المصدر: النهار العربي رستم محمود
آثار القصف في مطار عربت. (أ ف ب)
A+A-شكلت حادثة القصف التركي لمطار عربت في محيط مدينة السليمانية، أقصى شرق إقليم كردستان، مؤشراً إلى طبيعة انقسام القوى السياسية الحاكمة فيه حيال حزب العمال الكردستاني PKK، وحضوره في الإقليم، أمنياً وعسكرياً وسياسياً على حد سواء. اتهامات تركية لـ”الاتحاد الوطني”الجيش التركي الذي قصف المطار بطائرات مسيرة، قال بعد ساعات إنه نفذ ذلك بسبب تعاون أمني وتدريبي بين قوات مكافحة الإرهاب المرتبطة بالاتحاد الوطني الكردستاني، وقوات نظيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني. وترى أنقرة أن التعاون بين الطرفين وصل إلى أعلى المستويات، في وقت يتهم الحزب الديموقراطي الكردستاني – الحزب الشريك للاتحاد الوطني في حكم إقليم كردستان – حزب العمال الكردستاني باستجلاب الحروب والأزمات الأمنية للإقليم، سواء من حيث انتشاره في عدد من المناطق الجبلية شمالاً، أم عبر سيطرة فصائل مرتبطة به على منطقة سنجار (الكردية اليزيدية) جنوباً، ومنعه قوات البيشمركة الكردية من الانتشار فيها مجدداً. وأظهرت وسائل الإعلام التابعة للحزبين خلال الأيام الماضية تبايناً واضحاً. ففي وقت نفت الجهات التابعة للاتحاد الوطني تعاوناً عسكرياً مع العمال الكردستاني، مذكرة بأن التدريبات المشتركة هي مع قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، ومُصعدة في وجه ما سمّته “الفاشية القومية التركية ضد الأكراد”، توعد عدد من قادة الحزب بالانتقام لضحايا عناصر جهاز مكافحة الإرهاب. وفي غضون ذلك، طالبت الجهات المحسوبة على الديموقراطي الكردستاني بكشف حقيقة حضور عناصر العمال الكردستاني في مطار عربت وكل مناطق نفوذ الاتحاد الوطني في محافظتي السليمانية وحلبجة، وطبيعة الروابط القائمة. …وتحذيرات مباشرة لبافل طالبانيوزير الدفاع التركي يشار كولر وجه “تهديدات مباشرة” إلى زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، محذراً إياه من خطورة استمرار التعاون بين حزبه وحزب العمال الكردستاني، مردداً في أعلى مستوى من التهديد المباشر “ضرورة التوقف عن دعم حزب العمال الكردستاني، وقطع العلاقات مع هذه المنظمة، وإلا فإن الوضع المستقبلي لن يكون في مصلحة مدينة السليمانية”، مضيفاً في مقابلة مع صحيفة “ملييت” التركية: “سنراقب تحركات الاتحاد الوطني الكردستاني ونقدم ملاحظاتنا إلى العراق والحزب الديموقراطي الكردستاني”. الوزير التركي كان قد نشر موجزاً إعلامياً قال فيه: “نتابع ونعرف كل أعمال حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ونشارك هذه الأمور مع أصدقائنا العراقيين وأصدقائنا في الحزب الديموقراطي الكردستاني، لكننا لا نريد اتخاذ خطوة أكثر جدية… لقد قيلت هذه الأمور علانية وتكراراً”.
تعود قضية حضور حزب العمال الكردستاني ونشاطاته ضمن مناطق إقليم كردستان العراق إلى أوائل التسعينات من القرن المنصرم. فالحزب، وإن كان قومياً يسارياً كردياً “تركياً”، إلا أنه واحد من ثلاثة أحزاب كردية/إقليمية تقليدية، يملك نفوذاً في مختلف الجغرافيات الكردية في دول المنطقة، مثل حزبي الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني، وخاضت أجنحته المسلحة صراعات متتالية مع الحزبين الأخيرين طوال العقود الماضية، بغية السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة في المثلث الحدودي العراقي – التركي – الإيراني. خلال مرحلة الأعوام 2003-2017، وبسبب الاتفاق السياسي الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، تراجع تدخل ودور العمال الكردستاني في الإقليم، خصوصاً أن تلك المرحلة تلاقت مع بدء عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية.تنامي الدور المسلّح لـ”العمّال”لكن، وبدءاً من عام 2014، ومع تصاعد دور القوى الكردية المسلحة المقربة من العمال الكردستاني في سوريا، وزيادة دور أجنحة العمال الكردستاني في محاربة الإرهاب، بدعم من الولايات المتحدة، خصوصاً بعد زيادة الاستقطاب بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في إقليم كردستان عقب استفتاء عام 2017، فإن العمال الكردستاني عاد إلى التأثير في الأوضاع الداخلية وعلاقة التوازن بين الحزبين ضمن إقليم كردستان.
الباحث والكاتب شفان رسول شرح في حديث مع “النهار العربي” آلية تخطيط حزب العمال الكردستاني واستراتيجيته بالنسبة إلى إقليم كردستان، راهناً ومستقبلاً. وقال: “يعرف العمال الكردستاني أن إقليم كردستان هو الجغرافيا الوحيدة التي يستطيع فيها أن يؤمّن موطئ قدم مستداماً، ليس فقط للوعورة الجغرافية والاتصال والتداخل مع ساحته الرئيسية في تركيا، بل لعوامل سياسية أكثر تعقيداً. فالعمال الكردستاني متأكد من ديمومة الاستقطاب السياسي بين القوى الحاكمة لإقليم كردستان، وبينها وبين السلطات المركزية في بغداد، وهذان عاملان رئيسيان لنوع من الهشاشة الأمنية والسياسية، يستطيع فيها العمال الكردستاني إيجاد مساحة ما. كذلك يعرف الكردستاني أن المجتمع، وحتى القوى السياسية والثقافية الكردية في الإقليم، لا تعتبره حزباً إرهابياً، كما تفعل العديد من الجهات الدولية والإقليمية، فيستفيد من ذلك لتوفير بيئة لعملياته السياسية واللوجستية. على أن العامل الأهم هو استخدامه للتنافس والخلاف الاستراتيجي الإقليمي ضمن الإقليم. فالعمال الكردستاني أقرب على الدوام إلى الاستراتيجية الإيرانية، لأنه مناهض دائم لتركيا، وهو بذلك أقرب وأكثر تناغماً مع الاتحاد الوطني الكردستاني ذي العلاقة التاريخية مع إيران”. عملياً للعمال الكردستاني ثلاث مناطق نفوذ أمني وسياسي ضمن الإقليم، هي مخيمات لاجئي “أكراد تركيا” في منطقة مخمور جنوب محافظة أربيل، والمناطق اليزيدية في منطقة سنجار غرب محافظة نينوى (الموصل)، والسلاسل الجبلية في مرتفعات خواكورك ومتينا وقنديل في المثلث الحدودي مع كل من تركيا وإيران.