تقارير عربية بغداد
سيف العبيدي
عناصر من “الكردستاني” قرب سنجار، نوفمبر 2015
وجّه الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان العراق، اتهامات مباشرة لأطراف داخل تحالف “الإطار التنسيقي” في بغداد، بالعمل على عرقلة تنفيذ اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار، الواقعة على بعد 115 كيلومتراً غربي الموصل، والذي يقضي بإخراج الجماعات والفصائل المسلحة منها، وإعادة السكان وإعادة الإعمار، وذلك مع استمرار التزام حكومة محمد شياع السوداني الصمت حيال وضع المدينة المرتبك أمنياً.
سنجار، الواقعة على الطرف الشمالي الغربي العراقي المحاذي لمحافظة الحسكة السورية، وتتبع إدارياً لمحافظة نينوى، وعاصمتها الموصل، ما زالت أجزاء واسعة منها خاضعة لسيطرة مسلحي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، وأجنحة محلية مسلحة تابعة للحزب، إلى جانب مليشيات وفصائل مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”، تصنف على أنها حليفة لإيران، أبرزها “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، و”النجباء”.
وعلى الرغم من وجود القوات العراقية، متمثلة في الفرقة العاشرة في الجيش داخل المدينة، إلا أن وجودها يوصف بالشكلي. وحدثت بين الجيش ومسلحي “العمال” عدة مناوشات مسلحة خلال العامين الماضيين، بسبب محاولة الجيش العراقي الانتشار في مناطق داخل سنجار وضواحيها ورفض “الكردستاني” ذلك.
محما خليل: هناك فصائل مسلحة في الحشد الشعبي تدعم بقاء حزب العمال الكردستاني في سنجار
وتواصل أنقرة توجيه ضربات جوية على مواقع الجماعة المسلحة المصنفة لديها على لائحة الإرهاب داخل المدينة، وفي منطقتي سنوني وخانصور التابعتين لها على الشريط القريب من الأراضي السورية.
“العمال” يسيطر على أجزاء من سنجار
ويفرض “العمال الكردستاني”، والمليشيات الموالية له، السيطرة على أجزاء من قضاء سنجار، الذي يعد من المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل. كما تنتشر في القضاء فصائل عراقية في “الحشد الشعبي” عُرفت بولائها لإيران، واتُهمت بعرقلة تنفيذ اتفاق سنجار، الذي أبرمته الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، لكن لم ينفذ لغاية الآن.
وينص اتفاق سنجار الذي وقّعته الحكومة العراقية مع حكومة أربيل، برعاية الأمم المتحدة، على إنهاء وجود “العمال الكردستاني” وإخراج الفصائل المسلحة، وتسليم الملف الأمني في محيط المدينة للقوات العراقية من الجيش والشرطة الاتحادية، وفي مركز سنجار لقوات الشرطة المحلية والأمن الوطني التي يتكون منتسبوها من أبناء المدينة.تقارير عربية
تعهدات السوداني بتطبيع الأوضاع في سنجار لا تطمئن الكرد
كما ينص على تشكيل إدارة محلية مشتركة بين بغداد وأربيل تتولى مهمة إعمار سنجار وإعادة النازحين. وما زال أكثر من 300 ألف من أهالي المدينة يعيشون بمخيمات خارجها، على الرغم من مرور أكثر من 7 سنوات على تحرير المدينة وطرد تنظيم “داعش”، منها، وهم من الأكراد الأيزيديين والعرب.
اتهام “التنسيقي” بعرقلة تطبيق اتفاق سنجار
القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان، النائب بالبرلمان العراقي محما خليل، اتهم تحالف “الإطار التنسيقي” بـ”عرقلة تنفيذ الفقرة الواردة ضمن الاتفاق السياسي الخاصة بتنفيذ اتفاق سنجار”.
وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “على الرغم من إمكانية الوصول إلى الحل في سنجار، لكنه للأسف أصبح بعيداً، بسبب غياب الإرادة من قبل جهات سياسية متنفذة في بغداد في تحالف الإطار التنسيقي”. وقال خليل إن “حكومة السوداني لغاية الآن لم تتخذ أي إجراء فعلي على الأرض لتنفيذ اتفاق تطبيع الأوضاع في سنجار، وهناك فصائل مسلحة في الحشد الشعبي تدعم بقاء حزب العمال الكردستاني في سنجار. وتلك الفصائل، وعبر أجنحتها السياسية في الإطار التنسيقي، تعرقل تنفيذ اتفاق سنجار”.
وأكد خليل، الذي ينحدر من مدينة سنجار، وجود “أطراف داخل الإطار التنسيقي، انقلبت على تعهداتها حيال حسم أزمة سنجار وإعادة الاستقرار والنظام إليها، والمدينة أصبحت ساحة تصفية وصراعات إقليمية”، في إشارة إلى تركيا وإيران.
سنجار خارج سلطة الدولة
واعتبر خليل أن مدينة “سنجار خارج سلطة الدولة العراقية، ومحتلة من منظمة أجنبية وهي حزب العمال الكردستاني، ووجود القوات العراقية فيها شكلي، والسلطة الحقيقية بيد حزب العمال والفصائل الموالية له والحشد الشعبي”. وشدد على ضرورة أن تتدخل الأمم المتحدة في إلزام الحكومة العراقية بتنفيذ اتفاق سنجار، كونها كانت الشاهد على الاتفاق المبرم بين بغداد وأربيل، والخاص بتطبيع الأوضاع في القضاء.
ويرهن الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان إعادة الاستقرار إلى سنجار بتنفيذ اتفاق تطبيع الأوضاع في العراق، ويصر على تنفيذ بنوده، إذ جعله أحد شروطه في تشكيل حكومة السوداني الحالية خلال المفاوضات التي أُجريت ضمن تحالف “إدارة الدولة”.
ودعت المبعوثة الأممية إلى العراق جنين بلاسخارت خلال إحاطة قدمتها إلى مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، الحكومة العراقية إلى تنفيذ اتفاق سنجار. وأعربت عن إحباطها إزاء عدم تسجيل أي تقدم يُذكر في تنفيذ الاتفاق. وحذرت من أن عدم تطبيقه سيفسح المجال للمخربين لاستغلال الوضع، ما يعوق عودة النازحين مدة أطول.
مسؤول عراقي في بغداد قال، لـ”العربي الجديد” طالباً عدم ذكر اسمه، إن تحركات رئيس الوزراء حيال ملف سنجار محكومة بتحالف “الإطار التنسيقي”، ويوجد انقسام حاد بين قوى التحالف بشأن الملف.
وأضاف أن “قيادات داخل التحالف تعتبر أن اتفاقية تطبيع الأوضاع تصب في مصلحة الأكراد، وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وتطرح سيناريو بعيداً عن أربيل ولا يكون لحكومة الإقليم دور فيه، وأبرز تلك القيادات نوري المالكي وقيس الخزعلي، اللذان يصران على أن يكون للحشد الشعبي دور في سنجار خلافاً لاتفاقية تطبيع الأوضاع الموقعة بين بغداد وأربيل، إبان حكومة مصطفى الكاظمي السابقة”.
استبعاد تنفيذ الاتفاق الخاص بسنجار
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، فراس إلياس، استبعد تنفيذ الاتفاق الخاص بمدينة سنجار في الفترة المقبلة. وقال، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الفرص المتاحة أمام تطبيق اتفاق سنجار ما زالت ضعيفة للغاية، وذلك بسبب التداخل الأمني والإداري المعقد الذي تشهده المدينة”.
مجاهد الطائي: قضية سنجار لم تعد عراقية، إذ يتخللها التنافس بين إيران وتركيا في العراق
ورأى أن حكومة السوداني ليست بوارد إعادة إحياء هذا الاتفاق بسبب تعدد الملفات التي تحيط به. وأشار إلى أن الحكومات العراقية بعد عام 2003 ولغاية الآن عاجزة عن فرض سلطة الدولة على المدينة، تارة بسبب شمولها بالمادة 140 من الدستور، والخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وتارة أخرى بسبب خضوع المدينة لسيطرة “داعش”، أما اليوم فهي خاضعة لتأثير “العمال الكردستاني” والفصائل الأيزيدية المتحالفة معه، وهو سبب كافٍ للقول إن “الأزمة في سنجار أكبر من قدرة الحكومة العراقية على حلها”، وفق قوله.
وتابع أن “حل الوضع في سنجار يكمن في توافر الإرادة السياسية لدى الحكومة العراقية، عبر إجبار كل من تركيا وإيران على إنهاء تدخلاتهما في هذه المدينة، وإلزام الأطراف السياسية العراقية، وتحديداً التي تمتلك أجنحة مسلحة، بتهذيب سلوك هذه الأجنحة في سنجار، ونزع سلاحها، وجعل الملف الأمني في المدينة مسؤولية حصرية للدولة العراقية، وكذلك بناء تفاهمات جديدة مع إقليم كردستان حول الوضع في سنجار والمناطق الأخرى”.
أما الباحث في الشأن العراقي مجاهد الطائي فرأى استحالة تنفيذ اتفاق أكتوبر 2020، راهناً حل مشكلة سنجار بإنهاء التدخل الإيراني الذي سخّر حزب العمال الكردستاني لتنفيذ مصالحه في المنطقة، وفق قوله.
وقال الطائي، لـ”العربي الجديد”، إن “اتفاقية سنجار وُلدت ميتة أساساً لغياب فكرة إخراج مسلحي حزب العمال الكردستاني إلى مكان واضح، فمن غير الممكن تطبيق بند يتضمن إخراجهم من سنجار بدون توضيح إلى أين يخرجون”. وأضاف أن “قضية سنجار لم تعد قضية عراقية، إذ يتخللها التنافس بين إيران وتركيا في العراق، وقد وجدت إيران في حزب العمال مصالح مشتركة، وهي بارعة في توظيف المليشيات لصالحها، سواء الشيعية أو السنية أو الكردية”.
ولفت الباحث العراقي إلى أن وجود “العمال” يتجذر يوما بعد يوم في سنجار، بمساعدة حلفاء إيران في العراق الذين يقدمون لهم الدعم والإسناد والمال، والمال جزء منه مقدم من الحكومة العراقية نفسها عبر منظومة “الحشد الشعبي”، مبيناً أن “العمال” يفكر بالدخول في الانتخابات بدعم مرشح “كوتا” الأيزيديين الذين وجدوا معهم تعاوناً منذ محاربة تنظيم “داعش”.
وتابع الطائي أن “مواجهة حزب العمال قرار صعب سيضرب موازين قوى كثيرة ومتنفذة في المنطقة”. واستبعد أن يتمكن السوداني من مواجهة حلفائه أو مصالحهم. ورجح بقاء الوضع في سنجار على ما هو عليه، في حين ستسمح الحكومة العراقية بقصف تركيا لمسلحي التنظيم، وإن ادعت عكس ذلك، أو السماح بالقصف والتوغل مقابل إطلاق حصص العراق المائية من تركيا بدون تعقيد.