قناة السويس وممر “بهارات”… تكامل أم تنافس خطر؟!

1

محمد حسين أبو الحسن

محمد حسين أبو الحسن

قناة السويس.

قناة السويس.

على هامش قمّة العشرين في نيودلهي، وقعت أميركا والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، مذكرة تفاهم لإنشاء ممرّ اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ويشمل خطوطاً للسكك الحديدية وأنابيب للطاقة وكابلات الإنترنت، ويخفض تكلفة النقل 40 في المئة؛ لذلك وصف الرئيس الأميركي جو بايدن المشروع بأنه “تاريخي”، بينما اعتبره خبراء آخرون مشروعاً جيوسياسياً بغطاء اقتصادي، يهدف لمنافسة المشروع الكوني الصيني “الحزام والطريق”؛ في حين يدور لغط كبير في مصر حول تأثيره على قناة السويس، الممر الملاحي الأهم حالياً على مستوى العالم، ما يجعل مستقبلها محل تساؤل: إلى أي طريق يسحبها الممر: التنافس القاتل أم التعاون المثمر لكل الأطراف؟!

فوائد الممر
تتمحور فكرة الممر الجديد الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، ويتكوّن من فرعين: الممرّ الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممرّ الشمالي ويربط الخليج بأوروبا عبر الأردن وإسرائيل. وقد أشاد بايدن بقدرة المشروع “على رفع مستوى النموّ في الجنوب العالمي”، عبر إنشاء خطوط جديدة للسكك الحديدية من الهند على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط، مع ممرّات للشحن وخطوط أنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين لتحقيق النمو الاقتصادي، ويشمل المشروع أيضاً كابلاً بحرياً لنقل البيانات وربط موانئ المنطقة، وتعزيز أمن الطاقة، خاصة الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي، عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات، من خلال الألياف البصرية، وتعزيز التبادل التجاري.
وبرغم تأكيد الرئيس بايدن أن المشروع لا يهدف إلى منافسة الصين، فإن ممر “بهارات” – وهو الإسم القديم للهند – يندرج في إطار مبادرة إدارة بايدن “إعادة بناء عالم أفضل، لمساعدة الدول النامية، في تطوير بنيتها التحتية ومشاريعها التنموية، بحلول عام 2053″، بقيمة 40 تريليون دولار، وهي مبادرة استراتيجية تهدف لقطع الطريق على “الصعود الصيني”؛ من خلال رؤية أميركية لتطوير ممرّات اقتصادية، وتأمين سلاسل التوريد العالمية، والتواصل الإقليمي، مع إعطاء أولوية للاستثمار في مجالات: المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي. لكن المبادرة الأميركية ما كانت لتنجح في الوصول إلى مبتغاها، لولا ترحيب الأطراف المشاركين في “ممر بهارات”، لاسيما الهند والإمارات والسعودية. كان لافتاً أن يتوجه الرئيس الأميركي بشكر حار إلى نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، قائلاً: “هذا المشروع ما كان ليرى النور لولا جهودك”، وتأكيده لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنّ هذا المشروع يبرز دوراً قيادياً للسعودية.

أهمية استراتيجية
بينما اعتبرت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية أن الاتفاقية جزء أساسي من جهود الاتحاد؛ لتمتين العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول الخليج، لاسيما في ضوء حرب روسيا ضد أوكرانيا، وحاجة أوروبا إلى إيجاد بدائل من الطاقة الروسية. وكان الاتحاد الأوروبي خصّص ما يصل إلى 300 مليار يورو استثمارات في البنية التحتية، في الخارج بين عامي 2021 و2027 من خلال مشروع البوّابة العالمية، الذي جرى إطلاقه جزئياً لمنافسة مبادرة “الحزام والطريق”، والدفاع عن المصالح الأوروبية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين في العالم. هكذا يتضح أنه بالإضافة إلى فوائده الاقتصادية، يحظى “ممر بهارات” بأهمية استراتيجية فائقة، لأنه يعد فرصة لواشنطن لتأكيد قيادتها للعالم، والعودة إلى الشرق الأوسط وقطع الطريق على الحضور الصيني المتنامي في المنطقة، من خلال تعزيز العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين، خاصة الإمارات والسعودية وإسرائيل، أيضاً زيادة قدرة الهند على المستويات كافة، ومن ثم صعودها لتشكل قوّة موازية للصين عالمياً؛ كذلك محاصرة إيران وإبقاؤها تحت ضغط دائم لإفشال مخططاتها التوسعية، مع دمج إسرائيل في المنطقة.

يخفض المشروع تكاليف النقل بين الهند وأوروبا، بما يخدم نحو 52 دولة أكثرها دول حبيسة؛ ويجعل حركة التجارة أسرع بنسبة 40 في المئة، وقد يصل حجم التجارة بينها مستقبلاً إلى 9 تريليونات دولار، لكن التفاصيل حول عمليات تخطيط الممر وتنفيذه وتمويله لا تزال شحيحة، وقد أكد عدد من المسؤولين في الدول المشاركة بدء التنفيذ في غضون شهرين، من خلال وضع خطة وجدول زمني لتنفيذ مشاريع ربط شبكات الطاقة، ومد الكابلات البحرية والبرية، وتوفير مزيد من الاتصالات الرقمية.

وفي ظل الرؤية السائدة حول أن الممر الجديد يهدّد “الحزام والطريق”، ويحل الهند تدريجياً مكان الصين في المرتبة الاقتصادية والنفوذ الجيوسياسي، يتصاعد اللغط في مصر بشأن مدى تأثير “ممر بهارات” على قناة السويس مستقبلاً، وتنقسم الآراء حوله إلى ثلاثة أقسام: قسم متشائم وقلق، باعتبار الممر الجديد مهدداً خطيراً لحجم ونوعية التجارة العالمية المارة في القناة، إذ أشاروا إلى أنه قد يتحول لخطر حقيقي، حال إتمام إنشاء خطوط أنابيب لنقل البترول والغاز بين الخليج العربي وأوروبا. ويذهب آخرون في اتجاه معاكس؛ باعتبار أن القدرة التنافسية للقناة تفوق هذا الممر بمراحل، وقالوا إن السفينة العملاقة الواحدة قد تحمل 20 ألف حاوية، بينما القطار الواحد لا يمكنه حمل أكثر من 200 حاوية، ما يجعل الأمر محسوماً للقناة.

علاقات شبكية
في حين رأى فريق ثالث أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لن يكون منافساً قوياً لقناة السويس، على الأقل في المدى القريب، لكنه يمكن أن يؤثر سلبياً في المدى المتوسط والبعيد، بيد أنه قد يحمل فوائد جمة لمصر ولقناة السويس لو تمكنت القاهرة وبقية العواصم المشاركة في “ممر بهارات” من العثور على صيغة تعاون وتكامل، من خلال إدماج مصر بقدراتها وموقعها وقناتها عضواً في الممر الجديد، وقالوا إن هذا الممر قد يدفع مصر إلى انتهاج مسلكين، الأول تطوير وسائل النقل متعدد الوسائط، من خلال ربط قناة السويس وخط سوميد لنقل البترول والقطار السريع السخنة – العلمين، بشكل أكثر فاعلية وتنافسية، أو مد فرع من الممر من السعودية إلى سيناء – لو جرى إنشاء “جسر الملك سلمان” بين البلدين فوق البحر الأحمر – حتى تصل البضائع إلى ميناء العريش على البحر المتوسط، أما الخطوة الأهم فتتمثل في تحويل ضفتي قناة السويس إلى مصانع بتكنولوجيات متقدمة، بشراكات دولية، مع تقديم تيسيرات لوجستية واسعة.

وربما يكون في ما ذهب إليه الفريق الثالث، فرصة حقيقية لتحويل العلاقة بين الممر الجديد وقناة السويس من التنافس إلى التكامل، صحيح أن الممر يوفر وقتاً لنقل البضائع بين الهند وأوروبا، بنحو 6 و8 أيام، مقارنة بقناة السويس، لكن المشروع لن يُنافس قناة السويس في نقل كل البضائع، المنافسة قد تكون في المنتجات الإلكترونية فقط لخفة حمولتها، بينما السلع الأخرى وبالنظر إلى طبيعتها وظروف شحنها ونقلها تتفوق فيها القناة، التي يمر بها حالياً 12 في المئة من التجارة العالمية، و30 في المئة من إجمالي حركة الحاويات العالمية. حققت القناة إيرادات قياسية العام الماضي تجاوزت 9 مليارات دولار، ما يجعلها رقماً صحيحاً لا غنى عنه في معادلة التجارة الدولية التي تبلغ نحو 23 تريليون دولار. كما أن الصين ربطت جميع موانئها بدول أوروبا الشرقية عبر قناة السويس وميناء فيرايوس للشحن باليونان ومنه إلى بقية بلدان القارة العجوز.

برغم مساعي بعض القوى الدولية والإقليمية لإحياء سياسة المحاور فإن العلاقة بين ممر “بهارات” وقناة السويس تنطوي على احتمالات التنافس بقدر إمكانات التعاون والتكامل والاندماج، لأن العالم المقبل هو عالم التعددية والعلاقات الشبكية لا الخطية؛ تتيح للسعودية على سبيل المثال أن تقيم علاقات متوازنة مع روسيا والولايات المتحدة، وأن تقيم الهند علاقات متوازنة مع إسرائيل وإيران، وأن تقيم الإمارات علاقات متوازنة مع الهند والصين!

 المصدر: النهار العربي

التعليقات معطلة.