محللون يؤكدون ضرورة رفع أسعار الفائدة ما بين 40 إلى 50 في المئة للسيطرة على الأسعار
دائرة الإحصاء التركية تعلن استقرار التضخم عند 61.5 في المئة (أ ب)
برهن ثبات معدل التضخم السنوي في تركيا عند مستوى 60 في المئة على نجاح التحول في السياسات الاقتصادية التركية على رغم ارتفاعه قليلاً وفقاً لبيانات رسمية حديثة.
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان مصراً في الفترة الماضية على محاربة أسعار الفائدة المرتفعة، معتبراً إياها شراً لا بد من التخلص منه، وهو ما دفعه إلى تغيير أكثر من محافظ للبنك المركزي التركي بسبب تطبيقهم للسياسات الاقتصادية المعروفة التي ترفع أسعار الفائدة لاحتواء موجة التضخم.
في غضون ذلك أعلنت دائرة الإحصاء المركزية أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنحو 61.5 في المئة على فترة 12 شهراً انتهت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وسجلت الأسعار زيادة في أغسطس (آب) قدرها 58.9 في المئة مقارنة مع 47.8 في المئة خلال شهر يوليو (تموز) الماضي.
فيما سجل تباطؤ في زيادة الأسعار على أساس شهري ليصل إلى 4.8 في المئة مقارنة مع 9.1 في المئة خلال شهر أغسطس 2023، و9.5 في المئة خلال شهر يوليو 2023.
وكان التضخم خلال الشهر الماضي مدفوعاً بشكل رئيس بزيادة شهرية قدرها 30.3 في المئة في كلفة التعليم للسنة المدرسية الجديدة، لكن أسعار تجهيزات مثل الألبسة ارتفعت على أساس شهري بنسبة 2.6 في المئة فحسب، إذ تظهر البيانات أن معدل التضخم في تركيا بلغ ذروته بعد موافقة أردوغان على رفع معدلات الفائدة.
قفزة كبيرة وقياسية بأسعار الفائدة
نهاية الشهر الماضي أعلن البنك المركزي التركي رفع معدل الفائدة الرئيس إلى أعلى مستوياته في 20 عاماً إلى 30 في المئة لمحاربة التضخم، وفي يونيو الماضي رفعت تركيا معدل الفائدة للمرة الأولى منذ سنتين في تحول كبير عن سياسة “أردوغان”، إذ زادت أسعار الفائدة من 8.5 في المئة إلى 30 في المئة خلال أربعة أشهر فحسب.
ويرى المحلل في “كابيتال ايكونوميكس” وليام جاكسون أن “الارتفاع البسيط (وفقاً لمعايير تركيا) في التضخم إلى مستوى 61.5 في المئة خلال الشهر الماضي، في مقابل 58.9 في المئة خلال الشهر السابق له، يعطي أول المؤشرات أن ارتفاع التضخم اقترب من الاستقرار”.
وغالباً ما عارض الرئيس التركي فكرة رفع معدلات الفائدة استناداً إلى سياساته الاقتصادية غير التقليدية التي تعتبر أن زيادة الفائدة ترفع التضخم، قبل أن يعدل من سياسته الاقتصادية بعد فوزه بولاية جديدة في مايو الماضي في أعقاب انتخابات رئاسية.
ووفق وكالة “الصحافة الفرنسية” أوكل “أردوغان” إدارة الملف الاقتصادي في حكومته الجديدة إلى فريق من المتخصصين عملوا في “وول ستريت” ويتمتعون بالثقة في أوساط المستثمرين.
وينسب إلى وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك الفضل في إقناع أردوغان بتعديل سياسته حيال الفوائد والتضخم، بعد تحذيره من دخول البلاد في أزمة منهجية بحال الاستمرار على المنوال ذاته.
وفي أكتوبر الماضي ناهز معدل التضخم السنوي في تركيا نسبة 85 في المئة، وهو الأعلى منذ بدء تركيا التحول نحو اقتصاد السوق بالكامل في التسعينيات قبل أن يتراجع تدريجاً، إذ هبط في يونيو الماضي إلى مستوى 38.2 في المئة، وهو أدنى مستوى له منذ 18 شهراً.
الليرة تفقد 27 في المئة في مقابل الدولار في أربعة أشهر
وأتاح واضعو السياسات النقدية في تركيا للعملة المحلية (الليرة) أن تفقد نحو 27 في المئة من قيمتها إزاء الدولار منذ الانتخابات أي خلال أربعة أشهر فحسب، وزادوا الضرائب لإتاحة المجال لأردوغان لتمويل بعض الوعود التي قطعها خلال حملته.
في غضون ذلك قال محلل شركة “كونوتوكسيا” بارتوش ساويكي في مذكرة بحثية حديثة أن “التضخم في تركيا يغذيه مزيج شرس من أسعار فائدة حقيقية سلبية للغاية، والزيادات الكبيرة في الأجور وإصلاح النظام الضريبي واستمرار ضعف الليرة”، مضيفاً أن “الزيارة الشهرية للأسعار تتفاقم بفعل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط”.
ويرجح متخصصون أن يواجه المسؤولون الأتراك ضغوطاً لكبح المسار التصحيحي كلما اقتربت الانتخابات البلدية المقررة في مارس المقبل، إذ تهدد معدلات الفائدة المرتفعة بتباطؤ في النمو الاقتصادي، مما قد يرفع معدلات البطالة في نهاية المطاف.
ويسعى أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم إلى استعادة بلديات مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة من المعارضة، ويعتبر المحلل في الأسواق الناشئة تيموثي آش أن “أسعار الفائدة يجب أن ترفع إلى ما بين 40 و50 في المئة في الأقل”، مستدركاً “لكن الخيارات الصعبة والتسويات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تأخير التعافي وتفرض كلف أكبر بعيدة المدى على الاقتصاد”.
ومنحت وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني تقييماً إيجابياً للسياسة التركية الراهنة، وعدلت من توقعاتها على المدى البعيد من سلبية إلى مستقرة، إذ قالت في مذكرة بحثية حديثة “نعتقد أنه بحلول عام 2026، وفي غياب أي تجدد لانعدام الثقة السياسية، الفريق (الحكومي) الجديد قادر على إعادة التوازن للاقتصاد نحو حسابات خارجية ومالية أكثر توازناً، إضافة إلى مستويات من التضخم أكثر قبولاً”.
وأوضحت أن “أكثر ما يثير قلقها في هذا المجال هو خفض بلا هوادة لقيمة العملة المحلية، إضافة إلى التدخل السياسي في استقلالية السلطة المالية من الرئيس التركي”.