“حتى حل الدولتين، إذا صار حقيقة، فإنه ليس نهاية اللعبة”
الواضح أن “حل الدولتين” تجاوزته الوقائع على الأرض (أ ب)
معركة “ثأر الأحرار” أكدت تآكل الردع الإسرائيلي، من حيث أرادت حكومة نتنياهو تعزيزه. ولا يبدل في الأمر ما أحدثته قوات الاحتلال من دمار وأوقعته من ضحايا في غزة واغتالته من قادة عسكريين في منظمة “الجهاد الإسلامي” التي لم تتوقف عن إطلاق الصواريخ على مستوطنات “غلاف غزة”، وصولاً إلى تل أبيب، لكن المبارزة بين الطيران الإسرائيلي والصواريخ الفلسطينية تدور عملياً في “ستاتيكو”. فلا شيء يتغير بالمعنى الاستراتيجي. كل طرف يبقى مكانه لا شبر أرض يتم تحريره. ولا شبر يضاف إلى الاحتلال. وكل شيء في انتظار جولة جديدة من التقاصف وهدنة تعمل لها مصر، وأحاديث عن “وحدة الساحات” من دون أفعال.
والظاهر أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تخسر من مكانتها ويصبح دورها على الهامش. والواضح أن “حل الدولتين” تجاوزته الوقائع. السلطة لا تستطيع التوصل إليه بالتفاوض. إسرائيل تصنع حقائق على الأرض تسد الطريق على حل الدولتين. أميركا تكرر التزامه في الخطاب من دون الإقدام على أي خطوة عملية وحتى من دون القدرة على ممارسة الضغط على حكومة يمينية متشددة تتمرد عليها وتتحداها. والأمم المتحدة وروسيا والصين وأوروبا عاجزة عن فعل شيء وإن كانت تريد ذلك. فهل دقت ساعة الدولة الواحدة؟
مشروع الدولة الواحدة ليس جديداً. لا من جانب القوى التي اصطدمت بالحواجز أمام حل الدولتين، فطرحت حل الدولة الديمقراطية الواحدة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. ولا من جانب المتطرفين الإسرائيليين الذين يريدون دولة واحدة لهم من البحر إلى النهر، ولا من طرف الراديكاليين الفلسطينيين المتمسكين بالحق التاريخي وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، لكن حلم الدولة الديمقراطية الواحدة هو كابوس لإسرائيل الخائفة من الديموغرافيا، إذ يرى الديموغرافي سيرجيو ديللا بيرغولا إنه “بعد جيل يصبح عدد اليهود بين البحر والنهر أقل من ثلث السكان”. وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر لإقامة دولة واحدة تكنس الاحتلال، مهمة فشل العرب فيها في عام 1948 وبعده، وهي فوق قدرة المنظمات الفلسطينية في غزة. فما العمل؟
ثلاثة أساتذة للعلوم السياسية والقضايا الدولية في جامعة جورج واشنطن هم مايكل بارنت وناتان براون ومارك لينش وأستاذ السلام والتطوير في جامعة ماريلاند، شبلي تلحمي، كتبوا مقالاً مشتركاً نشرته “فورن أفيرز” تحت عنوان “حقيقة دولة إسرائيل الواحدة”. فالدولة الواحدة، كما يرون، “ليست احتمالاً مستقبلياً، بل حقيقة قائمة حالياً بين البحر والنهر”، ولكن كيف تدار؟ سلطة يهودية تحكم شعباً فلسطينياً، سواء داخل “الخط الأخضر” أو في الضفة الغربية وتتحكم بغزة. ولا يتردد وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير في القول، “غزة لنا، والفلسطينيون للذهاب إلى السعودية أو أماكن أخرى مثل العراق أو إيران”.
غير أن هذا الوضع يستحيل أن يستمر، فـ”الدولة والسيادة ليستا أمراً واحداً: الدولة محددة بما تسيطر عليه، والسيادة تعتمد على اعتراف الدول الأخرى بقانونية السيطرة”. الفلسطينيون منقسمون والإسرائيليون منقسمون والأجيال الجديدة ليست مستعدة لتضحيات الأجيال السابقة، ولا أحد يقود عملياً، والجيل الجديد في أميركا يرى المسألة الفلسطينية – الإسرائيلية مسألة عدالة أكثر منها مصالح استراتيجية أو نبوءة توراتية”. “اتفاقات أبراهام سراب خادع”. وعلى أميركا وضع شروط مقابل مساعدة إسرائيل، لأنه “ليس لدى أميركا قيم مشتركة، ويجب ألا تكون لديها روابط لا تنكسر مع دولة تسيء معاملة ملايين السكان بناءً على العرق والدين”.
والحل هو الانتقال من حقيقة الدولة الواحدة المتحكمة بشعب آخر، والتي يستحيل على إسرائيل ضمان استمرارها، ويصعب على الفلسطينيين تحريرها إلى الدولة الديمقراطية الواحدة لمواطنين متساوين. حلم يتجدد لدى خبراء أميركيين، لكن أرض فلسطين مقبرة الأحلام. فالصراع مستمر. حتى حل الدولتين، إذا صار حقيقة، فإنه ليس نهاية اللعبة. لا الفلسطيني صاحب مشروع التحرير الكامل سيتوقف. ولا الإسرائيلي صاحب المشروع الاحتلالي الكامل سيمتنع عن اجتياح الدولة الفلسطينية بحجة ضرب المقاومة. والعالم العربي صار في مناخ آخر.