عمر الردّاد
يطرح اليوم وابل من الأسئلة بكثافة في ظل تغييرات دولية عميقة (عنوانها عودة القطبية الدولية بين أمريكا وروسيا)، وتطبيقاتها، الأكثر وضوحا، في منطقة الشرق الأوسط، عن مكانة إسرائيل والدور الذي يمكن أن تقوم به في المنطقة، وهل تغيرت تلك الوظيفة وذاك الدور،وما الذي يميز إسرائيل عن الدول الأخرى في المنطقة، هل هو قوتها العسكرية باعتبارها شرطي المنطقة القادر على الدفاع عن مصالحها ومصالح الغرب، وهل هو ديمقراطيتها باعتبارها دولة علمانية تلتزم بالتداول السلمي للسلطة وقيم الديمقراطية، خلافا لدول المنطقة العربية والإسلامية الغارقة في الأصولية والإرهاب والحروب الاثنية والفساد والدكتاتورية؟
إن تفكيك مقولة الجيش الإسرائيلي الأسطوري، تدور حولها استفاهمات كثيرة في ظل تغير طبيعة الحروب في عصر العولمة ، وتدل تطورات كثيرة على إن قوة الجيش الإسرائيلي تعرضت لامتحانين الأول : في حرب الخليج الأولى عام 990، ففي بعدها العسكرية كانت إعلانا بتراجع الدور العسكري لإسرائيل ، وشيوع قناعات في أوساط سياسية وعسكرية غربية ، خاصة في أمريكا وأوروبا أن إسرائيل لم تعد قادرة على القيام بهذه المهمة ،فكانت القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وحوله في دول الخليج ،حيث لم تستطع إسرائيل حماية نفسها من صواريخ صدام حسين ، والتي رغم عدم فاعليتها إلا أنها وصلت إلى قلب إسرائيل ،والثاني: الشكوك في قدرة إسرائيل على مواجهة صواريخ حزب الله في حرب تموز 2006 وحركة حماس،وما زالت تلك القدرة الصاروخية لحزب الله وحماس مهددا استراتيجيا لإسرائيل حتى اليوم، فيما كان تدخلها العسكري محدودا في سوريا بضربات منتقاة تستهدف فقط أسلحة في طريقها إلى حزب الله ، وذهبت لعقد صفقات مع الإرهابيين في داعش والقاعدة على حدود هضبة الجولان لضمان سلامة مستوطناتها في الشمال، في الوقت الذي كانت فيه التهديدات الإسرائيلية جادة ، خلال العام 2014 بتوجيه ضربات عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية، في إطار رفضها للصفقة النووية بين إيران والدول الست قبيل انجاز الصفقة .
لقد أصبح واضحا اليوم في ظل تلك المتغيرات إن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي ينحصر في كيفية حماية حدود إسرائيل بمواجهة إل(100) ألف صاروخ الإيرانية ، الموجودة بحوزة حزب الله ، إذا ما اندلعت حرب جديدة مع حزب الله ، خاصة وان تقديرات عسكرية تؤكد إمكانية وصول تلك الصواريخ لأية نقطة في إسرائيل ،إضافة لمستقبل الوجود الإيراني في سوريا من أسلحة وقواعد وتشكيلات عسكرية في إطار الحوارات حول التسوية في سوريا ،بالتوازي مع بناء جدران فصل مع الضفة الغربية وغور الأردن وفي مناطق وادي عربة حول ايلات على البحر الأحمر،فيما لم يعد مطروحا شعار إسرائيل التاريخي “أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات”،وكل ذلك يجري في ظل زيادة موازنات الدفاع العسكرية وشراء احدث الأسلحة وأخر ما أنتجته الصناعات الحربية الأمريكية.
وعلى الصعيد المقولة التاريخية بان إسرائيل دولة ديمقراطية ،فقد شهدت هي الأخرى تحولات عميقة ، أفضت إلى غياب صيغة الحزبين الكبيرين في العمل السياسي ” الليكود والعمل” لصالح أحزاب يمينية أصولية متطرفة صاعدة ، تمكنت من الوصول إلى الحكم ،وأصبحت الأحزاب الكبيرة تخضع لشروطها عند تشكيل الحكومات ،تلك الشروط التي تستند لنصوص دينية، لا تؤمن بالسلام بين العرب واليهود، وربما كان في استقالة وزير الصحة قبيل أيام احتجاجا على عدم احترام عطلة السبت ما يشير إلى أين وصل تأثير اليمين الإسرائيلي.
مخرجات المشهد السياسي في معالجة قضايا المنطقة ،تشير إلى أن القوى الكبرى اليوم ( أمريكا وروسيا) تعتقد أن الخيار الأنسب لانجاز حلول لمشكلات المنطقة يكمن في إجراء تسويات كبرى من جهة ، بإشراك القوى الإقليمية الكبرى في الإقليم ، تماما كما يجري في معالجة القضية السورية ، حيث التوافق الأمريكي الروسي على إشراك كل من إيران وتركيا والسعودية ومصر، ويبدو إن مقولة ” أمريكا تعتقد أن التفاهم مع الخصوم اقل كلفة من مواصلة دعم الحلفاء” تشق طريقها لترجمات فعلية على الأرض، وربما كان في محدودية التفاعل الأمريكي والروسي مع احتجاجات وتهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية بان أي حل لا يضمن إخراج إيران من سوريا ومعالجة تهديدات حزب الله لا يمكن القبول به، ما يؤشر لمكانة إسرائيل .
ومع ذلك فقد شكل التهديد الإيراني، سواءا برنامجها النووي أو الصاروخي أو تدخلاتها في المنطقة ، وصياغتها للصراع في المنطقة على أسس مذهبية (شيعة وسنة) في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتهديداتها لإسرائيل ( هناك قطاع واسع من العرب السنة يشككون في حقيقة التهديدات الإيرانية لإسرائيل ) مسوغا لإسرائيل لإظهار إيران باعتبارها عدوا مشتركا يهدد الدول العربية السنية وإسرائيل معا، وقد برزت الكثير من السياسات والمواقف التي تؤكد ذلك بعد وقبل توقيع الصفقة النووية مع إيران ،مما دفع بإطراف خليجية، تشعر أكثر من غيرها بخطورة التهديد الإيراني، لتسريع خطى التطبيع مع إسرائيل ، خلافا لمبادرة السلام العربية ، التي اشترطت انسحابا إسرائيليا من الأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية مقابل تطبيع عربي وإسلامي مع إسرائيل، وكل ذلك يتم في ظل مقاربة بان أي عمل ضد إيران بمشاركة إسرائيل فيه ، لا بد أن يعقب انجازا على صعيد القضية الفلسطينية ، فكانت صفقة القرن،ووفقا لما تسرب حولها يبدو انها لا تعدو كونها ” خلطة مسلوقة” لأفكار،تتضمن خلاصات مبادرات متعددة ، تم طرحها على مدى العشرين سنة ماضية، جوهرها لا دولة فلسطينية ، مع توسيع صلاحيات الإدارة الذاتية ورفع مستوى معيشة الفلسطينيين، مما يجعل وفقا لمراقبين ، احتمالات نجاحها محدودة.
وبالرغم من كل ما تقدم ، فلا يمكن تجاوز حقيقة أن مكانة إسرائيل لم تعد كما كانت سابقا، إلا أنها ما زالت تملك الكثير من عناصر القوة ، إن على صعيد القوة العسكرية ، أو على صعيد علاقاتها مع أوساط نافذة في أمريكا وأوروبا ،بالإضافة لمعاهدتي سلام مع جيرانها في مصر والأردن ، واتفاق سلام مع الفلسطينيين،لم تحقق جميعها سلاما وتطبيعا شعبيا يجعل من إسرائيل دولة مقبولة في الإقليم، وبقي محصورا في الأطر الرسمية ،موصوفا حينا بالسلام البارد وحينا بالدافئ، ومع ذلك فان المقاربة التي تزعم إن القوة لوحدها ستحقق السلام، أصبحت موضع شكوك عميقة، وتطرح التساؤلات فيما إذا كانت هناك خطوات بديلة لا بد من اتخاذها، يمكنها تحقيق السلام بغير المضامين التي تطرحها صفقة القرن ، ام ستذهب القيادة الإسرائيلية لمقاربة تصدير أزمتها لمحيطها الإقليمي؟