يظهر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارته للصين نهاية هذا الأسبوع، طموحاً لاستئناف الحوار مع بكين لكن الولايات المتحدة لا تتوقع حدوث تغييرات عميقة. وبالنسبة إلى واشنطن، يتعلق الأمر قبل كل شيء باستعادة خطوط الاتصال المباشر مع بكين و”إدارة” التوترات من أجل تجنب مواجهة “عرضية” بعد أشهر من الاضطرابات منذ حادث المنطاد في شباط (فبراير). وقال الناطق باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر: “سيلتقي بلينكن مسؤولين بارزين في جمهورية الصين الشعبية حيث سيناقش أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة لإدارة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مسؤول”. بدوره، شدد كورت كامبل وهو مسؤول أميركي آخر، على أن الرحلة لا تمثل “نقطة تحول إستراتيجية”. وأضاف: “لن نتخلى عن حذرنا في ما يتعلّق بمصالحنا أو قيمنا أو نتوقف عن سعينا للحصول على ميزة تنافسية مستدامة”. لكنّ المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم يتوقعون إجراء “محادثات مباشرة وصادقة” مع السلطات الصينية حول كل القضايا الخلافية بين القوتين. ومن المقرر أن يصل بلينكن الأحد إلى بكين لإجراء محادثات مع مسؤولين صينيين، بمن فيهم نظيره تشين غانغ الذي تحدث معه عبر الهاتف مساء الثلثاء. وفي بيانها حول تلك المكالمة، اتّهمت وزارة الخارجية الصينية واشنطن بأنها “المسؤولة” الوحيدة عن الخلافات بين البلدين. ومن المرجح أن يستقبله الرئيس الصيني شي جينبينغ، لكن لم يتم تأكيد اجتماع بينهما.
مسألة تايوان بالنسبة إلى بلينكن الذي سيكون أعلى مسؤول أميركي يزور الصين منذ العام 2018، تبدو هذه الخطوة لعبة متوازنة ترمي إلى الإقناع من دون إكراه فيما يخوض الجانبان تنافساً حاداً. وما زالت العلاقات بين هاتين القوتين العظميين متوترة بسبب العديد من القضايا: العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، المنافسة في مجال التكنولوجيا، والتجارة والفنتانيل وحتى مطالب الصين في بحر الصين الجنوبي. وتعتبر الصين تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها لم تنجح في ضمه منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في العام 1949، وتعهدت إعادة ضم الجزيرة يوما ما، بالقوة إذا لزم الأمر. وفي نيسان (أبريل)، نفّذ الجيش الصيني مناورات عسكرية كبيرة تحاكي عملية تطويق للجزيرة استمرت ثلاثة أيام، ردا على توقف للرئيسة التايوانية قبل أيام من ذلك في الولايات المتحدة.
من جانب آخر، لا تخفي بكين استياءها مما تعتبره أهدافا توسعية للولايات المتحدة في منطقة آسيا- المحيط الهادئ. وحذّر وزير الدفاع الصيني لي شانغفو أخيرا من أن إقامة تحالفات عسكرية “مشابهة لحلف (شمال الأطلسي) الناتو” في منطقة آسيا-المحيط الهادئ تهدد بإغراق المنطقة في “زوبعة” من الصراعات. من جهتها، تقول واشنطن إنها ترصد التقارب الصيني الروسي من كثب، محذرة بكين من إمداد روسيا بالأسلحة، وهو أمر قد يتجاوز “خطا أحمر”. ولم تدن بكين أبدا الغزو الروسي لأوكرانيا.
“لا تنازلات”تأتي زيارة بلينكن عقب اجتماع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ على هامش قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا. وكان الزعيمان اتفقا خلال مناقشاتهما على التعاون بشأن بعض القضايا. لكن العلاقات بين القوتين توتّرت مجدداً في شباط (فبراير) بعدما حلّق منطاد صيني فوق الأراضي الأميركية. وقالت وقتها السلطات الأميركية إنه منطاد “تجسس” فيما أكدت بكين أنه جهاز خاص بالأرصاد الجوية انحرف عن مساره. وتحت الضغط، ألغى بلينكن رحلته إلى الصين في اللحظة الأخيرة. وفي غضون ذلك، استؤنفت الاتصالات على أعلى المستويات، باستثناء السلك العسكري، في الأسابيع الأخيرة، ما دفع الرئيس الأميركي إلى توقع “تحسّن” في العلاقات الثنائية. ويزداد ذلك أهمية منذ دُعي الرئيس الصيني إلى قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في تشرين الثاني (نوفمبر) في سان فرانسيسكو. وبالنسبة إلى جايكوب ستوكس من مركز “نيو أميريكن سيكيوريتي” فإن بكين “تؤيد أيضا فكرة أنه يجب الحفاظ على تواصل منتظم إلى حد ما” مع الولايات المتحدة رغم ريبتها إزاء واشنطن. من جهته، أوضح شي ينهونغ من جامعة الشعب في بكين أن “ترغب الولايات المتحدة والصين في تجنب تصعيد الخصومة بينهما… ومع ذلك، لا يظهر أي منهما استعداده لتقديم أي تنازلات رئيسية ودائمة، ويسعى ببساطة إلى القيام بما يُعتبر ضروريا أو مفيدا للحفاظ على استراتيجيته أو أمنه التكنولوجي”.