إدارة بايدن «تراقب عن كثب» التهديد الذي «لم ينته» ضد بوتين… وتواصل دعم أوكرانيا
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (رويترز)
- واشنطن: علي بردى
سعى المسؤولون الأميركيون إلى النأي ببلادهم عن التمرد العسكري الذي قاده زعيم جماعة «فاغنر» الروسية للمرتزقة، يفغيني بريغوجين، فيما يعد التحدي الأخطر منذ عقود لسلطة الرئيس فلاديمير بوتين، معترفين في الوقت ذاته بأن إدارة الرئيس جو بايدن «قلقة» من الفوضى «الخطيرة للغاية» كون روسيا بلداً لديه ترسانة نووية ضخمة.
وفي محاولة لتأكيد تصميمهم على مواصلة دعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد روسيا، ومساعدتها على استعادة أراضيها المحتلة بصرف النظر عن التطورات في روسيا، أجرى المسؤولون الأميركيون اتصالات على أرفع المستويات خلال الأيام القليلة الماضية، لتنسيق المواقف بين الدول الحليفة والشريكة حيال الأحداث الروسية. وتبلور ذلك في اتصالات أجراها الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، مع نظرائهم الأوكرانيين: الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وكل من الوزيرين ديمتري كوليبا وأوليكسي ريزنيكوف.
وواصل مسؤولو الاستخبارات والدبلوماسيون جهودهم لتشكيل فهم أوضح لسلسلة الأحداث التاريخية التي اندفعت في سياقها قوات المرتزقة على طريق سريعة، لتصل إلى مسافة 200 كيلومتر فقط من موسكو، من دون أن يتضح ما إذا كانت هذه محاولة انقلاب فاشلة. وعكست تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خشية إدارة بايدن من «التصدعات» في القيادة الروسية برئاسة بوتين، مذكراً بأن «القوات الروسية كانت قبل 16 شهراً على أعتاب كييف، معتقدة أنها ستستولي عليها في غضون أيام، وتمحو أوكرانيا من الخريطة كدولة مستقلة». أما الآن، فرأى أن «على روسيا أن تدافع عن موسكو (…) ضد مرتزقة من صنع بوتين»، طبقاً لما قاله بلينكن عبر شبكة «إن بي سي» الأميركية للتلفزيون، مضيفاً أن «لدينا كل أنواع المسائل الجديدة التي سيتعين على بوتين معالجتها في الأسابيع والأشهر المقبلة».
تقييم الاستخبارات
وتتصدر قائمة المسائل التي يحاول المسؤولون الاستخباريون التعامل معها، ما إذا كان بريغوجين نجح في زعزعة أسس الكرملين بقوة، إلى درجة يمكن أن تدفع بوتين إلى إقالة الجنرالات أو الوزراء الذي يقودون الحرب في أوكرانيا، كما طالب بريغوجين مراراً وتكراراً. وتساءل دبلوماسي غربي عن الوساطة التي قام بها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، لحمل بريغوجين على التراجع عن أعتاب موسكو. وتساءل: «لماذا هدأت (الأمور) بهذه السرعة؟ وكيف نال لوكاشينكو، وهو دمية لدى بوتين، الفضل؟»، مضيفاً: «ما هو تأثير ذلك على دفاعات روسيا؟ وهل ستكون هناك أي تغييرات في الأفراد في القيادة العسكرية؟».
ورأى بلينكن أنه على الرغم من التسوية التي أعلنها لوكاشينكو، فإن التهديد المحتمل لبوتين ربما لم ينتهِ. وقال إن «هذه قصة تتكشف (…) لم نشهد الفصل الأخير. نحن نراقب ذلك عن كثب»، مضيفاً أن ما حصل يشكِّل «على الأقل، مصدر إلهاء إضافي، بالنسبة إلى بوتين وروسيا، أعتقد أنه لمصلحة أوكرانيا». وكرر أن الاضطراب الذي أحدثه بريغوجين هو «مجرد الفصل الأخير في كتاب الفشل الذي كتبه بوتين لنفسه ولروسيا».
وشكك أحد مسؤولي الاستخبارات الغربية في بقاء بريغوجين في بيلاروسيا، متكهناً بأنه «إما سيُقتل وإما سيواصل تحدي المؤسسة العسكرية الروسية من الخارج». ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن عضو مجلس العموم البريطاني بوب سيلي الذي يعمل في لجنة الشؤون الخارجية التي تحقق مع «فاغنر» منذ عامين، تساؤلات عما إذا كان بوتين يخشى من أن الجيش لم ينفذ أوامره بمنع قوات «فاغنر» من دخول موسكو السبت الماضي، قبل تسوية الوضع بوساطة لوكاشينكو. وقال إنه «إذا طلب بوتين من القوات الروسية مهاجمة (فاغنر)، وجاء الجواب: لا»، فإن «بوتين كان في مرحلة يائسة».
وقال دبلوماسي أوروبي كبير آخر، إن «الحلفاء يأملون في فهم ما سيفعله بوتين محلياً رداً على الاضطرابات، وخصوصاً فيما يتعلق بأي خطوات مقبلة في حالة الجمود على جبهة الحرب الأوكرانية». ورأى أنه «حتى الأجهزة الروسية تحير قادتها»، مضيفاً: «سنحتاج إلى بعض الوقت للاستيعاب، وأيضاً لنرى إلى أين تتحرك الأمور».
المشرعون الأميركيون
واتفق المشرعون الأميركيون، من الديمقراطيين والجمهوريين، على أن الأحداث أضعفت بوتين وعززت عزم الولايات المتحدة على مواصلة دعم أوكرانيا، علماً بأن بعض مسؤولي الاستخبارات تريثوا قبل استنتاج أن تحدي بريغوجين أضعف حقاً بوتين. لكن المسؤولين أعلنوا أنهم «سيراقبون عن كثب أي مؤشرات إلى أن بوتين يمكن أن يغيّر اثنين من كبار القادة العسكريين الذين استهدفهم بريغوجين، وهما وزير الدفاع سيرغي شويغو، وقائد الأركان العامة الجنرال فاليري غيراسيموف، علماً بأن إقالتهما يمكن أن تعني أن بوتين يسلِّم باحتجاجات بريغوجين ضد هذين القائدين العسكريين، وأن النخبة الروسية فقدت الثقة في قيادتها».
أما بالنسبة لخطوة بريغوجين التالية، يهتم المسؤولون الأميركيون والغربيون بشدة، بمعرفة ما إذا كان الخلاف مع بوتين سيدفعه إلى إبعاد الحكومة الروسية عن «فاغنر»، وسحب الدعم لعملياتها العسكرية والأمنية الواسعة في أفريقيا والشرق الأوسط.
ورأت السيناتورة الديمقراطية آيمي كلوبوشار، أن تمرد بريغوجين «مؤشر على تصدعات أعمق في موسكو»، إذ إنه «يظهر تصدعاً واضحاً في قوة فلاديمير بوتين الداخلية». واعتبرت أن ما حصل كان «رفضاً واضحاً لسياسته الحربية، من رجل كان حليفه ومن الواضح أنه تمرد عليه».
أما المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أيه»، الجنرال ديفيد بترايوس، فوصف الأحداث بأنها انعكاس لضعف من جانب بريغوجين. وقال: «من الواضح أن بريغوجين فقد أعصابه»، مضيفاً أن بريغوجين «كان على بعد نحو ساعتين بالسيارة من ضواحي موسكو؛ حيث بدأوا في إعداد مواقع دفاعية. هذا التمرد، على الرغم من أنه لقي بعض التصفيق على طول الطريق، لا يبدو أنه يولِّد هذا النوع من الدعم الذي كان يأمل أن يحصل». ورأى أن بوتين «يجب أن يكون حذراً للغاية حول النوافذ المفتوحة في محيط بريغوجين الجديد في بيلاروسيا؛ حيث يتوجه».
ورأى النائب الديمقراطي راجا كريشنامورثي أن ما يحصل «معركة بين زعيمين من القساة، وأيضاً رد فعل مناسب على تصرفات بوتين في السنوات الأخيرة». وفي إشارة إلى بوتين، قال: «إنك تحصد ما تزرع».
وقال النائب الجمهوري دون بيكون، إن وضع بوتين «هش»، مضيفاً أن «الجواب الحقيقي الوحيد هنا هو أن على بوتين إيقاف هذه الحرب والانسحاب من أوكرانيا (…) إذا كان يريد إنقاذ بلاده، وحفظ موقعه القيادي. أعتقد أن هذا هو الجواب الوحيد حقاً».
وأكد السفير الأميركي السابق في موسكو، جون سوليفان، أن بوتين «خصم عنيد للولايات المتحدة؛ لكن البديل قد يكون أسوأ». وأضاف: «لذلك أعتقد أن إدارة بايدن قلقة بحق… من الفوضى وعدم اليقين في روسيا، مع ترسانتها النووية، فهذا أمر خطير للغاية، ليس فقط على الولايات المتحدة، ولكن على العالم».