المصدر: النهار العربي
أزراج عمر
عادت الأحزاب الجزائرية خلال الأسبوع الماضي من العطلة الصيفية لتدشن نشاطها بالعودة إلى أسلوبها النمطي المعتاد ألا وهو استبدال فتح النقاش الفكري والسياسي العميق حول التصور المتكامل للمشاريع الوطنية الجادة، التي بموجبها يمكن ترشيد التنمية الوطنية بكل أشكالها، بسيل من المبادارات والدعوات الفضفاضة إلى الحوار. وفي هذا الخصوص، يرى المراقبون السياسيون الجزائريون أن المقصود طبعاً بهذه المبادرة والدعوة إلى الحوار هو السلطة الجزائرية الحاكمة وأحزاب الموالاة وليس ملايين الشباب في الجزائر العميقة. في يوم 2 أيلول (سبتمبر) الماضي لوَح يوسف أوشيش، وهو رئيس حزب القوى الاشتراكية “الأفافاس”، بمبادرته التي أكد فيها أنه يسعى جاهداً إلى تقوية الروابط الوطنية وتفعيل الحوار من أجل “تحصين الوطن ومواجهة التحديات والتهديدات التي يتعرض لها”. ومن الواضح أن رئيس هذا الحزب لم يذكر أيضا أحزاب المعارضة الأخرى، كما أنه لم يشر إلى أي تنسيق معها لدعم مبادرته. ويفهم من الاشارات الضمنية الأولية لمبادرة حزب القوى الاشتراكية أنه يحبذ الجلوس مع الأحزاب الجزائرية إلى مائدة الحوار وذلك بهدف إيجاد الحلول للمشكلات القائمة التي تهم الجزائر، وفي هذا السياق دعا في مبادرته إلى تجنب “الانقسامات الأيديولوجية” وإلى التمسك بآلية تحقق التوافق تجاه القضايا الراهنة التي تحتاج إلى معالجتها جماعياً، علماً أن الاختلافات الإيديولوجية في الجزائر هي مجرد شعار لأن الأحزاب الجزائرية ليست سوى أحزاب تطالب بتقاسم المناصب والمنافع الاجتماعية والمادية ولا تملك نسقاً فكرياً وعقائدياً تؤمن به وتعمل وفق فلسفته. أما رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سوفيان، فقد طلب في حواره مع يومية “الخبر” التابعة للقطاع الخاص يوم 1 أيلول (سبتمبر) الجاري من السلطة الجزائرية أن تفتح نقاشاً حقيقيا مع الطبقة السياسية وذلك من أجل تجاوز ما سماه بالتناقض “بين الخطاب العام والواقع الذي يكرس ضياع الثقة في الخطاب الرسمي”. من الواضح أن حزب القوى الاشتراكية وحزب جيل جيد، يوجهان، على نحو مضمر، رسالة مشفرة إلى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ويدعوانه فيها إلى العمل المشترك والتنسيق معهما، ويُفهم من هذا أن الحزبين يذكَران الرئيس الجزائري عن قصد، وعلى نحو غير مباشر، بقرب موعد الإنتخابات الرئاسية المقبلة التي تتطلب في اعتقاد هذين الحزبين، ربما، إبرام صفقة دعمه في إطار شراكة نسبية في الحكم وإدارة شؤون البلاد. والجدير بالذكر هنا هو أن هذا النمط من الدعوة قد تقدم بها في الأيام القليلة الماضية حزب جبهة التحرير وحزب حركة البناء الوطني، المقربين من الجهاز الحاكم في البلاد، وذلك في اللقاء التشاوري الذي نظماه معا بإشراك بعض الأحزاب والروابط والنقابات والمنظمات الجماهيرية. إن المتأمل للمشهد العام للحياة السياسية الحزبية الجزائرية يلاحظ عن كثب انسحاب عدد معتبر من الأحزاب التي تصنف نفسها ضمن خانة المعارضة الراديكالية من هذه الندوات التي تستهدف فتح الحوار مع مؤسسة الرئاسة بشكل خاص ومع أجهزة النظام الحاكم بشكل عام. وهكذا يرى المرء، مثلاً، غياب حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية (الأرسيدي) بعد أن تعرض رئيسه، محسن عباس، للمساءلة مرات عدة، وإلى نوع من التجميد، علماً أن معظم الشخصيات المؤسسة لهذا الحزب قد أبعدت من الساحة السياسية بسبب تهمة التطرف الموجهة لها كما أن بعضها قد تورط فعلياً في قضايا الفساد. ونذكر هنا على سبيل المثال فقط وزيرين سابقين اعتبرا من العصابة بسبب الفساد المالي، وهما خليدة تومي، وعمارة بن يونس، أما فرحات مهني، فيضعه النظام الجزائري الحاكم في خانة المطالبين بتفكيك الوحدة الوطنية، ويبقى رئيس حزب “الأرسيدي” التاريخي، السعيد سعدي في حالة ترحال بين إسبانيا وفرنسا وكأنه في وضع المقيم في المنفى. هل سيحقق حزب القوى الاشتراكية أي شيء من من وراء مبادرته المذكورة آنفا؟ وهل يفيده دخول حزب “جيل جديد” المجهري على الخط رافعا شعار “الحوار” بين مختلف مكونات المشهد الحزبي وبين الفاعلين الأساسيين على مستوى الهرم الأعلى للحكم في الجزائر؟ في الواقع، فإن حزب القوى الاشتراكية ليس له حضور جدي في الميدان الوطني تنشيطاً لحركة التنمية الوطنية، وتثقيفاً للأجيال الجديدة، وبحثاً عن القيادات الجديدة التي يمكن أن تضيف دماً جديدا إلى العمل السياسي في البلاد. أما عقائدياً، فإن هذا الحزب قد تخلى منذ زمن طويل عن المبادئ الاشتراكية بصيغتها الوطنية في إطار دولة الرعاية الاجتماعية، وصار جراء ذلك جزءاً عضوياً من ترسانة التيار الرأسمالي الحاكم في البلاد. وأكثر من ذلك، فقد تورط هذا الحزب في تنازلات وصفت بالانتهازية في عهد الراحل عبد العزيز بوتفليقة وتمثلت في دعم ترشحه للولاية الثالثة، أما موقفه من الولاية الرابعة، فقد كان متذبذباً، ولم يشفع له سحبه لنوابه من البرلمان احتجاجاً على ترشح عبد العزيز بوتفليقة للولاية الخامسة. رغم هذا الترقيع المتمثل في هذا الانسحاب، فإن هذا الحزب قد نخرت نسيجه الداخلي سلسلة الاستقالات والانقسامات فضلاً عن تحوله إلى مزرعة تجارب انخرط فيها أشخاص مراهقون سياسياً وغير مؤهلين فكرياً لقيادته. وما يؤسف له أن عميده ومؤسسه التاريخي محند أولحسين آيت أحمد (1926-2015) لم يقم بتكوين الكفاءات التي يمكن لها إخراج هذا الحزب من دائرة الجهوية الضيقة التي حشر فيها الأمر الذي أجهض مساعي جعله حزباً ذا وجود وطني مؤسس على المبادئ التي تتطور ولا تتعرض للمساومات والتنازلات البراغماتية. نظراً لهذا الإرث الثقيل فإن المبادرة الأخيرة التي طرحها هذا الحزب في بحر هذا الأسبوع لا يتوقع أن يلتف حولها ملايين الشباب وفي المقدمة ذلك “الجزء النظيف” من شباب الحراك الشعبي الذي يحلم بالتغيير الجذري في فلسفة الحكم وفي بنى الأزمة المركبة التي تعاني منها الجزائر على مدى سنوات. وفي ضوء هذا الوضع، فإن انضمام حزب جيل جديد الذي يبحث عن موقع له في دواليب السلطة إلى فولكلور المبادرات والدعوات إلى حوار الطرشان لن يضف إلى حزب القوى الاشتراكية أي قوة دفع حقيقية.