المصدر: النهار العربي
فارس خشان
“يسعدني إذا كان انتخابي قد حمل بعض الفرح إلى لبنان”، قال الأديب أمين معلوف، في لقاء صحافي، أعقب إعلان فوزه بمنصب السكرتير الدائم للأكاديمية الفرنسية، بعد منافسة “غير حامية” و”مؤخرة” مع الطبيب والدبلوماسي والروائي جان كريستوف روفان!
وكانت سبحة من التبريكات “البيانيّة” و”الفايسبوكيّة” و”الإكسويّة” قد انهالت على معلوف، فلم يبقَ كبير وصغير ولا مقمّط بالحرير، صامتاً، فالجميع تنافسوا في “مهرجان الفخر” بابن لبنان، وهو يتبوّأ أرفع المناصب الثقافية في فرنسا التي احتضنته وأكرمته وصانته!
غالبية هؤلاء المشاركين في “مهرجان الفخر” كانوا، قبل سنوات، قد دفنوا رؤوسهم بالتراب، حين شنّت “الشرطة الثقافيّة” في “حزب الله” حملة على معلوف صوّرته فيها عميلاً صهيونيّاً، على خلفيّة إقدام تلفزيون إسرائيلي على الترويج لكتاب جديد كان معلوف قد أصدره.
ولم تخلُ تلك الحملة من التهويل والتهديد والترهيب، ووصلت إلى مستوى قارب محاولة نزع كل ما في أمين معلوف من اللبنانيّة!
وبفعل هذه الحملة، ألغى أحد التلفزيونات اللبنانيّة بثّ مقابلة كان قد سجلها مع معلوف، وأوقفت إحدى دور النشر اللبنانية حملة ترويج كانت قد وضعتها لكتبه ورواياته، والأدهى من ذلك أنّ أحداً لم يأبه بأنّ “الكاتب الخالد” قد أوقف زياراته للبنان. في الواقع، لم يفتقده أحد!
والمفارقة أنّ المبتهجين بالمنصب الجديد الذي تبوّأه أمين معلوف، تجاوزوا أنّه، من أجل الوصول إليه، خاض انتخابات وضعته في مواجهة مع شخصية من قياسه، فلا كان هناك هاجس نصاب، ولا هاجس كفاءة ولا هاجس “تقريف” الكفاءات لمصلحة خيار ثالث، من هنا يتصارع مع “اللا خيار” هناك.
إنّ اللبنانيّين كما قال أمين معلوف في مؤتمره الصحافي الذي أعقب الانتخابات شغوفون بمواطنيهم الذين غادروا إلى الخارج، ولكنّ ما أحجم معلوف عن ذكره أنّ الطبقة السياسيّة اللبنانية على مختلف مكوّناتها، شغوفة باستغلال نجاح شخصيات ساهمت في نفيها ثقافيّاً أو اقتصاديّاً أو أمنيّاً عن بلادها، وأمعنت في إهمال ما تعانيه وما تواجهه من تحدّيات وصعوبات.
ولم يكن العمل الرسمي اللبناني ضد صديق معلوف الوزير السابق غسّان سلامة حين رشّح نفسه لرئاسة منظمة “اليونسكو” في عام 2016، سوى مثال عن التعاطي مع الشخصيات اللبنانية التي اضطرت إلى ترك بلادها!
والأهم من ذلك أنّ هذه المجموعة الفخورة بالمنصب الجديد الذي تولّاه أمين معلوف، كفرنسي وفرنكوفوني، لا تعير انتباهاً إلى تقهقر الآداب في لبنان والنشر والتأليف والتوزيع والقراءة والجامعة الوطنية، من دون أن نُهمل التراجع المخيف في مستوى اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية للبنان.
وهذا السلوك اللبناني لا يمكن أن يجعل معلوف وأمثاله راضين عن الشهادات التي يقدّمها عنهم صانعوه والمسؤولون عنه!
إن ردّ فعل أمين معلوف على “البهجة” اللبنانية بانتخابه، كان قاصراً عمداً عن محاكاة الاندفاعة اللبنانية بمثلها، فاختار أن يواجهها بلسان المحلّل والمراقب، وذلك لإدراكه أنّ ما حققه لم يكن ممكناً لو كان قد بقي في لبنان، ولو لم يكن قد اعتنق “الوطنية الفرنسية” حتى الثمالة، ولو كان زملاؤه الفرنسيّون الذين صوّتوا له بحماسة، فيهم بعض العنصرية التي بدل قمعها في لبنان تتمّ تغذيتها لا لتفرّق بين لبناني وغير لبناني بل بين لبناني وآخر!
إنّ بلاداً لا يلمع أبناؤها الأكفياء إلا إذا هاجروا، عليها أن تخجل وتسارع إلى إصلاح ذاتها لا أن تفتخر وتتباهى، كما لو كان نجاح هؤلاء نتاج عرق ودم وحمض نووي، لا أكثر ولا أقل.
مبروك أمين معلوف، وشكراً… فرنسا!