل على إعمال العقل، وطالب بالتخلي عن الإيمان بما هو راسخ وثابت؛ إذ جاء كتابه “في الشعر الجاهلي” عام 1926 عاصفة مدوية زلزلت أركان المجتمع المصري، وقاد صاحبه إلى ساحة المحاكم، ليحطم النزعة المحافظة والجمود الذي كان يتعامل به الجميع مع تراث الأجداد، واختار حرية الفكر، وحمل على عاتقه الحفاظ على هوية الثقافة المصرية وترسيخها لدى المصريين”.
وفي تصور شكري فإن طه حسين “لم يكن ناقداً كبيراً وأكاديمياً نال أرفع الدرجات العلمية في مرحلة مبكرة، وأثار الجدل بأفكاره المستنيرة، بل كان ناقداً ومفكراً وروائياً وكاتباً اجتماعياً، ومترجماً وفيلسوفاً ومؤرخاً، نعم كان كل هؤلاء، فحين أتذكر مؤلفاته، لا أبالغ إذا قلت إنه كل هؤلاء في رجل واحد، حمل على عاتقه تجديد الثقافة العربية، وخاض في سبيل هذه الفكرة عشرات المعارك الضارية، وها نحن نعود الآن، نرتد ونحمل الأغلال والقيود التي حطَّمها طه حسين منذ ما يقرب من مئة عام، وبعد نصف قرن من رحيله، نحتاج إلى تجديد ذكرى هذا المجدد”.
ولذلك، يضيف شكري؛ “كان لا بد أن نقدم للقارئ عشرين عنواناً من أعماله لتكون بمثابة بداية جديدة، وخطوة جادة نحو إعمال العقل والانحياز إلى حرية الفكر حتى تعرف الأجيال الجديدة هذا المفكر. وما حدث في معرض القاهرة الدولي للكتاب من إقبال غير مسبوق على العناوين التى قدمتها قصور الثقافة للقارئ لا يدل فقط على أهمية تجديد ذكرى طه حسين لهذا الجيل بل وسلامة الذائفة التي ما زالت تحتاج إلى هذا الفكر المتجدد”.