تطلعات متباينة حول تركيبة مجلس الأمة وعودة الشيخ أحمد الفهد للحقائب الوزارية
سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت
حققت المعارضة الكويتية نجاحاً باهراً في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة (أ ف ب)
قبل أيام، شكل الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح حكومته الخامسة خلال عامين من تكليفه برئاسة الوزراء، وجاء هذا التشكيل بعد انتخابات برلمانية جرت في السادس من هذا الشهر حققت فيها “المعارضة” الكويتية نجاحاً باهراً، وقد وضعتُ كلمة المعارضة بين قوسين لأن المعارضة الكويتية لا تصدق عليها معايير المعارضة المعروفة بالديمقراطيات التقليدية، فهي معارضة في الغالب قبلية وطائفية وفئوية ومصلحية بل حتى “شخصانية” أحياناً. لكنها معارضة متوافقة مع الحكومة الحالية، ورئيس البرلمان المخضرم أحمد السعدون تماهى في تصريحاته مع خطاب التهدئة الحكومية بعدما زكاه البرلمان الحالي رئيساً من دون منافس.
التركيبة البرلمانية تغلب عليها القوى الدينية الممثلة بحوالى 20 نائباً من الإخوان والسلف والشيعة السياسية، و20 آخرين هم خليط من القوى الدينية والقبلية، استخدمت غالبيتهم شعارات دينية “بفزعة” قبلية للوصول إلى البرلمان. والبقية هم خليط من شخصيات إما أنها وسطية الطرح، أو عديمة اللون والطعم السياسي، وغاب تماماً عن هذا البرلمان أي عضو يعلن مدنيته أو ليبراليته ووضوحه في تصوراته للدولة المدنية الحديثة.
ولم يكن للمرأة التي شاركت في الانتخابات أكثر من مشاركة الرجال إلا مقعداً واحداً تبوأته مهندسة تكنوقراطية هي جنان بوشهري وتوصف بالحياد السياسي في معظم مواقفها. ولعل غياب المرأة عن البرلمان الكويتي بعد إقرار حقها الانتخابي بحوالى 20 عاماً، مسألة تستدعي التوقف عندها ودراستها.
ينقسم الشارع الكويتي، وتعيش “الديوانيات” الكويتية حالاً نفسية ثنائية، فمن متفائل بنتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة يبشر بعهد جديد من الإصلاح ومحاربة الفساد واستعادة الكويت لدورها الريادي الإقليمي، إلى متشائم يردد المثل الشعبي، “هذا سيفوه، وهذي خلاجينه”.
يرى المتفائلون أن توافق البرلمان والحكومة سينتج منه تعاون تشريعي طال انتظاره لتعديل قوانين تتعلق بالفساد والحريات والدوائر الانتخابية وقوانين المحكمة الدستورية وتحسين الأوضاع الاقتصادية وضبط التضخم وارتفاع الأسعار والتركيز على التعليم النوعي ومحاربة المخدرات وتحسين الخدمات العامة وحق اللجوء إلى القضاء في حال نزع الجنسية وحل مشكلة البدون وتعديل التركيبة السكانية بما في ذلك الكشف عن تزوير الجنسية. وهي قوانين ملحة لم تر النور منذ عشرات السنين، لكن المتشائمين يتساءلون كيف لهذه القوانين أن تتحقق بأشهر أو أسابيع قليلة من قبل برلمان تسكنه “دواعش” برلمانية، قد يقلبون الطاولة ويشغلون الرأي العام بتوافه القضايا مثل السحر والظواهر السلبية التي لم تقبل المحكمة الدستورية قوانينها لغموضها وعدم وضوحها؟ بل برلمان غالبية أعضائه غضة العظم البرلماني وتفتقد إلى الخبرة السياسية بمن في ذلك رئيس الحكومة نفسه.
وهنا ينبري المتفائلون بالإشارة إلى وجود العائد الجديد في الوزارة الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع، مشيدين بشعبيته المحلية والإقليمية وقدرته على المناورة السياسية بدهاء وحنكة وحدسه السياسي بمعرفته بالأولويات التي يتطلع الكويتيون لها.
لكن المتشائمين يشيرون إلى تجربته السابقة في الوزارة وينتقدون تهوره السابق وليس حكمته وحنكته، ووقوعه بأخطاء كادت تفقده الأمل في العودة للواجهة السياسية من جديد، وعدم ثقتهم بأنه تعلم من أخطاء الماضي، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك باتهامه بتبذير أموال خطة التنمية بالمليارات من دون نتائج.
وهنا يعود المدافعون عن “العهد الجديد”، لقد تعلم الشيخ أحمد كثيراً من تجارب الماضي والدليل عودته القوية لبرلمان يتمتع بعلاقات قوية مع معظم أعضائه بمن فيهم الرئيس ونائبه، وبالنسبة إلى اتهامه بالفساد فهم يستشهدون بمن كان خصماً سياسياً له وهو النائب السابق صالح الملا الذي برأه من أن يكون قد تعدى على المال العام الذي رصد لخطة التنمية بتغريدة قال فيها “أحمد الفهد لم يستلمها كانت بعهدة الحكومة، ولا يساءل عنها بوفهد. وهي أصلاً لم تصرف!”، وأضاف الملا “شخصياً صوّت وقتها ضد خطة التنمية السخيفة، وضد الموازنة. لكن الظلم ظلمات”.
لكن الشيخ أحمد الفهد لا يستطيع أن يدير مشهداً معقداً لعلاقة البرلمان بالحكومة وهي التي تحمل كثيراً من التناقضات وعدم الوضوح في الرؤية والبرنامج، ومهما كان المجلس “طيّعاً”، فإن الشعبوية تتطلب وضع العصا في العربة من بعض النواب، وهو ما سيسبب لرئيس الوزراء ونوابه صداعاً سياسياً سيتحول إلى شقيقة دائمة، وسنرى الاستجوابات الاستعراضية التي ستتجاوز مشهد المساءلة إلى ما هو أبعد من ذلك.
المحايدون والمراقبون الحذرون ينتظرون، ويرفضون الانحياز لفريق التفاؤل أو الانضمام إلى فريق التشاؤم، ويبنون موقفهم على تطورات محاربة الفساد وقدرة الفهد على فتح ملفات الفساد في وزارة الدفاع التي أشهرها صندوق الجيش والـ”يوروفايتر” وتدمير المنطاد وشغور المناصب القيادية العسكرية بناء على معايير المهنية والأداء وليس بناء على الترضيات والمحسوبيات وشراء الولاءات. كما ينتظر المتريثون من رئيس الوزراء قرارات حكومية جذرية بالإصلاح السياسي والإداري إن تمت بسرعة ووضوح وحزم، فإنها ستكون مؤشراً على تفاؤل المرحلة المقبلة، وإن بقيت تراوح في مكانها، فإن المحايد سينضم إلى فريق “هذا سيفوه”.