شقاق كردي بشأن موازنة العراق يضع الإقليم على “خطّ الموت”

1

المصدر: النهار العربي رستم محمود

تصويت البرلمان العراقي على الموازنة العامة. (واع)

تصويت البرلمان العراقي على الموازنة العامة. (واع)

بعد أشهر من “المبارزة السياسية” بين أحزاب البرلمان العراقي، أُقر قانون الموازنة العراقية العامة لثلاثة أعوام (2023 – 2025)، والذي أشعل مواجهة سياسية محتدمة بشأن إقليم كردستان العراق. وتوزعت الخلافات بين نواب أحزاب الإقليم ونظرائهم من نواب باقي القوى العراقية، بخصوص نسبة الإقليم وآلية تسليمه للنفط للسلطة المركزية، وبين الأحزاب السياسية الرئيسية في الإقليم، لا سيما الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، اللذين اختلفا على تفاصيل العلاقة المالية للإقليم مع المركز وآلياتها.  جذور الخلافاتالخلافات بدأت منذ أوائل العام الحالي، مع إصرار إقليم كردستان على إرجاع نسبة الإقليم من الموازنة العامة إلى ما كانت عليه خلال الأعوام 2005-2017، أي 17 في المئة، والتي خفضها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلى 12.67 في المئة، بعد إجراء الإقليم استفتاء الاستقلال. لكن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عبر تواصل مباشر مع قادة الأحزاب الكردية، أقنعهم بالنسبة الجديدة، في سبيل توفير وضع قانوني للعلاقة المالية بين الإقليم والحكومة المركزية، وتكرس ذلك عبر المادة 12 من قانون الموازنة، رغم إصرار مراقبين على أن نسبة سكان الإقليم إلى مجموع سكان العراق هي 14 في المئة، بحسب سجلات شطب الناخبين الرسمية. لكن تفاصيل المادتين التاليتين من القانون أثارتا مزيداً من الخلاف بين الطرفين، واستمرت الاجتماعات بين أحزاب الطرفين شهوراً كاملة، إلى أن حُلّت توافقياً.  فالمادة 13 من مسودة قانون الموازنة، الذي أرسلته الحكومة العراقية إلى البرلمان، كانت تنص على ضرورة تسليم الإقليم كمية 400 ألف برميل نفط إلى الشركة الوطنية لتسويق النفط “سومو”، مقابل حصول الإقليم على كامل حصته المالية، إضافة إلى تفصيل يتعلق بإمكان تسليم الإقليم النفط المستخرج في مناطقه إلى المصافي المحلية، في حال تعذّر التصدير الخارجي. أزمة الديونلكنّ خلافاً شديداً حدث بشأن الديون المستحقة للمصرف العراقي للتجارة على حكومة إقليم كردستان، فقد كانت المسودة تنص على أن تسديدها يجب أن يكون خلال سبع  سنوات، واللجنة المالية أرجعتها إلى خمس سنوات، وهو ما اعتبرته حكومة إقليم كردستان بمثابة ضغط مالي شديد عليه.  من جهة ثانية، وقع خلاف ثلاثي بشأن تفصيلين ماليين، إذ توافقت كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني مع باقي الكتل العراقية على اشتراط قانون الموازنة على حكومة إقليم كردستان دفع المستحقات المتراكمة لموظفي إقليم كردستان، والتي تأخرت نتيجة الأزمة الاقتصادية 2017-2019. لكن الحزب الديموقراطي الكردستاني اعتبر ذلك بمثابة انتقاص من سلطة الإقليم وحقه في تحديد استراتيجيته المالية.  المسألة الأخرى كانت تتعلق بتوافق كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني مع باقي الكتل على اشتراط قانون الموازنة دفع حكومة إقليم كردستان للمستحقات المالية والاستثمارية لمحافظات الإقليم، وإلا يحق لرئيس الوزراء المركزي أن يتدخل ويرسل موازنات محافظات الإقليم مباشرة. وهو ما رفضه الديموقراطي الكردستاني تماماً، مصنفاً إياه كتجاوز للسلطة الفيدرالية للإقليم.   لكن المادة 14 شهدت أكبر “مواجهة سياسية”، سواء بين الإقليم والمركز، أو بين القوى السياسية الكردستانية.  فمسودة القانون كانت تنص على فتح حساب بنكي خاص بحصة الإقليم، يكون أمر الصرف فيه لرئيس وزراء إقليم كردستان، أو من يخوله. أضافت اللجنة المالية البرلمانية تفصيلاً يتعلق بأن يكون هذا الحساب ضمن البنك المركزي العراقي، وتحت رقابة رئيس وزراء الحكومة المركزية، وهو ما رفضه الإقليم تماماً، معتبراً إياه مساً بالسلطة المحلية لحكومة إقليم كردستان. إلى جانب مقترح آخر متعلق بحجز حصة إقليم كردستان، في حال مرور 15 يوماً على حدوث أي خلاف بين السلطة المركزية وإقليم كردستان، الشأن الذي اعتبره الطرف الكردي بمثابة ابتزاز دائم ومفتوح.  “خطّ الموت”زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني والرئيس الأسبق لإقليم كردستان مسعود بارزاني رد على كل تلك الجدالات عبر رسالة مفتوحة، معتبراً إياها أدوات سياسية لتقويض حقوق إقليم كردستان وما حققه من إنجازات. وقال: “نؤكد أن إقليم كردستان هو ملك للشعب الكردستاني، ونتاج نضال الشعب الكردستاني. ونعارض بشدة أي محاولة متهورة تسعى للتجاوز وتقويض كيان إقليم كردستان. فبالنسبة إلينا، إقليم كردستان ليس خطاً أحمر فحسب، بل هو خط الموت أيضاً، فإما كردستان أو الفناء”. 

 الباحث والكتاب روند بالكاني شرح في حديث إلى “النهار العربي” حيثيات توسع الخلافات بين الأحزاب الكردية، وتجاوزها المساحات والخلافات المحلية ضمن الإقليم بقوله: “في المحصلة، ثمة مكمنان للقوة في المزاحمة السياسية المتبادلة بين الحزبين الكرديين. فبينما يملك الديموقراطي الكردستاني أغلبية في برلمان الإقليم، ومتحالف مع أحزاب الأقليات وبعض البرلمانيين الآخرين، وعبر تلك الأغلبية يهيمن على موقع رئاسة الحكومة ورئاسة الإقليم، ويشغل مكانة اللاعب السياسي والاقتصادي الأول فيه، فإن الاتحاد الوطني يملك مجموعة من التحالفات السياسية الاستراتيجية مع أحزاب البرلمان المركزي التي تسعى عبره إلى الضغط على الديموقراطي الكردستاني. لكن انفجار خلافات الطرفين في الساحة السياسية المركزية، هو أولاً نتيجة الفشل في التوصل إلى توافقات بشأن الانتخابات المحلية وقانونها والسياسة الاقتصادية في الإقليم”.  رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان المركزي هريم كمال آغا رد على اتهامات الحزب الديموقراطي الكردستاني عبر تصريحات لوسائل إعلام محلية قال فيها: “الدفاع عن الموظفين والمتقاعدين من أولويات مهامنا في مشروع الموازنة، وأي فقرة أو مادة تضر بمواطني إقليم كردستان لا نؤيدها، والديموقراطي يطالب بحذف فقرة إرجاع الادخار الإجباري لرواتب الموظفين… نطالب بأن يكون هناك توازن وعدالة بين المحافظات، ونشدد على موقفنا حول ضرورة إرجاع الادخار الإجباري لرواتب الموظفين”. 

التعليقات معطلة.