يحذر مراقبون من تراجع الإنتاجية إلى 25 في المئة
ردم بحيرات الأسماك لمواجهة شح المياه بالعراق (صفحة وزارة الموارد المائية العراقية على فيس بوك)
يبدو أن شح المياه الذي يعانيه العراق منذ أعوام لم يلق بظلاله على الزراعة فحسب، وإنما أيضاً على تربية الأسماك التي وصلت إلى مراحل متقدمة في البلاد وباتت تلبي الاكتفاء الذاتي، فإضافة إلى تأثر الثروة السمكية في الأنهار والبحيرات نتيجة نقص وتلوث المياه والصيد الجائر، فإن تجفيف بحيرات الأسماك أحد الحلول التي اتخذتها وزارة الموارد المائية العراقية للتقليل من استهلاك المياه.
تجفيف البحيرات
وأعلنت وزارة الموارد المائية العراقية عن تجفيف 297 بحيرة أسماك غير مرخصة خلال الأيام الماضية، فيما أكدت أنها تعمل على إزالة بقية البحيرات المتجاوزة ضمن الإجراءات الحكومية لمواجهة شح المياه بعد انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات نتيجة قلة التدفقات المائية الآتية من تركيا وإيران.
وبحسب وزارة الزراعة العراقية تأثرت مساحات كبيرة من منطقة الأهوار بالجفاف، مع تناقص بحيرات الأسماك من 5600 كلم مربع إلى 500 كلم مربع فقط، فضلاً عن تراجع الثروة الحيوانية بأكثر من النصف.
رواج وندرة
ويعود مشروع تنمية الثروة السمكية في العراق لعام 2004 بمساعدة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” من خلال وضع خطة إستراتيجية تهدف إلى تنمية المخزون الطبيعي للأسماك في معظم المسطحات المائية، وتوجيه القطاع الخاص لتربيتها على ضفاف الأنهر والبحيرات من خلال استغلال المسطحات المائية في إنشاء مزارع سمكية باستخدام “الأقفاص العائمة”.
ونجح المشروع الدولي في تربية أسماك “الكارب” في آلاف البحيرات العراقية التي أصبحت الطبق الأكثر شيوعاً على موائد أهل البلاد، وأسهم في انخفاض الأسعار لتصل إلى ما بين 3500-7000 دينار عراقي (2.5 إلى 5 دولارات) بعدما كانت أسعارها تصل إلى 15000-20000 (11 إلى 15 دولاراً).
وبحسب تقرير لوزارة التخطيط العراقية عام 2021، فإن العدد الكلي لمزارع الأسماك المنتجة بلغ 3794 مزرعة، يعمل فيها 14441 عاملاً.
وفي ظل تدني مناسيب المياه تبرز مخاوف من أن يتراجع إنتاج العراق من الأسماك من 900 ألف طن إلى ربع هذا الرقم، مما يجعل وجبة سمك “الكارب” الرخيص صعبة المنال لذوي الدخل المحدود، لا سيما بعد نجاح البلاد في تحقيق الاكتفاء الذاتي قبل أعوام، وهو ما حذر منه رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي الأسماك إياد الطالبي بسبب القيود على تربيتها، مضيفاً أن انخفاض المياه له تأثير كبير في الإنتاج السمكي، بخاصة أن التأثير جاء بعد “ردم عدد من الأحواض السمكية وإعطاء مهلة حتى يوليو (تموز) المقبل” ومعتبراً أن القرار غير مدروس إذ إن أحواض السمك تغطي 70 في المئة من إنتاج الثروة السمكية بالعراق.
تدوير المياه
ولفت إلى أن مزارع الأسماك تعيد تدوير استخدام المياه من خلال استعمال “المبازل” في تربية سمك “الكارب” و”السلفر” بالأقفاص، مؤكداً أنها لا تؤثر في مياه الشرب والزراعة.
ونوه الطالبي بأن هناك أكثر من 700 كيلومتر “مبازل” فرعية، فضلاً عن النهر الثالث الذي يجمع مياه شبكة “المبازل” للمشاريع الزراعية لمنع خلطها بنهري دجلة والفرات، إذ يمكن الاستفادة منها في تربية الأسماك وكذلك مياه الآبار.
وأوضح أن أسعار الأسماك عاودت الارتفاع من جديد بعدما انخفضت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، لافتاً إلى أن إنتاج بقية الأسماك يتركز في البحيرات والأنهر والتي يعتمد عليها الصيادون، وهي “قليلة جداً، ولا تسد سوى جزء ضئيل جداً من حاجة السوق المحلية”.
وأردف الطالبي أن “عشرات آلاف الأشخاص يعتمدون على تربية الأسماك، وهناك مهن أخرى مرتبطة بازدهارها ورواجها، مما يلقي بظلاله على الاقتصاد، بحيث سيجد كثيرون أنفسهم من دون عمل”.
التربية المنظمة
وشدد المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي على ضرورة تنظيم عملية تربية الأسماك بشكل لا يؤثر في المياه، وفي الوقت نفسه يسهم في زيادة الثروة السمكية لما لها من تأثير في دعم الاقتصاد العراقي.
وأضاف “الثروة السمكية مجال مهم لنمو القطاع الخاص، لكنه يحتاج إلى التنظيم لأن عملية سحب المياه وإرجاعها إلى النهر، في ظل شح المياه من دون معالجة ستؤدي إلى تلوث النهر، لذلك علينا إنشاء بحيرات نموذجية”، مشيراً إلى أن مربي الأسماك يفكرون بالأرباح أكثر من التفكير في حماية الثروة المائية.
السمك البحري
ونوه قصي بأهمية البحث عن مصدر آخر للثروة السمكية غير الأسماك النهرية مثل إنشاء شركة للصيد البحري تستطيع إدارة العمل بشكل نظامي مع وجود مخازن مبردة، وفي الوقت نفسه يتم تسويقها للسوق المحلية، فضلاً عن تطوير القطاع بالاعتماد على مياه الآبار أو مجاري “المبازل” الفرعية مع الحد من التلوث من خلال استخدام التقنيات الحديثة في تنظيف البحيرات السمكية، بالتالي يتم تصدير المنتجات إلى دول المنطقة.
وأشار إلى ان العراق يمتلك ميزة نسبية في الثروة السمكية بالمنطقة، إذ يتفرد بامتلاكه سمكاً نهرياً ذا جودة عالية، موضحاً أنه من المتوقع أن يكون ثاني مصادر الدولة بعد القطاع النفطي، وينعكس هذا على المنتجين والمستهلكين على حد سواء، داعياً مربي الأسماك إلى تنظيم العلاقة مع الجهات الحكومية.