بعد حرق المصحف.. شراكة العراق والاتحاد الأوروبي معرضة للخطر
الحرة / خاص – واشنطن
خلال الأعوام المالية الثلاثة الماضية (2020-2022) بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق والاتحاد الأوروبي نحو خمسين مليار يورو، نصفها في العام الماضي وحده، قبل تعصف أزمة حرق المصحف بعلاقات الجانبين.
ووفقا لأرقام الاتحاد الأوروبي، صدر العراق منتجات نفطية ومعادن بقيمة 7.2 مليار يورو في 2020، و12.9 مليار يورو في 2021، وارتفعت الصادرات العراقية للاتحاد لتصل إلى 24 مليار يورو في 2022.
بينما استورد العراق منتجات كهربائية ومعدات تحويل طاقة وصادرات زراعية بقيمة 3.5 مليار، و4 مليار، و4.5 مليارا في الأعوام الثلاث الماضية.
لكن غيوما ثقيل ألقت بظلالها على العلاقات بين الجانبين، من قطع العراق علاقاته مع السويد، للمرة الأولى المرة الأولى منذ بدآ التبادل الديبلوماسي عام 1964 حينما افتتحت السويد سفارة مستقلة في بغداد بعد أن كانت سفارتها في طهران تغطي كلا من إيران والعراق.
كما أن حرق مقر السفارة السويدية في بغداد وتكرار واقعة حرق القرآن في الدنمارك، وإلغاء زيارة مزمعة لوزير الدفاع الألماني إلى بغداد على خلفية التوتر، جعل المراقبين قلقين من احتمال زيادة التطورات السلبية بين العراق وأوروبا.
حرق السفارة وطرد السفير
في أعقاب حرق العلم العراقي والقرآن أمام مبنى السفارة العراقية في استوكهولم الأربعاء الماضي، خرج متظاهرون غاضبون، ينتمي أغلبهم إلى التيار الصدري، وهاجموا السفارة السويدية في بغداد وقاموا بإحراقها، الخميس.h
وفي اليوم ذاته، أعلن العراق طرد السفيرة السويدية جيسيكا سفاردستروم من البلاد وسحب القائم بالأعمال العراقي، بيوان جاسم من ستوكهولم.
واتصل موقع “الحرة” بالسفارة العراقية في السويد، ووزارة الخارجية العراقية، من دون الحصول على رد.
ووعد المتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، بالإدلاء بتصريحات للموقع، لكنه توقف عن الإجابة عن استفسارات الموقع بشأن ما إذا كان طاقم السفارة العراقية في استوكهولم غادرها بالكامل.
وقال مصدر ديبلوماسي يعمل في سفارة العراق في السويد للموقع إن “طاقم السفارة لا يزال موجودا في السويد”، مضيفا أن الطاقم تلقى توجيهات للاستعداد للمغادرة في أي وقت.
ووفقا للمصدر الذي طلب عدم الإشارة لاسمه أو منصبه، فإن وزارة الخارجية العراقية أعدت خطة لتوزيع الطواقم على سفارات دول أخرى “قريبة”، لكنه يقول إن مشاكل عدة قد تواجه الجالية العراقية الكبيرة في السويد، والتي تعتمد على السفارة لإصدار جوازات السفر والتوكيلات القانونية وغيرها.
ولا يوجد تعداد رسمي لأعداد الجالية العراقية في السويد، لكن شبكة NBC الأميركية تقول إن البلاد تستضيف أكبر جالية عراقية تعيش في أوروبا، وتقدر الأعداد بأكثر من 130 ألف شخص.
ولا يعرف عدد السويديين الموجودين في العراق على وجه الدقة، أو ما إذا كانوا غادروا البلاد.
وحاول موقع “الحرة” الاتصال بالسفارة السويدية في بغداد لكن ردا أوتماتيكيا قال إن “الردود على الاستفسارات قد تتعطل بسبب تعرض السفارة إلى الاقتحام”.
كما لم تجب السفارة السويدية في واشنطن على استفسارات الموقع حتى الآن.
تداعيات قطع العلاقات
يعمل الاتحاد الأوروبي كوحدة واحدة في الكثير من المجالات القانونية والاقتصادية والدفاعية، لكن دوله تحتفظ باستقلاليتها في ما يخص علاقاتها الخارجية مع الدول إلى حد كبير، شرط أن لا تتعارض تلك العلاقات مع مصالح الاتحاد الاستراتيجية وأمنه، وفقا للمادة 26 من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تنص على أن المجلس الأوروبي يحدد المصالح الاستراتيجية للاتحاد، ويحدد المبادئ التوجيهية العامة للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
ولدى العراق علاقات مع جميع دول الاتحاد، باستثناء السويد حاليا، ومن غير المعروف كيف سيتصرف الاتحاد بهذا الخصوص.
وتمتلك السويد بدورها علاقات مع أغلب دول العالم، وكان آخر انفتاح ديبلوماسي لها، بعد قطيعة، مع الفاتيكان، أنهى في عام 1983 قطيعة استمرت 450 عاما.
ولا يعرف للسويد أي قطيعة في العلاقات مع أية دولة، باستثناء إيقاف مؤقت لعمل السفارة في كوريا الشمالية عام 2020.
ويقول المحلل السياسي العراقي ياسين عزيز إن الأزمة مع السويد كان لها “خصوصية” لكون الفعل الذي سببها تكرر رغم تحذيرات بغداد، وأيضا لكون من قام بالفعل هو شخص عراقي الجنسية.
وتطالب بغداد السويد بتسليم حارق المصحف ومدنس العلم العراقي، سلوان موميكا، لكن لا يبدو حتى الآن أن السويد تستجيب للطلب.
وموميكا، وفقا للمصدر في السفارة العراقية في السويد، لا يتمتع بوضعية اللاجئ، كما أنه لا يتمتع بإقامة دائمة في السويد.
ويقول المصدر إن هذا يمنح العراق فرصا أكبر في إقناع السويد بإعادته إلى البلاد.
وقالت وزارة الخارجية العراقية، الإثنين، إن الطاقم الدبلوماسي الدنماركي غادر البلاد منذ يومين، فيما دعت الدول الأوروبية إلى “إعادة النظر سريعا بما يسمى حرية التعبير والحق في التظاهر”.
ونفت وزارة الخارجية الدنماركية، الاثنين، انسحاب بعثتها الدبلوماسية من العراق، بعد احتجاجات في بغداد بعد حرق نسخة من المصحف في العاصمة كوبنهاغن.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الدنماركية، إن السفارة في بغداد مغلقة بسبب العطلة الصيفية منذ 22 يوليو.
ويمثل قطع العلاقات آخر مرحلة للتصعيد الديبلوماسي بين الدول، ويقول المحلل عزيز إن هذا الإجراء قد يسبب حرجا للحكومة العراقية في المستقبل.
وبعد حرق المصحف في الدنمارك يقول عزيز إن “الحكومة العراقية ستكون في حرج كبير اذا لم تتخذ الإجراء نفسه الذي اتخذته تجاه السويد”، في حال لم تقم الدنمارك بإجراءات لتهدئة العراق.
ودانت الخارجية الدنماركية حرق المصحف، لكنها شددت أيضا على أهمية حماية حرية التعبير، مما قد يعني أنها قد تسمح بتكرار الفعل مجددا.
ويقول المحلل السياسي “لمنع تكرار ما حدث في دول أوروبية أخرى، فإن على الديبلوماسية العراقية التحرك على الدول الأوروبية، لكن ليس بمفردها بل بدعم من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والذهاب إلى تدويل القضية لأنه من الصعب أن تقوم الحكومة العراقية بقطع علاقاتها مع دول كثيرة”.
ودعا عزيز الحكومة إلى “انتهاج منهج عقلاني و حكيم من أجل منع تطور هذه الأمور”.
وحظي موقف العراق بإشادة من مراقبين عرب، لكن الموقف الرسمي العربي لا يزال غير واضح تجاه قطع العلاقات بسبب حرق المصحف.
ويقول أستاذ القانون الدولي المصري، أيمن سلامة لموقع “الحرة” إن “ترخيص السويد […] جهل بالأعراف الدبلوماسية وانتهاك صارخ لأحكام عديدة في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961”.
ويعتقد سلامة إن الترخيص السويدي يمثل “امتهانا لسيادة دولة و إجحافا باستقلالها و إزدراء لمكانتها بين الأمم”.
مستقبل العلاقة
يشير المصدر الديبلوماسي العراقي، والذي يعمل في سفارة العراق في استوكهولم إلى أن “العلاقات الإدارية لا تزال موجودة بين البلدين”.
ويعني المصدر بالعلاقات الإدارية، الاستفسارات الأمنية وإجراءات منح الفيزا وغيرها من المخاطبات الرسمية، وفقا للمصدر.
كما إنه يقول إن هناك اتجاها عراقيا يتمثل في “تهدئة التصريحات الإعلامية بشأن الموضوع”، وربما استعادة العلاقات تدريجيا بعد فترة، كما يشير إلى اتجاه آخر يدفع نحو “خفض التمثيل الديبلوماسي ولكن عدم إلغائه بشكل كامل، والحفاظ على الفرق الفنية التي تسهل معاملات الجالية العراقية في السويد”.
وضاعف الاتحاد الأوروبي في عام 2022 صادراته من العراق، وهي في أغلبها وقود، من نحو 14 مليار دولارا في عام 2021، إلى 26 مليار دولار في 2022.
ويبلغ هذا نحو عشرين بالمئة من مجمل الموازنة العراقية لعام 2022.
ولم يقطع العراق العلاقات الاقتصادية مع السويد بشكل كامل، مع أن التبادل التجاري بين البلدين غير كبير.
وبلغ حجم الصادرات السويدية إلى العراق في عام 2022 أكثر من خمسين مليون دولار بقليل، نحو 40 بالمئة منها على شكل أدوية وعقاقير ومعدات طبية، والباقي توزع بين المواد الكيمياوية، والمعدات الميكانيكية والكهربائية وغيرها.
وبالنسبة للدنمارك، فقد استورد العراق مستلزمات بقيمة 50 مليون دولارا خلال عام 2021، بينما صدر لها مواد بقيمة عشرين ألف دولار فقط.
لكن التبادل التجاري العراقي الألماني كان أكبر بكثير، حيث صدر العراق وقودا بنحو مليار دولار لألمانيا في عام 2021، واستورد منها معدات بنفس القيمة تقريبا.
وطال التوتر المنظمات المدنية التابعة لدول أوروبية أيضا، حيث أكد المجلس الدنماركي للاجئين، السبت، تعرض موقع له في جنوب العراق إلى “هجوم مسلح”، مضيفا في بيان أن موظفيه “لم يتعرضوا لأذى جسدي”، لكن المبنى قد أحرق.الحرة / خاص – واشنطن