اتصالات رفيعة المستوى بين كوريا الشمالية وإيران توحي بتعاون عسكري أكبر

1

جاي سولومون

برزت بيونغيانغ كشريكٍ أساسي في “محور المقاومة” الخاص بطهران، ويحذّر المسؤولون من أن تتوسّع جهودهم المشتركة لتبلغ أسلحة الدمار الشامل.

تُثير اللقاءات الرفيعة المستوى التي جرت بين مسؤولي كوريا الشمالية وإيران في الأشهر الأخيرة القلق داخل الحكومة الأمريكية بشأن عمق العلاقات العسكرية بين الخصميْن الأمريكييْن. ففي أيلول/سبتمبر، أمرَ الرئيس ترامب وكالات الاستخابرات الأمريكية بإعادة النظر من جديد في أي تعاون نووي ثنائي محتمل. إلّا أن المسؤولين في واشنطن وآسيا والشرق الأوسط الذين يتتبّعون مجرى العلاقة يشيرون إلى أن بيونغيانغ وطهران سبق أن أشارتا إلى التزامٍهما بالتطوير المشترك لأنظمة قذائفهما التسيارية ولبرامج أخرى عسكرية/علمية.

وسّعت كوريا الشمالية في خلال السنة الماضية إلى حد كبير قدراتها النووية وتلك المتعلقة بالقذائف البعيدة المدى، فطوّرت قذائف تسيارية عابرة للقارات قد تكون قادرة على استهداف الولايات المتحدة الغربية برؤوس حربية نووية. وفي خلال الفترة نفسها، رصدت وكالات الاستخبارات الأمريكية مسؤولين دفاعيين إيرانيين في بيونغيانغ، ما أثار المخاوف المتعلّقة باحتمال مشاركة التكنولوجيا المتقدمة الخطيرة بين البلدين. فقال مسؤولٌ أمريكيٌّ كبير يعمل حول قضية الشرق الأوسط: “لا بدّ من فهم هذه الاتصالات كلّها بشكلٍ أفضل. وسيكون ذلك من أهم أولوياتنا”.

لقاءات مثيرة للشك

في أوائل آب/أغسطس، عمد كيم يونغ نام، الزعيم السياسي الثاني في كوريا الشمالية ورئيس هيئتها التشريعية، إلى مغادرة بيونغيانغ لزيارة مطوّلة إلى إيران وسط جلبة كبيرة. وكان السبب الرسمي حضور تنصيب الرئيس حسن روحاني، لكنّ الزيارة طالت ودقّت ناقوس الخطر في واشنطن والعواصم الحليفة. وقالت وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية إن الرحلة دامت لأربعة أيام، لكنّ وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية أفادت بأن الرحلة دامت لعشرة أيام، وبأن وفدًا كبيرًا من كبار المسؤولين الآخرين كان يرافق كيم.

كان كيم قد زار طهران للمرة الأخيرة قبل ذلك في سنة 2012 لحضور اجتماعٍ خاص بـ”حركة بلدان عدم الانحياز”، وهي هيئة تعود لحقبة الحرب الباردة وتتألف من أممٍ نامية كافحت في سبيل الاستقلال عن واشنطن والكرملين. غير أنّه فوّت معظم الأحداث المرتبطة بذلك المؤتمر، وركّز بدلًا من ذلك على توقيع اتفاق تعاون علمي ثنائي مع الرئيس محمود أحمدي نجاد. وبحسب مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية، بدا ذلك الميثاق شبيهاً جدًّا بالميثاق الذي وقّعته بيونغيانغ مع سوريا في سنة 2002؛ وبعد خمس سنوات، دمّرت الطائرات النفاثة الإسرائيلية مبنًى في شرق سوريا تعتقد الولايات المتحدة والأمم المتحدة أنه كان مفاعل نوويًّا جاهز تقريبًا للعمل بنته كوريا الشمالية. والجدير بالذكر هو أنّ أحد المسؤولين الإيرانيين الذين حضروا اجتماع 2012 مع كيم كان رئيس “منظمة الطاقة الذرّيّة” فريدون عباسي دوائي” الذي عاقبته واشنطن والأمم المتحدة على دوره المزعوم في تطوير الأسلحة النووية.

كذلك، ركّزت رحلة كيم الأخيرة على أكثر من مجرّد تقديم الدعم لروحاني، وفقًا لوسائل الإعلام التابعة لدولتيْ كوريا الشمالية وإيران. فافتتح كيم ونائب وزير الخارجية تشو هوي-تشول سفارة بلدهما الجديدة في طهران، وهي رمز للعلاقات المتوطّدة بين الحكومتيْن. كما عقدا سلسلة اجتماعات ثنائية مع قادة أجانب، أتى الكثيرون منهم من بلدانٍ قامت بعمليات شراء كبيرة لأسلحة كوريا الشمالية في العقود الأخيرة (مثل زمبابوي وكوبا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وناميبيا). وتُكثّف إدارة ترامب الضغط الدبلوماسي على هذه البلدان كلّها بهدف قطع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع بيونغيانغ ردًّا على وابل التجارب النووية والصاروخية التي أجراها النظام هذا العام.

في ما يخص تطوير القذائف، شكّلت إيران وكوريا الشمالية جبهةً موحّدةً ضدّ واشنطن في خلال إقامة كيم. فعلى غرار بيونغيانغ، مضت إيران قدمًا مع سلسلة من تجارب القذائف التسيارية في الأشهر الأخيرة، على الرغم من مواجهة قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإدانة إدارة ترامب. وبعد لقاء رئيس البرلمان علي لاريجاني في 4 آب/أغسطس، أعلن كيم أنّ “إيران وكوريا الشمالية لهما عدو مشترك [الولايات المتحدة]. ونحن ندعم بقوّة إيران في موقفها الذي يعتبر أن تطوير القذائف لا يحتاج إلى إذن أي أمّة”.

اتصالات سرّية

تدعو الاجتماعات التي لم تنقلها وسائل الإعلام الحكومية للقلق أكثر من غيرها بالنسبة إلى الحكومات الحليفة. ففي السنوات الأخيرة، رصدت الاستخبارات الأمريكية والخاصة بكوريا الجنوبية نشاطًا منتظمًا للزيارات بين مسؤولي إيران وكوريا الشمالية في محاولةٍ للاشتراك في تطوير أنظمتهما الدفاعية. وينتمي عدة كوريين إلى القطاع الدفاعي أو إلى هيئات مالية سرّية تُسأل مباشرةً أمام الدكتاتور كيم جونغ-أون، بما فيها “المكتب 39″ و”المكتب 99″ لـ”حزب العمّال الكوري” الحاكم.

في السنة الماضية، نقلت السلطات الأمريكية أن تقنيي قذائف من إحدى أهم شركات الدفاع في إيران، وهي “مجموعة الشهيد همّت الصناعية”، سافروا إلى كوريا الشمالية للمساعدة في تطوير معزّز صاروخي للقذائف التسيارية يزن ثمانين طنًّا. ويُزعَم أن أحد كبار المسؤولين في الشركة وهو سيّد جواد موسوي عمل جنبًا إلى جنب مع “مؤسسة كوريا التجارية لتطوير التعدين”، التي فرضت عليها الولايات المتحدة والأمم المتحدة عقوبات بسبب تأديتها دورًا محوريًّا في حيازة المعدّات لبرامج بيونغيانغ النووية والمتعلقة بالقذائف التسيارية. فعلى سبيل المثال، شحنت “مجموعة الشهيد همّت” بشكلٍ غير قانوني صمّامات وأجهزة إلكترونية ومعدّات قياس إلى “مؤسسة كوريا التجارية لتطوير التعدين” بغية استخدامها في التجارب الأرضية لمركبات الإطلاق الفضائية والقذائف التسيارية ذات الوقود السائل.

التداعيات على السياسة

برزت كوريا الشمالية كشريكٍ أساسي في تحالف الدول والميليشيات والحركات السياسية المعروفة بـ”محور المقاومة”، التي طوّرتها إيران لتحدّي سلطة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وأدّت بيونغيانغ دور مزوّدٍ مهم بالأسلحة والمعدات لأهم حليف عربي لإيران، أي نظام الأسد، في خلال الحرب الجارية في البلد. وحاز الثوّار الحوثيون الذين تدعمهم إيران على أسلحة من كوريا الشمالية في جهودهم الهادفة إلى الإطاحة بالحكومة المعترَف بها دوليًّا في اليمن، بحسب مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين.

علاوةً على ذلك، بدا أنّ الرحلة التي قام بها كيم يونغ-نام في آب/أغسطس لاقت دعمًا رسميًّا من روسيا والصين. ففي طريقه إلى إيران، سافر أوّلًا إلى فلاديفوستوك على الخط الجوي التابع لكوريا الشمالية “طيران كوريو”، الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في كانون الأول/ديسمبر 2016 بسبب المساعدة الماليّة التي يقدّمها إلى نظام كيم وبرنامجه المتعلق بالقذائف التسيارية. ثم توجّه إلى طهران عبر الناقل الجوي الرسمي لروسيا “إيروفلوت”، عبورًا بالمنطقة الجوية الصينية.

في المستقبل، يُعتبر السؤال الأكثر إلحاحًا هو إذا ما كان سيبرز دليلٌ قاطع يُثبت التعاون النووي المباشر بين إيران وكوريا الشمالية. فتقول الحكومة الأمريكية و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إنهما لم تَريا بعد هذا الدليل الحاسم. لكن تزعم مجموعات المعارضة الإيرانية أن بعض كبار المسؤولين في النظام زاروا كوريا الشمالية لمشاهدة قسمٍ من تجاربها الست الخاصة بالأسلحة النووية. وتضيف هذه المجموعات أن رئيس هؤلاء المسؤولين هو محسن فخري زاده، وهو ضابط إيراني اتّهمته الأمم المتحدة بالعمل بشكلٍ وثيق مع فريدون عباسي دوائي حول بحوث سرّية متعلقة بالأسلحة النووية. ويقول مسؤولون حاليون وسابقون في الاستخبارات الأمريكية إنه لا يمكن استبعاد هذه الاتهامات، لذا يجب مراقبة كل الاتصالات المعروفة بين النظاميْن عن كثب.

 

التعليقات معطلة.