المصدر: النهار العربيبغداد–محمد الجبوري
موقوفون من “جماعة القربان” في جنوب العراق.
A+A-ظهرت في جنوب العراق جماعات دينية جديدة تمارس طقوساً وشعائر غريبة أثارت الشارع العراقي، ما دفع السلطات الأمنية إلى شن عمليات اعتقال واسعة طاولت بعض عناصرها. ويفسّر متخصّصون ظهور هذه الجماعات بين فترة وأخرى في الساحة الشيعية المذهبية بأسباب عدة، أبرزها تأزّم الأوضاع الاقتصادية، ثم محاولة التميّز بالطقوس الغريبة، إضافة إلى كثرة المراقد الوهمية والفتاوى والروايات الزائفة. انتحار… وتوقيفاتوكانت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية العراقية أعلنت القبض على 4 متهمين ينتمون لجماعة تُسمّى “جماعة القربان” في محافظة ذي قار، جنوب البلاد. وأُجري تحقيق معهم بحسب بيان للوكالة، لكن لم يتمّ بعد الإفصاح رسمياً عن تفاصيل أخرى بشأن الجماعة وأهدافها.ولفت البيان إلى أنّ “عملية القبض على المتهمين جاءت بعد شنق أحد أعضائها نفسه بحبل وموته”. ويتمّ تداول معلومات في مواقع التواصل الاجتماعي، تشير إلى أنّ عدد الذين انتحروا من أفراد الجماعة تجاوز العشرين شخصاً، وأن عمليات الانتحار تتم وفقاً لأسلوب القرعة بين أعضاء الجماعة.
وبما أنّ عملية الانتحار تعدّ طقساً لـ”جماعة القربان”، حيث أقدم أحد أفراد المجموعة على الانتحار شنقاً أخيراً بواسطة حبل داخل أحد المواكب الحسينية في قضاء الناصرية التابع لمحافظة ذي قار، يوضح الباحث العراقي مهدي الكاكائي لمراسل “النهار العربي” أنّ جذور هذه الجماعة تعود إلى “الدين اليارساني”. ويقول: “اتصلتْ بي قبل أشهر فتاة من جنوب العراق، وطلبتْ مني معلومات عن الدين اليارساني، وأخبرتني أنّ هناك يارسانيين كثيرين في جنوب العراق، إلّا أنّهم يؤدّون فرائضهم الدينية ويمارسون طقوسهم بِسرّية، لأنّهم يعيشون في وسطٍ شيعي، وسيتمّ اضطهادهم وقتلهم لو أعلنوا عن دينهم. ونتيجة لذلك، أدخلوا إسم الإمام علي بن أبي طالب إلى دينهم لتفادي القتل والإرهاب بِحقهم. كما أنّ تسميتهم متأتية من القرابين، أي من لحوم الحيوانات والدواجن التي يتمّ تقديمها خلال اجتماعاتهم الدينية”، مبيّناً أنّ “ما يُشاع عن تسجيل عمليات انتحار غير صحيح، وهدفه اضطهاد هذه الجماعة وتقييد طقوسها”. إدارة من بُعد!ويقول مصدر استخباري عراقي لـ”النهار العربي”، إنّ “السلطات الأمنية تواصل ملاحقة جماعة القربان، ليس فقط في محافظة ذي قار، بل إنّ معلوماتنا تفيد بوجود أعداد كثيرة في محافظة الديوانية وحتى في محافظة بابل”، مشيراً إلى أنّ “هذه الجماعة يديرها رجل دين يقطن خارج البلاد عبر مجموعات سرّية في مواقع التواصل الاجتماعي”. من جهته، يقول الباحث في الشؤون الدينية علي الشمري لـ”النهار العربي” إنّ “ظهور هذه الجماعات المتطرّفة مثل جماعة القربان، وأصحاب القضية، هدفه ضرب المذهب الشيعي واستهدافه، وبالتأكيد ثمة جهات خارجية تموّل مثل هكذا جماعات”، لافتاً إلى أنّ “مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في ظهور هذه الحركات، حيث يتمّ التجنيد والاعتناق من خلالها”. أما لماذا غالباً ما تظهر حركات دينية مثيرة للجدل داخل الطائفة الشيعية؟ يوضح الشمري أنّ “كثرة الطقوس الغريبة وانتشار المراقد الوهمية وغياب التوعية الدينية من بعض رجال الدين عن مناطق جنوب البلاد وتحديداً في الأرياف، والفتاوى الزائفة، تؤدي كلها إلى ظهور جماعات منحرفة دينياً ومدعومة خارجياً”. ووجّه رسالة دعا فيها “رجال الدين والشيوخ وأصحاب المنابر لأن يركّزوا على أهمية القرآن الكريم والأنبياء والأئمة الطاهرين، ويتجنّبوا الجدال والأقوال والروايات التي تخلو من المصادر الموثوقة”. مقتدى الصدر “المهدي المنتظر”!ومن الروايات المتداولة بعد إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر “تجميد” التيار صاحب الشعبية الواسعة في العراق لمدة سنة، ثم إلغاء اعتكاف أنصاره، أنّ قراره جاء بعدما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشخص يدعو فيه الذين “سيعتكفون” في مسجد الكوفة إلى مبايعة الصدر على أنّه الإمام المهدي، وعلى ضرورة نصرته.
وقال الصدر حينها في تغريدة له، إنّه لن يستمر في قيادة هذا التيار وفيه من سمّاهم “أهل القضية” وبعض الفاسدين، على حدّ قوله. وعلى إثر هذا التصريح، اعتقلت السلطات العراقية 65 متهماً من أفراد مجموعة “أصحاب القضية” لترويجهم أفكاراً تثير الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي. و”أصحاب القضية” هي جماعة دينية تشكّلت بين عامي 2007 و 2008 خلال فترة العنف الطائفي في العراق، وتضمّ بعضاً من أتباع “التيار الصدري”، واجتمعت على فكرة أنّ “مقتدى الصدر هو الإمام الثاني عشر للشيعة الإثني عشرية والمعروف بالمهدي المنتظر”، مستندين بذلك إلى بعض الروايات الشيعية القديمة التي تقول “بإمكان حلول روح شخص في جسد شخص آخر”، وهو ما يُطلقون عليه “الحلول في القضية”. وأعلن الصدر أكثر من مرة براءته من هذه الجماعة، وأصدر قبل أسبوعين تسجيلاً صوتياً لهذا الغرض. ويعتقد أفراد هذه المجموعة أنّ روح الإمام الثاني عشر لدى الشيعة، والذي عاش قبل حوالى اثني عشر قرناً، ويعتقدون أنّه غاب لكنه لا يزال حياً وسيظهر في آخر الزمان ليحقق العدل في الأرض، قد حلّت في جسد مقتدى الصدر. وليست هذه الحركة جديدة على الساحة الشيعية، فهي تظهر بين فترة وأخرى، وتلقى رواجاً كبيراً بين أوساط المتدينين من المسلمين الشيعة بسبب اعتمادهم على بعض الروايات، والنظريات الشيعية الخاصة بـ”المهدي المُنتظر”، ومن ثم تطبيقها على أنفسهم أو على أشخاص آخرين.