بين الساحل والمغرب… خيارات فرنسا تضيق

1

أسعد عبود

أسعد عبود

فرنسا عرضت على المغرب المساعدة بعد الزلزال لكنّه اكتفى بقبول مساعدات أربع دول لم تكن هي من بينها.

تمضي التطورات في منطقة الساحل إلى طريق مسدود. فالانقلابيون في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، باتوا جبهة واحدة في مواجهة أي تحرّك عسكري محتمل للمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “إيكواس” بدعم من فرنسا.  وكل يوم يمرّ في هذه المواجهة تزداد الأمور صعوبة بالنسبة إلى فرنسا، التي لا تزال تأمل في دفع العسكريين في النيجر إلى اعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى السلطة. ولا تظهر مؤشرات حتى اللحظة إلى أنّ “إيكواس” التي أطلقت الانذارات والمِهل بتدخّل عسكري، عازمة فعلاً على وضع تهديداتها موضع التنفيذ. العمل العسكري إذا ما بدأ لا يمكن التنبؤ بمآلاته، في قارة تشهد تصاعداً في العداء لفرنسا.  وأتى التوقيع على الميثاق الدفاعي الثلاثي السبت بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ليضع مزيداً من العراقيل أمام اعتماد الخيار العسكري. ويُلزم الميثاق الموقّعين بمساعدة بعضهم بعضاً، بما في ذلك عسكرياً، في حال وقوع هجوم على أي منهم. والانطباع البديهي أنّ هذه الخطوة هي بمثابة رسالة واضحة إلى دول “إيكواس” أكثر مما هي موجّهة إلى الجماعات الجهادية التي تقاتل في الدول الثلاث.    ويصاحب هذا الحدث، ارتفاع الحرب الكلامية بين فرنسا والانقلابيين في النيجر. وتتهم باريس السلطات العسكرية باحتجاز السفير الفرنسي، بينما يجري التضييق على القاعدة العسكرية التي ينتشر منها 1500 جندي فرنسي في البلاد. وبوركينا فاسو بدورها، أمرت الملحق العسكري الفرنسي بمغادرة البلاد.  هذه التعقيدات، قادت مدير معهد “تمبكتو” في داكار بكاري سامبي، إلى استنتاج مفاده أنّ “الخوف من رؤية الوضع في النيجر ينسحب على المنطقة برمتها، أرخى بثقله على العناد الفرنسي. المؤسف أنّ فرنسا تجد نفسها داخل حلقة مفرغة”. أما انطوان غلاسر الذي شارك في تأليف كتاب “فخ ماكرون الأفريقي”، فيرى أنّ فرنسا وقعت في ما سمّاه “مصيدة الساحل”.    ثلاث دول في غضون ثلاثة أعوام تنقلب على أنظمة حليفة لفرنسا (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، هذا من دون أن يتبيّن بعد ما يمكن أن يكون عليه اتجاه الانقلابيين في الغابون الذين أطاحوا نظام علي بونغو، من العلاقات مع فرنسا التي تملك شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية في هذا البلد الضئيل سكانياً، لكنه يكتنز ثروات نفطية ومعدنية هائلة، تبدو باريس في أمسّ الحاجة إليها. لكن بوصلة الانقلابات وما رافقها من تقليص للنفوذ الفرنسي، والاعتماد على خدمات شركة “فاغنر” الروسية الأمنية، تؤشر إلى أنّ فرنسا هي الخاسر الأكبر في المنطقة.  ليست منطقة الساحل وحدها التي تثقل كاهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هناك المغرب الذي لم يردّ على العرض الفرنسي بتقديم مساعدة لضحايا الزلزال المدمّر الذي ضرب جبال أطلس في 8 أيلول (سبتمبر) الجاري، وأعقبه جدل واسع بشأن هذه المسألة، ومن ثم كان نفي مغربي رسمي لتضمّن جدول أعمال الرباط زيارة سيقوم بها ماكرون للمغرب في وقت قريب.  وهكذا تجد فرنسا نفسها في مواجهة حالة غير مسبوقة من المشاعر المناهضة لسياسات اعتمدتها منذ مرحلة ما بعد جلائها العسكري عن البلدان الأفريقية ومنحها الاستقلال. دول أفريقية كثيرة ترى أنّ فرنسا واصلت استعمارها بطريقة مختلفة، وأنّها اعتمدت على الأنظمة التي حكمت في فترة ما بعد الاستقلال.  ما يجري الآن، يؤشر إلى نوع من الصحوة الأفريقية الرافضة لمنطق الوصاية الذي تبنّته فرنسا في العقود الأخيرة، ويفرض على ماكرون الوفاء بتعهداته عندما انتُخب رئيساً في 2017، بوضع حدّ لما اصطلح على تسميته “فرنسا الأفريقية”.  الصعوبات تتراكم أمام فرنسا في أفريقيا وتضيّق عليها الخيارات. لكن الأمر المؤكّد هو أنّ الاحتفاظ بالسياسة التقليدية، لم يعد متاحاً، فيما الاندفاع إلى الأمام سيكون مكلفاً. ربما يكون سلوك الواقعية هو الردّ الأفضل. 

المصدر: النهار العربي   

التعليقات معطلة.