“ما العمل لمواجهة العقم السياسي الحالي ومغادرة الفشل”

1

حسن فليح / محلل سياسي

الحاضر غرس الماضي والمستقبل جني الحاضر والتاريخ سجل الزمن لحياة الاشخاص والشعوب والأمم هذا ماقالة الاستاذ والكاتب الكويتي درويش الجميل في برنامجة الاذاعي الشهير في سبعينيات القرن الماضي “نافذة على التاريخ” وذكرني بتلك المقولة الصديق العزيز الاستاذ حسن كبة في احدى جلساتنا الاستثنائية عندما كنا نتحدث في شؤون البلاد والعباد كمواطنين نعتز ونعشق بلادنا ووطننا- ملاذنا الاول والاخير الذي ولدنا فيه وحيث نموت وندفن- استوقفني ذلك الكلام الرائع للاستاذ درويش الجميل والذي جعلته بمقدمة مقالتي ، حيث يضيف في برنامجة الشيق “التاريخ هو الحضارة وتطورها هو الانسانية وتقدمها هو العلاقات البشرية ومسيرتها” السؤال المهم ماذا غرس وماذا جنى العراقيون ممثلين بحكامهم في ماضيهم وحاضرهم في سبيل رفعة شعبهم وبلادهم ؟ ان هذه المقدمة والسؤال من غير الممكن اختزال الاجابة عليهما بمقالة ، الامر يحتاج الى دراسة معمقة عن اسباب الفشل المتراكم ودواعية التاريخية والنفسية والسياسية والاجتماعية وما خلفته تلك الاحتلالات المتوالية عبر التاريخ للعراق ، ولكني احاول ان اوصل القارئ الكريم قدر المستطاع الى شيء من الموضوعية في مقالتنا هذه ، ان الدول ليست وليدة حاضرها فقط ، بل هي مستمدة قوتها أيضا من ميراثها التاريخي، وان الدولة الحيوية هي تلك التي استفادت من عمق تجربتها وتراكم خبرتها وقوتها عندما تتعلم من تجاربها الماضية لأن تكرار أخطاء الدول يعد دليلا بارزا على حماقة قياداتها ، وضعف ذاكرتها ، وتدني وعيها الوطني ، المصيبة الان اننا لم نجد اي اهتمام وأي فهم لدى ساستنا بأي حرف أو كلمة لما تقدم ، واستطيع القول أن نظام الحكم الحالي هو اسوأ نظام عرفه تاريخ الشعب العراقي ، حيث اتسمت الحياة السياسية في عراق ما بعد 2003 بشمولية دينية مذهبية تنافسية، وفي بعض الأحيان تكون إقصائية، حكمت النظام السياسي، وبدلاً من تحقيق بناء نظام ديمقراطي مدني يرتكز على فصل الدين عن الدولة يضمن التداول السلمي للحكم ، ويرسخ دولة المواطنة وبناء مؤساستها وفقا لذلك ، وبدلا من ذلك ظهر استبداد الأحزاب الدينية كواحد من أخطر أنواع الاستبداد السياسي والاجتماعي في تاريخ العراق المعاصر ، هكذا تجاهل النظام السياسي الشمولي مفهوم حيادية المؤسسات في الأنظمة الديمقراطية، حيث تكون الدولة محايدة بين جميع الطبقات والأديان والمذاهب والأعراق والقوميات واحترام الثقافات، وعدم التدخل في شؤون الأحزاب السياسية، وضمان العدالة في المشاركة وحق اختيار الاتجاهات السياسية والفكرية ضمن دولة مدنية ديمقراطية ، ولم تتوقف احزاب الاسلام السياسي عند هذا الحد بل اتجهت الى تزوير الانتخابات وخطف ارادة الشعب منذ 2005 ولحد الان بدليل إن الفائزبالإنتخابات لم يستطيع تشكيل الحكومة على مدى الدورات الانتخابية التي جرت بالرغم من مقاطعة الشعب الواسعة لها . ان طريق خلاص العراق من مستنقع النظام السياسي الحالي يتم عبر الخلاص من مخاطر الطائفية ومحاصصاتها في الحكم والمجتمع ، ومن الفساد السائد والفاسدين الكبار ومن الإرهاب الدموي المتواصل بكل أشكاله، إضافة إلى وضع حد لتدخل دول الجوار والتدخل الدولي في الشأن العراقي ، وهذا لن يحصل الا بتوافق العراقيين على مشروع وطني عابر للطائفية والاثنية والنظرة العنصرية والاتفاق على الثوابت الوطنية ، ضمن رؤية موحدة بالقضايا المصيرية التي تخص العراق ومنها تحديد شكل العلاقة مع الولايات المتحدة وتحويلها الى علاقة تنموية واستثمار التطور الامريكي في كافة المجالات العلمية والصحية والصناعية والزراعية وتقوم على المصالح المشتركة للشعبين الامريكي والعراقي ، ودعم السيادة العراقية في المحافل الدولية ، بشراكة حقيقية حيث لانستطيع تجاهل الولايات المتحدة ومصالحها في العراق خاصةً بعد احتلالها للبلد ، وهي القوة الاكبر والاعظم بالعالم ، ولكننا يمكن ان نجعل من تلك العلاقة، علاقة بين دولتين ذات سيادة ومصالح مشتركة تكون هي الاساس المشترك للتطور وادارة العلاقة معا ، ان تبني سياسة المواجهة مع واشنطن خيار غير سياسي وينم عن ضعف بالرؤية وتجاهل ماحدث للعراق والعراقيين وما سيحدث لاحقا من تداعي لا حصر له. مالذي جنيناه من هذا الخيار بعد ان اصبحنا لعبة للرهان والصراع على حساب الزمن المهدور والتضحيات الجسام وتخلف البلاد والاقتصاد المنهار ومصادرة قرارنا السياسي من قبل دول الجوار وبلد تتقاذفة الصراعات والارادات التي لاناقة لنا فيها ولاجمل فيها وتبديد عقدين من حياة العراقيين بلا جدوى ، لا يوجد سياسي عاقل يرى ان مثل تلك السياسة ستؤدي الى نتائج مرضية وواقعية وليس من الحكمة الان ووفق الظروف الدولية ومعادلاتها القائمة ان ننتهج سياسة المواجهة . يجب العمل على تحويل العلاقة من قوة امريكية قتالية الى بناء علاقة استراتيجية تقوم على المصالح الاقتصادية المشتركة وبناء العراق ، يتطلب الامر من القوى السياسية تحقيق الاستدارة الكاملة والعمل بجدية ووضوح لانقاذ البلد وتعديل الخطاب السياسي والدعوة لعقد مؤتمر وطني تشارك فيه كل الاحزاب المشاركة بالعملية السياسية والمعارضة لها وضمان مشاركة اساتذة الجامعات المختصين بالتاريخ والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع والقانون ، والمثقفين والكتاب بمناقشة مفتوحة عبر وسائل الاعلام تحت “شعار اسباب الفشل وسبل النجاح” وبذلك نعكس صورة الديمقراطية الحقيقية امام محيطنا العربي وامام المجتمع الدولي على ان تكون مخرجات تلك المناقشات والتوصيات ملزمة للجميع ولخدمة شعبنا وعراقنا العظيم بتعديل وتصحيح المسار السياسي للبلد ، نحو الحل السياسي الذي سيحضى بمباركة شعبية ودولية” .

التعليقات معطلة.