لا توجد تقنية معمارية معينة يمكنها أن تحل مشكلة اشتداد الحرارة التي اجتاحت أوروبا هذا الصيف، لكن خبراء يقولون إن تقنيات البناء المستدامة يمكن أن تسهم إسهاماً كبيراً في حماية السكان من موجات الحر الشديدة، لا سيما في أوروبا التي يقل الاعتماد فيها على أجهزة التكييف.
حيث نقلت صحيفة The New York Times الأمريكية، الجمعة 28 يوليو/تموز 2023، عن ماريالينا نيكولوبولو، أستاذة الهندسة المعمارية المستدامة بجامعة كنت البريطانية، قولها: “إن هذه التقنيات تشمل الأفنية، والمصاريع الثقيلة، والطلاء العاكس، والواجهات المبنية من الحجر الأبيض. فهذه الوسائل يمكن أن تحافظ على برودة المنازل بطريقة طبيعية، وتقلل من الحاجة إلى تكييف الهواء. ومع ذلك، فإن هناك مشكلة أخرى تواجه مدن البحر المتوسط التي تعرضت للارتفاع الشديد في الحرارة هذا الصيف، وهي أن كثيراً من المباني الحديثة في هذه المدن اعتمدت على أساليب العمارة الغربية التي ترمي تصميماتها إلى عزل الحرارة داخل المباني”.
وقال الدكتورة ماريالينا في لقاء لها من العاصمة اليونانية أثينا: “لقد أخذنا نستورد العمارة الغربية وغفلنا عن الوسائل التقليدية المحلية”، فالمباني الشاهقة الحديثة، وأسفلت الطرق، كلها تقنيات تحبس الحرارة، وتعزز من العوامل التي تنشأ عنها الظاهرة المعروفة باسم “الجزر الحرارية الحضرية”، حيث تكون المدن أشد حرارة من المناطق الريفية المحيطة بها.
أما في الولايات المتحدة، فقد بدأ بعض أصحاب المنازل والشركات يستثمرون في تقنيات منخفضة التكلفة لتبريد المباني، مثل طلاء الأسطح باللون الأبيض أو أي لون عاكس يساعد في تقليل استهلاك المكيفات للطاقة.
تأثير الأنماط المعمارية
وقالت كاتالينا سباتارو، بروفيسور الطاقة والموارد العالمية بمعهد الطاقة بجامعة لندن، إن البيوت التقليدية في دول البحر المتوسط -مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال- يعتمد كثير منها على الأنماط المعمارية التي تسمح بمرور نسمات الهواء من خلال المنازل. فالجدران السميكة تمتص الحرارة أثناء النهار وتُطلقها في الليل، وتساعد أسقف الظل -مثل البرجولات- في الحفاظ على البرودة وتقليل التعرض لأشعة الشمس. كما توفر الممرات الضيقة والأشجار الظلَّ للمشاة.
فيما يقول خبراء التبريد إن الاعتماد المتزايد على تكييف الهواء -الذي يستهلك كثيراً من الطاقة- ليس حلاً فعالاً على المدى الطويل. فقد كشف تقرير للبنك الدولي في عام 2019، أن أجهزة التبريد التقليدية، مثل مكيفات الهواء والثلاجات، ينبعث عنها ما يصل إلى 10% من إجمالي الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وأشار التقرير إلى أن هذه الكمية تعادل ضعف الانبعاثات الناتجة عن الطيران والسفر البحري.
ويرى الخبراء أن تغيير نمط الحياة، لا سيما في الأماكن التي لا تتوافر فيها تكييفات الهواء، أمرٌ بالغ الأهمية للتكيُّف مع ارتفاع درجات الحرارة. ويشمل ذلك: تجنب الأنشطة الخارجية خلال أوقات اشتداد الحرارة؛ والتواصل مع الجيران المعرضين للتأثُّر بالحرارة أكثر من غيرهم؛ والراحة وقت القيلولة، حتى في شمال أوروبا والمناطق ذات المناخ البارد التي لم يألف الناس فيها إيقاف العمل والأنشطة الخارجية بعد الظهر.
على الرغم من أن درجات الحرارة في شمال أوروبا أبرد عموماً منها في جنوب القارة، فإن المشكلة الأبرز هي أن معظم المنازل مُصممة بحيث تحتفظ بالحرارة، لا سيما في الدول الإسكندنافية، التي تُبنى المنازل فيها باستخدام مواد البناء الخفيفة مثل الخشب. وتقول الدكتورة كاتالينا: “لقد تزايد الوعي بأننا نحتاج إلى منازل أكثر قدرة على التكيف مع الارتفاع الشديد في الحرارة”.
وقالت راديكا خوسلا، الأستاذة المساعدة في قسم التبريد والتنمية المستدامة بجامعة أكسفورد، إن “المباني والمنازل في شمال أوروبا غير مناسبة للمناخ الذي يتسم بارتفاع الحرارة”، وإذا لم نستعن بتغييرات مستدامة لتقليل الحرارة، فإن ذلك سيدفع الناس إلى مزيد من الاعتماد على تكييفات الهواء، وزيادة استهلاك الوقود الأحفوري، في دائرة مفرغة من تقليل الحرارة في المنازل، وزيادتها في العالم الخارجي.