أيتام في العراق ضحايا الفقر والإهمال والتّنمر

1

تحذيرات من مستقبل "مرعب" ينتظر الأيتام في العراق.

يجلس الشاب وسام (21 عاماً) في مقهى وسط العاصمة بغداد مع أصدقائه الذين تعرف إليهم داخل ذلك المكان ولم يعرفوا شيئاً عن حياته الخاصة، فهم يقضون وقتاً ممتعاً معه ثم يغادرون إلى منازلهم وذويهم، بينما يعود هو وحيداً إلى غرفة استأجرها في شارع السعدون في العاصمة حتى يطل الصباح ليفتتح بسطته في باب الشرقي.

 الصمت هرباً من التنمّر!

لا يستطيع وسام أن يفصح عن حقيقته أمام الأصدقاء والمقربين، فهو دائماً يحاول الهروب من الأسئلة التي تُطرح عليه عن حياته الشخصية. من يعلم بوضعه هو فقط صاحب المقهى الذي يتردد عليه مساءً، كما يقول وسام لـ”النهار العربي”، مضيفاً أنه يشعر بالخوف والخجل عندما يقول إنه تربى في دار الأيتام “بسبب حالات التنمر السائدة بين الشباب، إضافة إلى العادات والتقاليد الاجتماعية”. يقول: “عندما كان عمري 7 سنوات كنت أجول في أزقة باب الشرقي وأبيع الماء والأكياس وأنام في الشارع والساحات العامة، بعدها علم الناس (أصحاب المحال) بأن لا أسرة لي فأبلغوا دورية الشرطة التي سلمتني إلى دار الأيتام حيث حصلت على اسمي هناك”.

 تجربة مريرة وبائسة

ويكمل: “لقد كبرت في دار الأيتام وتعلمت القراءة والكتابة وتعرفت إلى رفاق أيتام، وعندما بلغت السن القانونية، طردوني من دار الأيتام وقالوا لي: أنت كبرت الآن فاخرج من الدار واختر حياتك من جديد”. ويضيف: “الحياة التي تركتني أعيش في الشارع مرة أخرى باحثاً عن فرصة عمل ولا أملك شيئاً ما عدا الورقة الشخصية الثبوتية… أنا أجيد استخدام الحاسبة وبعض برامجها لكن لا أحد يقبل أن أعمل معه، فقد تقدمت إلى شركة فطلبت مني الوثائق الأصلية، وعندما قلت الحقيقة رفضت توظيفي. منذ تلك اللحظة أنا أخجل وأخاف من قول الحقيقة بسبب الوضع الاجتماعي والتنمر الذي لا يحترم ولا يرحم”. ويشير وسام إلى أن الحياة التي قضاها في دار الأيتام “كانت بائسة وتفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية”. 

 وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق كشفت عن وجود أكثر من 5 ملايين يتيم، وسط معادلات فقر تعيشها البلاد تتجاوز الـ50% في بعض المناطق. وحذرت المفوضية من خطورة عدم توافر دور إيواء لهؤلاء، ما يجعلهم عرضة لمستقبل “مرعب”، والوقوع ضحايا في عمليات الإتجار بالبشر والمخدرات.  وحينها قال عضو المفوضية أنس العزاوي، في تصريح إن “هناك أكثر من 5 ملايين طفل يتيم في البلد يحتاجون إلى الدعم”، واصفا تلك الإحصائيات بـ”المقلقة”.وأوضح العزاوي، أن “العراق لا يمتلك إحصائيات دقيقة حول نسب الفقر وأعداد الأيتام وذلك كون وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية المعنية بتلك الفئات ليس لديها مسوحات كافية لتحديد تلك النسب “.وقد أُسست دار لرعاية الايتام في العراق عام 1957 برعاية الملكة عالية بنت الحسين زوجة الملك غازي ووالدة الملك فيصل الثاني إبان الحكم الملكي في العراق.

 دور الرعاية لا تكفي

ويوجد في بغداد حالياً أربع دور لإيواء الأيتام، دار مختلطة وفيها المستفيدون إلى عمر 6 سنوات، وداران للبنات وأخرى للذكور، وفي كل محافظة من محافظات العراق ثمة دار حكومية لإيواء الأيتام، أي إن مجمل عدد دور الإيواء لا يتجاوز 20. ويقول الباحث الاجتماعي عبدالمنعم جبار إنه “بسبب الحروب زادت أعداد الأيتام، وهي الفئة التي تعاني التهميش داخل المجتمع، كما أنها تعاني الفقر والعوز الاقتصادي والاستغلال من قبل مافيات التسول والإتجار بالبشر”. ويضيف لـ”النهار العربي” أن “الأرقام المعلنة عن عدد الأيتام تبدو غير دقيقة، وهناك أكثر من المعلن لأن مخيمات النازحين فيها أيتام أيضاً”. ويؤكد أن “القوانين المختصة بالطفل ضعيفة، لذلك نرى الأيتام مشردين في الشوارع ويبحثون في القمامة عن لقمة العيش”، مشيراً إلى أن “التجاذبات السياسية وراء تعطيل قانون حماية الأيتام”. ويلفت إلى أنه “بحسب مهتمين بالدفاع عن حقوق الطفل، فإن العديد من الأطفال اليتامى تعرضوا لعملية الإتجار بالبشر”، مطالباً “الحكومة العراقية بمتابعة موضوع الطفل اليتيم وحمايته من الاستغلال والحفاظ عليه ورعايته”. يشار إلى أن العراق من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989. لكن بحسب منظمة اليونيسيف، فإن مئات آلاف الأطفال في البلاد يحتاجون إلى الحماية من العنف والاستغلال وسوء المعاملة والإهمال، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً بعد 2003.

التعليقات معطلة.