لا يوجد أكثر من المرأة يمكن من خلالها إبراز دور الشرعية المبنية على تطبيق الشريعة
ويتكون القانون من 70 مادة، ويفصّل الحجاب غير المناسب الذي سيعد جريمة بحد ذاته يعاقب عليها بالسجن (أ ف ب)
أسّس النظام الإيراني منذ عام 1979 شرعيته على محورين رئيسين، الأول كونه نظاماً إسلامياً يطبق الشريعة وفق قوانين تعكس رؤيته ومنظوره الخاص لفهم الشريعة، والثاني معاداة إسرائيل والولايات المتحدة، ومن ثم لا تستطيع إيران التنازل عن أي من هذين المحورين مهما تغير السلوك الإيراني في حقيقته وتصرف بصورة مخالفة، وسيظل النظام متمسكاً بتلك الشعارات ومن ثم فمهما تحسنت العلاقات بين طهران وواشنطن أو تعاون النظام مع إسرائيل على غرار التعاون العسكري المعروف بـ “إيران غيت” فلن تتوقف طهران عن توظيف الخطاب المعادي لكل من إسرائيل وواشنطن.javascript:false
أما بخصوص الشرعية المبنية على تطبيق الشريعة الإسلامية فلا يوجد أكثر من المرأة يمكن من خلالها إبراز هذا الدور، ولذلك فحينما اندلعت في إيران التظاهرات على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني واستمرت لشهور طويلة مما جعلها تحدياً حقيقياً للنظام، وتضافرت العوامل الداخلية مع الدولية وأخذت زخماً عالمياً وأصبحت أميني أيقونة لقمع المرأة الإيرانية والنضال، لا لمزيد من حقوق المرأة بل للتخلص من النظام الإيراني، وانعكس ذلك في الفئات العمرية والنوعية ومختلف قطاعات المجتمع المنضمة إلى التظاهرات داخل إيران، فكل تلك التطورات في حينها دفعت النظام إلى الإعلان عن التخلص مما عرف بسلطة شرطة الأخلاق عن ملاحقة النساء على خلفية ارتداء الحجاب، وفقاً لقواعد معينة تحددها، كما دفعت تلك التطورات إيران إلى اتباع مسار سياسي ودبلوماسي تصالحي مع دول المنطقة للخروج من العزلة وحفظ ماء وجه النظام، بعد اهتزاز شرعيته الداخلية على خلفية عدم الاستقرار بفعل التظاهرات، فحاولت التقرب من بعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، إذ كانت التظاهرات سبباً لفرض الدول الأوروبية وواشنطن عقوبات على النظام الإيراني.
لكن يبدو أن النظام الذي يسيطر عليه المتشددون وبنى شرعيته على أساس تطبيق الشريعة لن يغير تلك المعضلة، بل استمر في طبيعته المعادية للمرأة، فقد أقر مجلس الشورى الإيراني في سبتمبر (أيلول) الماضي، أي في ذكرى مرور عام على مقتل أميني واندلاع التظاهرات، تشريعاً جديداً يفرض عقوبات أشد بكثير على النساء اللاتي ينتهكن قواعد الحجاب، إذ سُن ما يسمى مشروع “قانون الحجاب” لفترة تجريبية مدتها ثلاثة أعوام، يحدد لوائح مختلفة حول ارتداء الملابس التي إذا انتهكت فيمكن أن يؤدي ذلك إلى عقوبة السجن مدة تصل إلى 10 أعوام.
ويتكون القانون من 70 مادة، ويفصّل الحجاب غير المناسب الذي سيعد جريمة بحد ذاته يعاقب عليها بالسجن، إضافة إلى غرامة أكبر بكثير تصل إلى 360 مليون ريال إيراني (8508 دولارات أميركية).
وتكررت منذ يومين حادثة مشابهة لمقتل أميني، إذ دخلت مراهقة إيرانية تدعى أرميتا جراوند في غيوبة إثر اعتداء الشرطة عليها بزعم انتهاكها قواعد الحجاب، وتتكرر الوقائع ويكرر النظام سلوكه ليثبت أنه لم يتعلم، وأن التظاهرات التي استمرت أشهراً طويلة واكتسبت زخماً في الداخل والخارج طورت الحراك الاجتماعي الإيراني، ومع تراكم الاحتجاجات والمظاهر الثورية للمواطنين أصبح من السهل العودة مرة أخرى للشارع وإطالة أمد التظاهرات، وعدم الاستقرار الذي سيقابله البطش الأمني بما يرتب إحراجاً للدول الغربية وواشنطن التي تفاوضت مع إيان أخيراً، ومن ثم استمرار الحلقة المفرغة من بطش النظام وقمع التظاهرات واستمرار الاحتجاجات لمدد أطول، مع مزيد من العقوبات على إيران.
والمؤكد أن استقرار الأوضاع الإقليمية والدولية لإيران وترويجها لنجاح دبلوماسية الجوار، فضلاً عن صفقتها الأخيرة مع واشنطن والإفراج عن الأرصدة المالية المجمدة في بعض البنوك، منحتها بعض الثقة لتمارس القمع بصور أشد ضد المرأة الإيرانية، وربما طورت آليات أكثر عنفاً وأكثر تعتيماً على الفضاء الإلكتروني لتجنب نقل الاضطرابات الداخلية المتوقعة إلى العالم، لتجنب التعرض للساحة الدولية مرة أخرى.