شفق نيوز/ حذر مركز “صوفان” الأمريكي من أن العراق ما يزال يتعرض لتحديات متنوعة بما في ذلك الانقسامات الداخلية داخل مكوناته الرئيسية وفيما بينها، وهي آخذة بالتفاقم، بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها “الجارة القوية” إيران، بينما يحاول حلفاء طهران في العراق، الحد من الحكم الذاتي الكوردي في شمال البلاد.
واعتبر المركز في التقرير الذي جاء تحت عنوان “العراق يواجه عدداً لا يحصى من الضغوط الخارجية والداخلية”، ترجمته وكالة شفق نيوز، أن الانقسامات داخل المجتمع الكوردي، اتسعت مما أدى إلى تعقيد شراكة الكورد مع الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش داعش.
وأشار إلى أن انتخابات مجالس المحافظات المقررة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ستؤدي إلى زيادة التوترات بين الأحزاب والفصائل الرئيسية، ومن غير المرجح أن تقود إلى تسوية التحديات السياسية العديدة التي يواجهها البلد.
الاستقرار السياسي
ورأى التقرير الأمريكي أن العراق أحرز تقدماً كبيراً منذ الغزو عام 2003، حيث تحققت درجة من الاستقرار السياسي، وأصبح قطاع تصدير النفط في العراق نابضاً بالحياة، وعادت بغداد إلى الاندماج في المحيط العربي، لكن الانقسامات والتوترات الكامنة بين الطوائف والمكونات العرقية الرئيسية ما تزال قائمة وتفاقمت بسبب دعوات الناس إلى تحقيق المزيد من المساءلة للحكومة واعتماد الشفافية.
وبالإضافة إلى ذلك، قال التقرير إن قادة العراق ما يزالون يواجهون صعوبة في موازنة علاقاتهم مع الشريكين اللذين يعتبران خصمين تاريخيين لبعضهما، أي الولايات المتحدة وإيران، حيث تمتلك طهران بشكل خاص أدوات عديدة بمقدورها من خلالها التأثير على السياسيين العراقيين، بينها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي يدرب ويسلح فصائل من بينها كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء، ومنظمة بدر.
وبعدما أشار التقرير إلى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نأى بنفسه عن تحالف المالكي المرتبط بقوة بإيران، قال أن السوداني تخطى دعوات بعض فصائل الإطار التنسيقي لطرد القوات الأمريكية من العراق، حيث أنه أعرب عن دعمه المهمة الأمريكية المستمرة، لتدريب وتقديم المشورة للقوات العراقية التي تقاتل فلول داعش.
الضغوط الإيرانية
لكن التقرير لفت إلى أنه في ظل الضغوط المتزايدة من قبل طهران ونوري المالكي وقادة الميليشيات الموالية لإيران، قال السوداني خلال اجتماع في 15 آب/ أغسطس مع قادة الجيش العراقي، بأن العراق “لم يعد بحاجة إلى وجود قوات قتالية أجنبية على أراضيه، وأننا نجري حوارات متقدمة لتحديد شكل العلاقة والتعاون المستقبلي مع التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة.
وتابع التقرير أن المالكي، وفيما يعكس تحريض طهران المتصاعد ضد النفوذ الأمريكي في العراق، أتهم في 30 آب/ أغسطس، القوات الأمريكية في العراق بأن لديها خطط لإغلاق الحدود بين العراق وسوريا من أجل العمل على الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، الحليف الرئيسي لإيران.
وبحسب التقرير، فإن كلام السوداني عن أنه لا حاجة لوجود القوات الأمريكية لفترة طويلة، أثار بلا شك قلق المسؤولين الأمريكيين لأن هذه التصريحات جاءت بعد أسبوع واحد فقط من استقبال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن وزير الدفاع العراقي ثابت محمد العباسي لافتتاح أعمال حوار التعاون الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق حيث قال مسؤولون أمريكيون أن اتفاقية التعاون تؤسس لتعاون أمني طويل الأمد بين واشنطن وبغداد، بما يتخطى بكثير الجهد المشترك لإلحاق الهزيمة بداعش.
وفي سياق آخر، قال التقرير إن النفوذ الإيراني المهيمن على شؤون العراق، تسبب في تفاقم الانقسامات بين الأغلبية العربية والأقلية الكوردية التي تسيطر على ثلاث محافظات شمالية تديرها حكومة إقليم كوردستان.
وذكّر بتركيز طهران المتزايد على جماعات المعارضة الكوردية الإيرانية التي تتواجد في الأراضي التي تسيطر عليها حكومة إقليم كوردستان حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في 28 آب/ أغسطس، إن بغداد وافقت على مطلبها بنزع سلاح هذه الفصائل ونقلها بحلول 19 أيلول/ سبتمبر.
وأشار التقرير إلى أن القادة الكورد اعتبروا أن هذه الصفقة محاولة من قبل إيران وحلفائها في بغداد لتقويض الحكم الذاتي الكوردي من خلال خلق ذريعة لبغداد لإرسال قوات حكومية وميليشيات شيعية إضافية إلى إقليم كوردستان.
وبحسب التقرير، فإن هذا الاتفاق العراقي الإيراني يضاف إلى خطوات أخرى اتخذتها بغداد للحد من الحكم الذاتي لإقليم كوردستان من خلال تقييد مصادر تمويله.
النفط الكوردي
وأشار في هذا السياق إلى أن فوز الحكومة الاتحادية في آذار/ مارس 2023، بحكم تحكيم في قضية مرفوعة قبل تسع سنوات لمنع تركيا من مساعدة حكومة الإقليم في تصدير النفط من الشمال حيث تعتبر بغداد أن شركة “سومو” الحكومية، هي الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية إبرام اتفاقيات تصدير النفط مع أطراف خارجية.
وتابع أنه بعد قرار وقف ضخ النفط الكوردي والبالغ 370 ألف برميل يومياً بالإضافة إلى 75 ألف برميل يوميا من النفط الذي تسيطر عليه بغداد، فقد كبدت حكومة الإقليم الدولة العراقية خسائر فادحة، مقدرة بنحو 4 مليارات دولار حتى الآن.
وأوضح التقرير أن خسارة هذه العائدات، إلى جانب تخفيضات بغداد في مدفوعات تقاسم الإيرادات لحكومة الإقليم، قد تسببا في حدوث ضائقة مالية في أربيل، بالإضافة إلى تفاقم التوترات بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي حد من تعاون قواه الأمنية مع البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني ومع وزارة شؤون البيشمركة.
وذكّر التقرير بتحذير القائد السابق لعملية “العزم الصلب” الجنرال ماثيو ماكفارلين في 20 آب/ أغسطس الماضي، من أن تأثيرات التوتر الكوردي – الكوردي على مستقبل التعاون العسكري الأمريكي مع الكورد ما لم يتصالحوا، معتبراً أن “عدم قدرة حكومة الإقليم على تحقيق الأهداف أو النتائج الرئيسية أو المعالم المحددة في مذكرة التفاهم (مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة) يمكن أن يؤثر سلباً على قدرة وزارة الدفاع الأمريكية على مواصلة تقديم المساعدة الأمنية لوزارة شؤون البيشمركة”.
انتخابات مجالس المحافظات
وختم التقرير بالقول إن جميع التيارات المتقاطعة في السياسة والمجتمع العراقي، بما في ذلك في إقليم كوردستان، ستلعب دورها في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، مشيراً إلى أن هذه الانتخابات ستجري في كركوك التي تتمتع بغالبية كوردية، ولكن الكورد خسروا السلطة السياسية فيها في العام 2017 بعد استفتاء الاستقلال، الذي أثار رد فعل عنيف من حكومة بغداد تجاه حكومة الإقليم.
ولفت إلى أن الكورد سيحاولون العودة إلى السلطة في هذه المحافظة، إلا أنه فيما يعكس التوترات بينهم، فإن الدعوات لتشكيل ائتلاف مشترك بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني للترشح لمجلس محافظة كركوك لم تنجح، في حين تصاعدت التوترات في 2 أيلول/ سبتمبر الجاري متحولة إلى احتجاجات ضخمة قام بها السكان الكورد في كركوك ضد قوات الحكومة المركزية المنتشرة في المحافظة.
وخلص التقرير إلى القول إنه من غير المرجح أن تنجح انتخابات المحافظات، أو أي سياسة أو مبادرة حكومية منفردة، في معالجة التوترات الرئيسية التي تهيمن على السياسة والحكم والمجتمع في العراق.