في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2022 أطلقت الإمارات العربية المتحدة حملة “حياة” التي تهدف إلى تشجيع التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، لتكون بذلك ثاني دولة خليجية بعد السعودية تسمح وتشجع على هذه المبادرة الإنسانية لإنقاذ حياة آخرين ينتظرون الحصول على عضو بشري يساعدهم على البقاء على قيد الحياة. وكانت الإمارات قد سمحت قبل سنتين ونصف سنة بإجراء هذا النوع من العمليات.
عادت وزارة الصحة ووقاية المجتمع من شهر تقريباً إلى تنشيط حملة “حياة” التي تسعى إلى تشجيع المقيمين والمواطنين على حد سواء على التسجيل عبر الموقع الإلكتروني، إلى جانب إقامة ندوات توعية في المدارس والجامعات والمراكز الدينية، تشرح للناس أهمية التبرع من أجل الآخرين، بخاصة من الناحية الدينية التي كانت لفترة طويلة سبباً في الاعتقاد الخاطئ بأن هذا الأمر “محرّم دينياً”، لكن فتاوى شرعية من علماء دين أكّدت أن دين الإسلام خاصة لا يحرّم أو يمانع هذه المبادرة الإنسانية.
“حتى الساعة لا رقم أو إحصاء رسمي نهائي لعدد المسجلين على لائحة المتبرعين، لكن العدد عامةً ازداد منذ مطلع السنة الجارية إلى أكثر من 300 متبرّع، بعدما كان قبل عام 2022 نحو 160 متبرعاً من عشرين جنسية، معظمهم مقيمون أجانب (يحملون جنسيات أميركية أو أوروبية، وعدد قليل من العرب)، 45 شخصاً من بين هؤلاء أنقذوا بعد وفاتهم في الإمارات حياة 30 شخصاً من جنسيات مختلفة”، وفق الدكتور الجرّاح المتخصص في نقل الأعضاء وزراعتها علي العيسى في حديثه إلى “النهار العربي”.
وفق كلام العيسى “ليس هناك أيضاً رقم رسمي يحدد عدد المنتظرين على لائحة الوهب، لأن هناك عدداً من المستشفيات في أبو ظبي ودبي تجري هذه النوعية من العمليات، لكن منذ انطلاق الحملة قبل سنتين كان هناك 400 شخص من جنسيات مختلفة استفادوا من زراعة الأعضاء أو الأنسجة، وتركزت معظمها على زرع الكلى والكبد، تليها زراعة القلب بشكل أقل، مع العلم أن الشخص المتبرع يمكنه إنقاذ حياة 8 أشخاص، وينقسم المتبرعون بالأعضاء إلى قسمين، الأول هم المتبرعون خلال الحياة الذين يمكنهم التبرع بالكلى وجزء من الكبد للأقارب حتى الدرجة الرابعة. والقسم الثاني خاص بالمتبرعين الذين تعرضوا للوفاة الدماغية، إذ يتم نقل أعضاء المتوفى دماغياً لزراعتها للمرضى الذين يعانون القصور العضوي”.
فـي دولة الإمارات العربية المتحدة، الأعضاء التي يمكن التبرع بها لإنقاذ الأرواح هي: القلب والكبد والكلى والرئتان والبنكرياس، يمكن لأي شخص مقيم في الدولة بغض النظر عـن جنسيته، أن يصبح متبرعاً أو متلقياً للعضو أثناء جراحة زرع الأعضاء، وفق مصدر طبي من لجنة وهب الأعضاء الذي يضيف أن “التبرع يقتصر من المتبرعين الأحياء على الأقـارب من الدرجة الرابعة والأزواج المتزوجين لمدة عامين على الأقل. وينبغي أن يكون المتبرعون قد أعربوا عن اهتمامهم بالتبرع عن طريق الوسائل الرسمية للتسجيل والتحقق، وبعد تسجليهم يحصلون على بطاقة إلكترونية”. أما عن الشروط وفق المصدر، فهي “حتى يتم تسجيل المتبرعين، يجب أن يكونوا مقيمين في الإمارات العربية المتحدة ويبلغوا 21 عاماً على الأقل، أما المتبرعون الأصغر سناً، فيحتاجون إلى موافقة أفراد العائلة في حالة الوفاة”.
في حديث إلى “النهار العربي” روى المقيم اللبناني شادي عبود تجربته الشخصية وقراره تسجيل اسمه من بين الواهبين: “كنت خائفاً من الفكرة تماماً ولم يكن السبب دينياً بل نفسياً، كنت أعتقد أني سأشعر بالألم وحتى أنا متوفى وهم يشقون جسدي ليستخرجوا الأعضاء منها، أعلم أن الأمر غير منطقي وأن الأحاسيس كلها تموت مع الوفاة، لكن السبب نفسي وعملت على الأمر جيداً لأخرج هذه الفكرة وأتشجع على تسجيل اسمي، لأن الحياة قصيرة وهناك أشخاص يستحقونها، بخاصة الشباب الصغار أو الأطفال”.
المتبرع بأعضائه فيغو سيرنسون “في شهر شباط/فبراير 2022 توفي ابني فيغو سيرنسون، كان عمره فقط 17 سنة حين داهمته أزمة قلبية مفاجئة، رغم أنه كان رياضياً من الطراز الأول وبطلاً في لعبة الغولف، لكن من دون سابق إنذار شعر بتخدر في يده اليمنى وتعب شديد، اتصل بي من مدرسته في دبي طالباً مني اللحاق به إلى المستشفى، وحين وصلت كان كل شيء قد انتهى، وقبل إصدار أي أوراق رسمية للسماح بالدفن قررت أن أمنح خمسة أعضاء من فلذة كبدي إلى أشخاص ينتظرون في غرف العمليات من ينقذهم ليكملوا حياتهم، وهذا ما حصل لأن فيغو كان في الأساس ينوي هذا الأمر، لكن لم يكن وقتها هناك برنامج لتسجيل أسماء المانحين كما أنه كان قاصراً أيضاً”، تقول إيزابيل والدة فيغو