حجي مراد
في الدعوى المرقمة ١٠٥ /أتحادية / وموحدتها الدعوى / ١٩٤ / أتحادية / ٢٠٢٣ والتي نظرتها المحكمة الاتحادية العليا ضد المدعي عليهما السيد رئيس مجلس النواب والسيد رئيس الجمهورية ، حيث طلب المدعون بموجب هذه الدعوى من المحكمة الموقرة الحكم بعدم دستورية القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠١٣ ، وهو القانون الخاص بتصديق الأتفاقية سيئة الصيت والموقعة بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله ، وطلب المدعون كذلك من المحكمة الموقرة الحكم بعدم دستورية المادة (٢) الواردة بالأتفاقية المصدق عليها بموجب القانون المذكور كونها تضمنت تحديد لنقاط حدودية مغايرة للواقع الجغرافي ومغايرة للحقوق التاريخية الثابتة للعراق ، الأمر الذي أخل بالمصالح السيادية للدولة وهو ما يُعَد فيه محالفة لأحكام المادة (٨) من الدستور والتي نصت على مراعات مبدأ حسن الجوار كأساس في بناء علاقات العراق مع جيرانه وأن يتم مراعات المصالح المشتركة في تلك العلاقات ، وهذا ما لم يتم مراعاته بموجب هذه الأتفاقية والقانون المطعون بهما ، وكذلك طلب المدعون من المحكمة الموقرة الحكم ببطلان تلك الأتفاقية وقانون تصديقها كون أن الدستور وفي المواد (٥٠، ٧١، ٧٩) منه يُحَتّم على رئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس وأعضاء مجلس النواب أداء واجباتهم الدستورية المتمثلة بالسهر على سلامة أرض العراق وسمائه ومياهه وثرواته وهذا ما لم يتم مراعاته من قبل المعنين عند أبرام تلك الأتفاقية وتشريع قانون تصديقها ، وكذلك لم يتم أتباع الأجراءات الدستورية المبينة بالمادة (٦١) من الدستور والتي تمنح مجلس النواب صلاحية المصادقة على المعاهدات الدولية والأتفاقيات بموجب قانون يُسَن بموافقة أغلبية ثلثي أعضائه .
وحسب ماورد في قرار المحكمة الاتحادية العليا فقد طلب السيد رئيس مجلس النواب من المحكمة الموقرة رد هذه الدعوى وذلك لسبق الفصل في موضوعها من قبل ذات المحكمة الموقرة بالدعوى المرقمة (٢١ / أتحادية / ٢٠١٤) ، وكذلك طلب السيد رئيس مجلس النواب رد الدعوى كون أن بيان مدى نفع أو ضرر العراق من أبرام هذه الأتفاقية ليس من أختصاص المحكمة الموقرة وأنما هو من أختصاص مجلسي الوزراء والنواب ، أما السيد رئيس الجمهورية فقد طلب من المحكمة الموقرة رد الدعوى لعدم وجود مصلحة قانونية مباشرة ومعتبرة للمدعين الطاعنين بالأتفاقية وقانون تصديقها ، وأدعى السيد رئيس الجمهورية المحترم أن جميع الأجراءات الدستورية المتخذة بأبرام الأتفاقية وقانون تصديقها كانت أجراءات صحيحة ومنسجمة مع أحكام الدستور .
وعند نظر المحكمة الاتحادية العليا في حيثيات الدعوى وما يتعلق بموضعها من وثائق ومستندات ، نرى أن المحكمة الموقرة قد أستعرضت وبشكل مفصل ودقيق لكل تاريخ أرتباط الكويت بالعراق ، وكذلك أستعرضت المحكمة الموقرة تاريخ الصراع القائم بين الدولتين على شرعية أستقلال الكويت عن العراق من جهة ومن جهة أخرى الصراع القائم بين الدولتين على ترسيم الحدود الفاصلة بينهما وصولا الى أتفاق ترسيم الحدود الأخير الموقع بينهما وتحت أشراف الأمم المتحدة في العام ١٩٩٣ .
وقد بينت المحكمة الموقرة في قرارها بأن دستور جمهورية العراق يُعَد وثيقة عراقية وطنية فارضة لوحدة العراق ولمسؤولية الحفاظ على أمنه وصون سيادته وأستقلاله ، وترى المحكمة الموقرة بأنه وبخلاف ذلك فأننا سنكون أمام جريمة أنتهاك للدستور وجريمة خيانة عظمى -وهذا شيء خطير لابد من التمعن به جيداً من قبل المعنين به- وأن دستور جمهورية العراق يُعَد وثيقة مانعة الى كل ما يؤدي الى الإخلال بالحقوق والحريات العامة والخاصة وأن الدستور كذلك هو الوثيقة الوطنية الجامعة لكل السلطات في الدولة ، وذلك من خلال تبيانه للسلطات الأتحادية ككل وتبيانه لصلاحيات كل منها ولتحديده لأليات ممارسة تلك السلطات لصلاحياتها الدستورية .
وأشارة المحكمة الموقرة في قرارها الى أن الدستور العراقي وما ورد فيه يمثل طموح الشعب العراقي الأبي في تحقيق أهدافه وذلك من خلال نظام جمهوري برلماني ديمقراطي يمنع منعاً مطلقاً أي فرد أو أي مؤسسة من التسلط ، حيث أعتمد الدستور لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدا التداول السلمي للسلطة ، وبينت المحكمة الموقرة بأن الدستور العراقي يمثل المصلحة العليا للبلاد وأنه من نتاج نضال شاق ومرير قام به كل أبناء الشعب العراقي بجميع طوائفه ومكوناته ، وأن كل ما ورد في الدستور كان بمثابة ترجمة حقيقة صادقة لدماء شهداء العراق ونضال شعبه ، حيث أنه ومن خلال الدستور تم بناء مؤسسات ديمقراطية رصينه تُعَد ضمانه حقيقية لحرية الرأي والتفكير والعقيدة في العراق الواحد .
وقد بينت المحكمة الموقرة في قرارها أن الدستور العراقي كان قد أكد على أستقلال القضاء ، حيث نص على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا ومنحها سلطة الرقابة على دستورية القوانين وتفسيرها والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين ، وأن الدستور والقانون يكفل لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنين وأعضاء مجلس النواب وذوي الشأن من الأفراد كافة حق الطعن أمامها في كل ما هو من أختصاصها ، وأن الغاية من عمل هذه المحكمة هو الحفاظ على التطبيق السليم للدستور وضمان تَقّيُد السلطات الأتحادية بحدود صلاحياتها وأختصاصاتها .
كذلك بينت المحكمة الموقرة في قرارها من أساس وجود أي سلطة في الدولة هو الدستور ، وأن أساس ممارسة أي سلطة لمهامها هو الدستور ، وعند تجاوز أي سلطة لحدود الدستور فأن تلك السلطة ستفقد شرعيتها الدستورية في تجاوزها لتلك الحدود ، وأكدت المحكمة الموقرة بأنه لا سياسة من دون التقيد بضوابط للمسؤولية ، وأنه لا سياسية من دون رقابة ، وأذا أخفق السياسيون في عملهم فلابد للقضاء من يمارس سلطانه في ضبط الأعمال .
حيث أمعنت المحكمة الموقرة النظر بملف الدعوى وأطلعت على كل ما تضمنه من حقائق وأدلة ، وبرجوع المحكمة الموقرة الى نصوص الدستور والى محضر جلسة مجلس النواب رقم ١٤ المنعقدة بتاريخ ٢٢ /٨ / ٢٠١٣ والتي تم فيها التصويت على القانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠١٣ والخاص بتصديق الأتفاقية سيئة الصيت والموقعة بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت الخاصة بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله ، فقد ثبت للمحكمة الموقرة من أن عدد النواب الذين حضروا تلك الجلسة وصوتوا على القانون المطعون فيه هم فقط (١٧٢) نائب من أصل عدد أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم (٣٢٩) نائب الأمر الذي يجعل من هذا التصويت باطل لعدم مراعاته لما أشترطه الدستور من وجوب أن يتم تصديق مثل هكذا أتفاقية بموجب قانون يُسَن بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب .
والسؤال الذي يطرحه نفسه هنا ، هل كان مجلس النواب وبكامل مؤسساته لا يعلم بعدم دستورية قراره ، أم أن الحكومة بكامل مؤسساتها وتكويناتها كانت لا تعلم ذلك ، أم أن السيد رئيس الجمهورية وكامل مؤسسات ديوان الرئاسة لم يكونوا يعلمون ذلك ، فهل السبب وراء ذلك هو سوء أختيار المستشارين ، وأعتبار مهنة المستشار مهنة تشريف لا أكثر من ذلك ولا أقل ، وما السبب الذي كان وراء صدور قرار سابق في العام ٢٠١٤ من ذات المحكمة الاتحادية العليا والذي تعتبر فيه المحكمة الموقرة أن التصويت على تشريع قانون تصديق هذه الأتفاقية كان صحيحاً ودستورياً بأعتبار عدد أعضاء مجلس النواب المصوتين عليه ، فما عدا مما بدا وتغير قرار المحكمة الموقرة ، فهل تعدل الدستور العراقي بين العامين ٢٠١٤ والعام ٢٠٢٣ ، أم أن التأثير على …… قد تغير ، للقارى الكريم الرأي والجواب .