سعود الريس
لم يكن مألوفاً أن يحضر الوفد القطري برئاسة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بين وفود دول تآمر عليها إلى ما قبل انعقاد القمة الـ38 في الكويت بساعات، بل على العكس بدا المشهد منفراً وأمير قطر يتصنع الابتسامة حتى وإن كانت ابتسامة صفراء. فالدول التي حرص على الحضور بجوارها هي الدول ذاتها التي كان يتآمر عليها ويسعى لإلحاق الضرر بها، بينما إعلامه يقوم بتشويه سمعتها على مدار الساعة.
لا يجد أمير دولة قطر غضاضة في كل ذلك، بل على العكس هو يعتبره نصراً، ربما على غرار النصر الإلهي الذي يوزعه المرشد الإيراني خامنئي على أدواته.
الشيخ تميم وافق على دعوة قمة قادة دول مجلس التعاون قبل أن يتلقاها رسمياً من دولة الكويت، سعى خلفها وحرص على تلقيها، كيف لا وعدم وصولها يعني المزيد من العزلة له ولبلاده جراء السياسات الداعمة للإرهاب، وليس خافياً أنه أراد من خلال هذا الحضور تحقيق المزيد من المكاسب على الصعيد الداخلي في بلاده من جهة، ومن جهة أخرى الخروج بمظهر الساعي إلى السلام والصلح مع الدول التي أساء إليها. توقع أمير قطر لوهلة أن الزمن من الممكن أن يعود إلى الوراء، فقد كان يأمل بأن يحدث ما حدث في العام 2013 و2014 وأن يحل الخلاف مع أشقائه خلف الستار، ويخرج مبتسماً مصافحاً أمام عدسات الكاميرا للإيحاء بأنه من يسعى إلى الصلح، وسرّب في الكويت قبل أيام أن الشيخ تميم سيعتذر علناً للسعودية والإمارات والبحرين، لكن في الوقت ذاته، كان وزير خارجيته يسوق أبشع الاتهامات لهذه الدول من روما سعياً لاستفزازها، فيما كان إعلامه يحتفي بمأساة اليمنيين جراء خلط الأوراق الذي شهدته صنعاء، سبق ذلك التطوع القطري لإجراء وساطة بين صالح والحوثي، كان تفسيره الوحيد هو الخشية من كشف الملفات القطرية والإيرانية بعدما أعلن الراحل علي عبدالله صالح انقلابه على الحوثي.
هذه المعطيات غلفت أجواء القمة قبل انعقادها، وزاد من إرباكها ما تم الإعلان عنه في الكويت رسمياً من أن جدول الأعمال لا يتضمن الأزمة القطرية، بل سيقتصر على مسيرة العمل المشترك لما فيه مصلحة شعوب المنطقة!
كنت أتمنى أن تؤجل الكويت عقد هذه القمة، لكن لا أعلم لماذا أصرت عليها في موعدها، لا شك أنه أمر إيجابي في أحد جوانبه لو كان سيفضي إلى نتيجة مضمونة أو أنه على الأقل سيخرج بما هو لمصلحة المنطقة ولو في حده الأدنى، لكن من الواضح أنه لم يكن كذلك، فلا يمكن الخروج بفائدة أو حلول دعم لملفات متأزمة في المنطقة وهناك انقسام بهذا الحجم في المجلس، كما أن جزءاً كبيراً من تلك الملفات المتشعبة قطر طرف رئيس فيها، ومع الأسف أنه طرف لا يخدم إلا مصالح ضيقة وفق منظور مذهبي ضيق تنفيذاً لسياسات وأجندات لا يخدم أي منها دول المنطقة وضعت الدوحة نفسها فيه وارتمت في أحضانه، لذلك استغربنا الإصرار الكويتي لأن الظروف المحيطة كان واضحاً أنها تسير في سياق غير طبيعي، وأيضاً غير واضح، ومع التأكيدات والتلميحات بأن القمة ستعقد مكتملة الأركان لم يكن أمامنا إلا الانتظار والمباركة في النهاية إذا ما تمت، فأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد يحظى بتقدير بالغ ومستحق، فالرجل يشهد له تاريخه وحكمته وخبرته وسنه، ويستحق تسجيل نجاح يضاف لرصيده في إدارة الأزمات والتوافق والسلم، لكن المؤسف أن القمة التي اختتمت أمس كانت باهتة حتى وإن تمكنت من الإبقاء على هيكل مجلس التعاون لا روحه، فختامها تحدث عن مسيرة تكامل اقتصادي بين دول المجلس، بينما إحدى دوله تتكامل مع أعداء المنطقة، وتحدث عن تكامل عسكري للخليج العربي، وهناك دولة تستقطب الجنود والمرتزقة إلى أراضيها بحجة السيادة، وتحدث أيضاً عن تكامل أمني بينما إحدى دوله تمنح الإرهابيين المأوى، بل وتنفق عليهم وعلى مشاريعهم، كنت أود لو تم مناقشة دورة الخليج لكرة القدم، فهي كل ما تبقى، حتى وإن كانت معلّقة..!