آراء
إياد الدليمي
ليست المرّة الأولى التي يحرق فيها المصحف الشريف أحد المتطرفين في السويد أو غيرها من دول أوروبية تعتبر هذا من حرية التعبير، ولكن ما قام به العراقي سلوان موميكا هذه المرّة أخذ حيزا كبيرا من التفاعل، وخصوصا في العراق، الذي وجد نفسه في خضم صراع كان آخر ما يحتاجه هذا البلد المنهك بصراعاته الداخلية ونفوذ قواه الممتدّ إلى خارج حدود الوطن، فكانت بغداد على موعدٍ مع أيام لاهبة لا تقلّ لهيباً عن أيام صيفه اللاهب في ظل انقطاع متكرّر للتيار الكهربائي، بعدما قرّرت طهران تقنين تصدير الغاز إلى العراق لتشغيل محطاته الكهربائية، كما في كل صيف.
ولعل معرفةً بخلفيات موميكا الذي أقدم على فعلته القبيحة تجعلنا نقف على كثير من خفايا ما جرى، ليس فقط من ناحية عقيدته التي يفخر بأنها عقيدة إلحاد ولا تعترف بدين، رغم أنه مسيحي الديانة، وكان أحد أقطاب الحشد المسيحي الذي تشكّل عقب احتلال “داعش” مدينة الموصل، ولكن بسبب انتماءاته السياسية المتلونة، والتي تجعل من معرفة خلفياته عاملا مساعدا على فهم ما جرى وكيف جرى، وخصوصا أن الرجل يعتزم تكرار فعلته القبيحة، إن وافقت له السلطات السويدية على ذلك.
ربما من أكثر المعلومات الغريبة في خلفية هذا الرجل أنه اعتقل في العراق عقب تحرير الموصل بنحو عام، وتحديدا في 2017، بعدما شارك في تلك المعارك من خلال تشكيل مسلّح أطلق عليه اسم “صقور السريان” وتهمته حينها انتهاكات جسيمة وصلت إلى قتل أطفال وحرق مساجد في الموصل.
الغرابة ليست هنا، فهذا فعلته مليشيات كثيرة شاركت في معركة تحرير الموصل. ورغم ذلك، ما زال زعماء تلك المليشيات أحرارا، بل وصل بعضهم إلى البرلمان وصار آخرون وزراء وهكذا. الغرابة أن اعتقال سلوان موميكا لم يدم طويلا، حيث جرى الإفراج عنه إثر ضغوط دولية، بحسب مصادر عراقية على معرفة بالرجل وبحيثيات اعتقاله والإفراج عنه.
يبدو أن سلوان موميكا لم يكن سوى مجرّد أداة بيد حزب العمّال الكردستاني
بعد الإفراج عنه، هرّب حزب العمال الكردستاني، التركي المصنّف على لائحة الإرهاب التركية، والموجود في منطقة سنجار في شمال العراق، سلوان صباح موميكا إلى السويد، وهناك أعلن إلحاده، وانتمى إلى الحزب الديمقراطي السويدي، وحصل على الجنسية السويدية.
كان سلوان موميكا أحد القيادات في قوة حماية شنكال (سنجار) التي شكّلها حزب العمّال الكردستاني (التركي)، والتي ما زالت تتلقى رواتبها من بغداد، كون عناصرها ينتمون إلى الحشد الشعبي، وهذا أحد غرائب السياسة العراقية التي ترفض القصف التركي على مواقع هذا الحزب في شمال العراق، وتطالبه، في الوقت نفسه، بالانسحاب من الأراضي العراقية، وتدفع لعناصره رواتبهم أيضا. غير أن العارف ببواطن السياسة العراقية يدرك أن ملفّ حزب العمّال ليس بيد الحكومة العراقية، وإنما بيد طهران التي ترفض المساس بوجوده. ولذلك سبق أن فشل اتفاق سنجار الذي جرى التوقيع عليه بين بغداد وأربيل لطرد عناصر الحزب من شمال العراق.
تتابع فصول الغرابة في حياة سلوان موميكا وشخصيته، وهو الذي يبدو أنه لم يكن سوى مجرّد أداة بيد حزب العمّال الكردستاني الذي كان من أشد المناوئين لصفقة انضمام السويد لحلف الناتو، كونها تتعارض، إلى حد كبير، مع قوته الدولية التي يستمدّها في الغالب من دعم السويد له وإيوائها عشرات وربما مئات من عناصره، فالصفقة التي كانت تنتظر موافقة تركيا كانت تقضي بتسليم السويد قائمة تضم عشراتٍ من عناصره المطلوبين للقضاء التركي والذين تورّطوا في أعمال عنف داخل تركيا أدّت إلى مقتل عشرات من المدنيين الأتراك.
بات على السويد اليوم مراجعة قوانينها التي تسمح بإهانة المقدّسات الدينية
تبخّرت هذه الصفقة بعد ما فعله سلوان، وبات على السويد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مراجعة ليس فقط علاقتها بهذا الحزب الإرهابي، وإنما أيضا مراجعة قوانينها التي تسمح بإهانة المقدّسات الدينية، والإسلامية منها تحديدا، حتى لا تكون مثل هذه الأفعال بوابة لتحقيق هدف لهذا الحزب أو ذاك التيار بما يؤدّي إلى خسارة السويد كثيرا من مكتسباتها، وفي مقدمتها علاقتها بالعالمين العربي والإسلامي.
أما عراقيا، فلا تعدو عملية التسابق من بعض الأطراف السياسية العراقية لإدانة العملية كونها محاولة لغسل أيادٍ ملوّثة بدماء العراقيين، ومغمّسة بحبر مصاحف بغداد الأزرق، يوم أن انتقمت تلك المليشيات لعملية تفجير مرقد الإمامين في سامراء عام 2006 بحملةٍ شعواء أدّت إلى مقتل قرابة الألفي عراقي في غضون ساعات، ناهيك عن تدمير مئات المساجد وحرقها، بما فيها من صحف وكتب علمية، في مجزرة لم يقترفها قبلهم سوى هولاكو.
عموما، على السويد أن تكون أكثر قدرة على ضبط قوانينها وأن تفرّق بين حرية التعبير وانتهاك مقدّساتٍ لدى هذه الطائفة أو تلك الديانة، وخصوصا أنها اليوم تضم مجتمعا متعدّدا يجمع بين ثناياه متناقضات وكوامن كثيرة قابلة للاشتعال في أي لحظة، إن لم تُحسن سياسة الموازنات والمصالح، سواء داخليا أو حتى خارجيا.