المصدر: النهار العربي رستم محمود
على رغم كثافة المشاريع السكنية “قيد الإنشاء” المنتشرة في مختلف أطراف مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، إلاّ أنّ مكاتب وشركات الترويج والبيع العقاري تعلن تخفيضات شبه يومية، تصل في بعض الأحيان إلى نسبة 25 في المئة من الأسعار الرسمية المعلنة من الشركات المالكة والمُشيدة لهذه العقارات؛ ما يدل على ركود عام يصيب هذا القطاع في إقليم كردستان، والذي كان “رافعة” أساسية لتنمية اقتصاده المحلي، وشهد قفزات نوعية في مختلف مدن الإقليم وبلداته. ووفق الأرقام الرسمية المُعلنة من الوزارات المعنية في حكومة الإقليم، فإنّ حجم الاستثمار في القطاع العقاري تجاوز خلال السنوات الـ 15 الماضية 60 مليار دولار، قرابة 80 في المئة منه رأسمال محلي، والباقي استثمار خارجي، أميركي وخليجي وتركي تحديداً. وكانت نسبة الاستثمار الأجنبي تتصاعد طوال السنوات العشر الماضية، بسبب التسهيلات الإدارية والحوافز المالية التي قدّمتها حكومة الإقليم، عبر منح أراضٍ للشركات الاستثمارية، أو منحها إعفاءات ضريبية بعيدة المدى. طفرة عقارية شغل قطاع العقارات طوال تلك السنوات المرتبة الثانية في الإقليم، لجهة المساهمة في التنمية وتوفير فرص العمل لمواطني الإقليم، بعد القطاع النفطي. إذ بُني في إقليم كردستان خلال عقد ونصف عقد 200 ألف وحدة سكنية، من قِبل الشركات العقارية، وشُيّد ما يساويها من قِبل القطاع الأهلي الخاص. وبذلك يكون الإقليم قد حقّق خلال تلك السنوات قفزة استثنائية في القطاع العقاري، بمعدل وحدة سكنية لكل 10 مواطنين من سكان الإقليم. علماً أنّ ثمة خططاً وبرامج لبناء 50 ألف وحدة سكنية في مختلف مناطقه. الخبير العقاري ماهر علي دقوري يشرح في حديث لـ”النهار العربي”، الأسباب التي تراكمت خلال السنة الماضية، وشكّلت سياقاً يأخذ القطاع راهناً نحو الركود، والمتوقع له أن يستمر لفترة غير قصيرة، وقال: “على الأقل منذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وقرار محكمة باريس بعدم أحقية إقليم كردستان تصدير النفط المُستخرج من مناطقه إلى الخارج عبر تركيا، ومروراً بالأزمات السياسية والاقتصادية بين الحكومة المركزية ونظيرتها في إقليم كردستان، وتحديداً في ما يخصّ إرسال حصّة الإقليم من الموازنة المركزية، المتوقفة حتى الآن، فإنّ السيولة صارت تقريباً متوقفة عن التدفق إلى إقليم كردستان، خصوصاً أنّ الفئة الأكثر تأثراً بهذه الأزمة المالية هي الطبقة الوسطى والوسطى العليا، المصنّفة كفئة أكثر إقداماً على شراء هذه العقارات”.
غياب الرؤيةيضيف دقوري: “يحدث هذا، مع غياب للحوافز المستدامة بشأن استقرار السوق العقارية في إقليم كردستان. فالبنوك الخاصة والأهلية لا تقدّم قروضاً بعيدة المدى لصالح شراء العقارات، كما أنّ الوزارات الحكومية والهيئات العامة، مثل النقابات والغرف التجارية والصناعية والمهنية، لا تملك رؤية لأن تكون مساهمة في سوق العقارات، وتحمي السوق من التأثيرات والهبّات الاقتصادية الطارئة. فالسوق العقارية في الإقليم يمكن تصنيفها كميدان للاقتصاد الحر تماماً، من دون أي تدخّل من الحكومة وباقي مؤسسات الدولة”. استفاد القطاع العقاري في إقليم كردستان خلال السنوات الماضية من عاملي هجرة مئات الآلاف من العراقيين من مختلف مناطق العراق إلى إقليم كردستان، بسبب أعمال العنف التي اجتاحت مناطق العراق. فهؤلاء العراقيون، خصوصاً أبناء الطبقات الميسورة، رفعوا من قيمة العقارات في الإقليم، سواء في الشراء أو الاستئجار، أو بكونهم استثمروا كميات ضخمة من أموالهم في تشييد المشاريع العقارية المشتركة. يقول خبراء إنّ الطبيعة الجغرافية والمناخية للإقليم كانت عاملاً إضافياً في زيادة القيمة السوقية لسوق العقار في الإقليم. فعشرات آلاف الشقق والمزارع والفلل والوحدات الفندقية صارت منتشرة في مختلف المناطق الجبلية، العديد منها مملوكة عائلياً ومشتركة لمواطنين عراقيين من باقي مناطق العراق، يأتون للسكن فيها طوال شهور الصيف، حين ترتفع درجات الحرارة بشكل استثنائي خلال تلك الشهور في باقي مناطق العراق. حسابات البيع والشراءووفق الأرقام غير الرسمية، فإنّ نسبة المقبلين على شراء العقارات الحديثة في إقليم كردستان من المواطنين العراقيين من غير سكان الإقليم تبلغ 40 في المئة. هؤلاء الذين قد يعزفون عن الشراء، أو ربما الإقدام على البيع السريع، في حال تفاقم التوترات السياسية بين الحكومة المركزية ونظيرتها في إقليم كردستان. يرى العديد من المراقبين أنّ أسعار العقارات في إقليم كردستان “زائفة نسبياً”، غير متطابقة مع القيمة الحقيقية للعقار، أو حتى مستوى الخدمات والترفيه المتوافرة في المشاريع العقارية. فالقيمة المتوسطة لسعر الشقة السكنية في العاصمة أربيل، لسكن عائلة مؤلفة من 5 أفراد، تراوح بين 70 و 150 ألف دولار أميركي، وهي تزيد بمقدار النصف عن أسعار العقارات في المدن التركية والإيرانية القريبة من الإقليم. القيمة المرتفعة للعقارات في الإقليم كانت متأتية من غياب أوجه الاستثمار الأخرى، وبسبب تراكم الأموال على العراق، خصوصاً إقليم كردستان، بشكل استثنائي بعد العام 2003، والتي تحوّلت النسبة العظمى منها إلى مشاريع تشييد البنية التحتية.